السبت 27 ابريل 2024

لبنان..والحفاظ على معنى الدولة!

مقالات23-10-2021 | 18:08

عندما قامت ثورة الثلاثين من يونيو 2013 ، اعتقد البعض أن هذه الثورة قد قامت فقط ضد حركة أو جماعة معينة، ولكن فى الحقيقة، قد اندلعت ثورة 30 يونيه لأسباب متعددة، أهمها الحفاظ على معنى الدولة، وقوتها، واسترداد عافية الوطن، بعدما حاول مجموعة من الخونة، والمضللين، أخذ الوطن إلى حروب أهلية، وصراعات طائفية، قد تؤدى إلى تقسيم جيش الدولة إلى عدة ميليشيات، كما حدث فى بعض البلدان الأخرى، ولكن عناية الله، ووعي الشعب، قد كانوا أقوى كثيراً من كل محاولات إيقاع الفتنة، وإنهاك الدولة، وضياع هيبتها، والقضاء على مقوماتها!

 

وإن كانت أحد الأسباب الرئيسية لقيام ثورة 30 يونيه تكمن فى انحراف جماعة الإخوان المتأسلمين، وتبنيها فكرة المغالبة، والإقصاء، لكل مَن هو وطنى، كى تهيمن على مقاليد الدولة، وتستغل خيراتها، لصالح ميليشياتها، ومرتزقتها، الذين تستخدمهم لتخويف، وترهيب، الشعب، إلا أن الحفاظ على الهوية المصرية، وحماية أركان الدولة، تعتبر الأسباب الأهم لقيام هذه الثورة العظيمة، للتخلص من جماعة الإخوان المتأسلمين، والميليشيات التابعة لهم!

 

ولعل ما يحدث فى لبنان فى هذه الأيام يؤكد لنا أهمية ثورة 30 يونيه، التى منعت من تكوين ميليشيات مسلحة، تحاكي فى قوتها قوة الجيش الوطنى، إن لم تكن مزودة بأسلحة متطورة تفوق أسلحة الجيش، لزعزعة تماسك هذا الجيش، وضياع هيبة قادته، والتحكم فى سياسة الدولة داخلياً، وخارجياً، حيث لا تستطيع الدولة اللبنانية فرض سياستها دون العودة إلى الميليشيات، والسماع لهم، وأخذ رأيهم، ليتراجع في هذه الحالة معنى الدولة، وبدلاً من سيادتها، تكون السيادة لهذه الميليشيات!

 

فما يحدث في لبنان أدى إلى سيطرة الحزن ليس فقط على الشعب اللبناني الشقيق، ولكن قد خيم هذا الحزن على كل الشعوب العربية، نظراً لتحول بلد الفن، والجمال، والحضارة، والمدنية، إلى مكان يقطن فيه الميليشيات، والحركات المسلحة، لتعبر كل ميليشيا أو حركة عن أجندتها الموالية للخارج، بدلاً من أن تعبر عن الصالح اللبنانى، وأن تحافظ على استقرار لبنان، وأن تقدم الرؤى، والمقترحات، لمواجهة الإنهيار الإقتصادى الذى تعيشه الآن لبنان، ولم يحدث في تاريخها من قبل!

 

فلا شك أن الميليشيات المسلحة فى لبنان تلعب دوراً محورياً فى الحياة اللبنانية بكل أنماطها، وصورها، ولا يمكن للدولة اللبنانية أن تؤدى دورها كما ينبغى أن يكون في ظل وجود هذه الميليشيات الموالية لبعض الدول في الخارج، والمنفذة لسياسات هذه الدول في المنطقة العربية، حتى ولو كانت تتعارض هذه السياسات مع المصالح العربية بصفة عامة، ومع مصلحة الشعب اللبناني بصفة خاصة!

 

وجدير بالذكر أن بعض الحركات اللبنانية، قد لعبت دوراً مهماً، لا يمكن إنكاره، ضد العدوان الإسرائيلى على لبنان، وكانوا وما زالوا أساس مهم من أسس وركائز المقاومة اللبنانية، ولكن يجب أن يكون ولائهم للبنان فقط، وليس لأى دولة أخرى، وأن يكون شغلهم الشاغل هو مصالح الشعب اللبنانى، وأن يحترموا أركان الدولة اللبنابية، وسلطاتها، وأن يخضعوا لسيادتها، وأن يمتثلوا لقضائها، بحثاً عن الحقيقة، وخاصة فيما يتعلق بأحداث أغسطس 2020م الخاصة بإنفجار مرفأ بيروت، الذى هز كيان العالم كله، وليس الدولة اللبنانية فقط!

 

فمن غير المعقول أن يستعرض أي حزب عضلاته، وأن يلعب دوراً مشبوهاً يتعلق بأحداث الطيونة الدامية، كى يطمس الحقائق، ويمنع من الوصول إليها، بشأن الكشف عن المتهمين الحقيقيين المسئولين عن إنفجار مرفأ بيروت، والذى راح ضحيته العشرات من اللبنانيين الأبرياء، كما لا يكون مقبولاً أن يتباهى أي حزب أو أي حركة بقوتها، وتعلن أن لديها الآف المقاتلين، الذين يكونوا جاهزين للقتال في أى وقت، والسؤال الذى يفرض نفسه هنا هو: إلى مَن توجه هذه الحركات تصريحاتها ؟! وهل الجاهزية للقتال بهدف الدفاع عن الدولة اللبنانية، أم لقتال اللبنانيين أنفسهم؟!

 

وليس مقبولاً أيضاً أن يُعلن بوتين، وهو رئيس إحدى الدول الكبرى، التى تلعب دوراً مهماً فى المنطقة، أن أحد الأحزاب يمثل قوة سياسية كبيرة فى لبنان، ولا يمكن تجاهلها، وأنه ينبغى التواصل مع كافة الأطراف، وصولاً لتسوية مرضية لهذه الأطراف.

 فبدلاً من أن نعزز من معنى الدولة، والحفاظ على أركانها، وسياستها، نمد اليد إلى الميليشيات للتفاوض معها، ويا ليت هذه الميليشيات ستقبل بالتفاوض، ووضع المقترحات التى تساهم فى إنقاذ لبنان، ولكن سترجع أولاً وقبل كل شيء إلى الدولة التي تدعمها، لتفرض سياستها على الواقع اللبنانى، لتستمر معاناة الشعب، فى ظل وجود مجموعة من غير الأمناء على حقوقه ومصالحه!

 

فما يحدث فى لبنان من إتهامات متبادلة بين الأحزاب والحركات، يؤكد سرعة الصعود إلى الهاوية، ويؤكد سرعة الإتجاه نحو فشل الدولة اللبنانية، وبدلاً من أن تتكاتف كل هذه الأحزاب، والحركات، كي تظهر الحقائق، بشأن انفجار المرفأ، وحادث الطيونة ، نجد عدم التعاون هو الشعار السائد لأغلب الأحزاب والحركات اللبنانية!

 

 فما يحدث من الميليشيات المسلحة فى لبنان، يبرهن على غياب المعنى الحقيقى للدولة، ويؤكد أن هذه الميليشيات قد أصبحت أقوى من الدولة، وهو ما لا يمكن إقراره حفاظاً على مصالح الشعب اللبنانى، ويجب على هذا الشعب العظيم أن يستمر في نضاله، من أجل الحفاظ على دولته، ويجب على كل القيادات العربية، أن تقدم يد العون للبنان لإنقاذها من السقوط، ويجب على المجتمع الدولي أن يقوم بدوره المنوط به، كي نحافظ على معنى الدولة اللبنانية وأن تعود أقوى من أي حزب أو أي حركة!

Dr.Randa
Dr.Radwa