الجمعة 26 ابريل 2024

اللى يجى فى الريش.. مش بقشيش

مقالات24-10-2021 | 14:49

اندهشت طويلا من ردود الفعل التى هاجمت فيلم "ريش" الذى منحته تلك الأصوات المناهضة قيمة لا يحلم بها وجعلت من صناعه رموزا يشار إليها بالبنان وبالطبع لا ينكر أحد إصرار صناعه الواضح فى تقديم عورات مجتمع حيث تجاهل مخرج الفيلم أنه يصارع الزمن من أجل كسر دائرة الفقر والعوز التى أحاطت به عقودا طويلة، من ناحية أخرى قد يكون اختيار الصناع قائما على رغبة فى تكدير صفو صورة ذهنية معينة عن مصر إما عامدين قاصدين أو حكمتهم رغبة أخرى وهى الظهور بمظهر مغاير لسياق عام وهو ما يلقى رواجا فى المحافل الدولية التى عادة ما تمتلك صورة سيئة عن الأوضاع عن بلدان العالم الثالث أو كما يحبون أن يسمونا ويجدون فى من يصدع بما يوافق هواهم ابطالا يستحقون التكريم والتبنى بالمال والدعم.

 

ليس هذا سبب انزعاجى فمن الطبيعى أن يبحث من يكرهوننا عن ما يسئ إلينا وينظرون إلى من يقدمه بعين التكريم أو البطولة فقد اعتدنا منذ 2011 على وجود مثل هذه الأصوات التى بلا شك ورغم كل ما احدثه فيلم "ريش" من ضجيج باتت أصواتا خفيضة تقليدية فقدت التأثير المطلوب منها وهى الرسالة الملحة التى يدفع من أجلها المليارات لتتحقق على أرض الواقع ومفادها أيها المصريون كونوا دائما على شك من واقعكم لا تصدقوا ما ترونه بعينكم فواقعكم بائس وأن الصورة الجميلة التى تصدر إليكم ليست حقيقية فعودوا إلى إحباطكم وعودوا إلى عدم الثقة فى أنفسكم وتشككوا فى مساركم ولا تصطفوا كما أنتم اليوم.

 

ليس هذا انزعاجى من وجود مثل هذه النوعية من الأفلام التى تصطاد فى ماء عكر ما يشفى غليل من أبدعها وغليل كل من فشلوا فى مخطط إسقاط مصر وتركيعها لكن انزعاجى الأكبر هو عجزنا ونحن أصحاب قضية عادلة عن تقديم سلعة مشابهة يعدها فنانون محبون مؤمنون بقيمة مصر ويدركون أن الفقر ليس أمرا مخجلا نسعى إلى إخفائه بل إن المخجل الحقيقى هو تركه يستفحل دون تحرك وهو ما أزعج صناع "ريش" الذين لم يروا وتعاموا عن حركة تغيير عظمى لم تشهدها مصر نحو كسر دائرة الفقر والعوز التى صنعت من خيالهم فنا كرمه من كرمه لغرض ما فى نفس يعقوب.

 

..والسؤال هنا لنا وأقصد صناع الفن المصريون ومؤسساتهم أين أنتم من إنتاج مثل هذه الأفلام ليتم تسويقها وبثها عبر العالم لتزيح وبهدوء كل المحاولات العمياء التى ترى واقعنا بعين واحدة وهى عين حين أبصرت وضعت عينها على ما اجتمعنا عليه لننهيه لتسلط عليه الضوء فتقدمه وكأن مصر هى تلك التى ظهرت على شاشتهم غير المسئولة..لماذا لم ترصد عين أبطال الفيلم المحبط كامل الصورة لتقدم للعالم صورة متوازنة صادقة عن ما يحدث وكيف يسابق المصريون الزمن لإنهاء أوضاع أكدنا جميعا أنها لا يمكن أن تستمر أو تبقى.

 

إن الاتهام الحقيقى والانتقاد الموضوعى ليس فى إنتاج صناع "ريش" هذا الفيلم بل يوجه الاتهام إلى من ترك لهم المجال واسعا فارغا ليتلقى ما صورته عدسة هؤلاء على أنه مصر الحقيقية لكن يقال رب ضارة نافعة فكما أحزننا أن نرى مصريين يرون وطنهم هكذا إلا أنهم أطلقوا صافرة تحذير مدوية بأن مصر الحقيقية ليس لها فن يعبر عنها بحق رغم تعدد الكيانات الفنية وضخامة ما يصرف عليها من أموال وأكدت لنا الأزمة أن فننا انشغل بالتحدث مع نفسه ونسى أن هناك من يقبع فى حديقتنا الخلفية يمكر مكرا سيئا.. لا تلوموا صناع ريش فقد خلعوا القناع وجاد خيالهم بنواياهم فخرجوا علينا بهذا الفيلم لكن لوموا من تركوا لهم هذا الفراغ ليملئوه ويقدم ما صنعت أيديهم فى العالم على أنه رسالة يفترض أنها تفضح مسيرة وطن.. هؤلاء المتخلون عن مسئولياتهم هم المتهمون الحقيقون الذين إلى اليوم لم يستطيعوا أن يحولوا إنجاز مصر فى مختلف مناحى الحياة إلى فن يصدع بعظمة وطن وصمود شعب لكى يزيح الخبيث الطيب دون تكلف عناء الرد عليه أو مناقشته.

Dr.Randa
Dr.Radwa