السبت 27 ابريل 2024

وإن لنفسك عليك حقًا..


الشيخ أحمد تركي

مقالات23-7-2021 | 02:46

الشيخ أحمد تركى

توجيه نبوى شريف وبسيط للصحابي الجليل أبى الدرداء الذي فهم الإيمان على نحو ترك حظوظ الدنيا واجتناب الحياة، والاكتفاء بالصلاة والذكر والعبادة... 

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء بعد الهجرة النبوية الى المدينة المنورة، فزار سلمان الفارسي صاحبه فوجده لا يعرف سوى الصلاة والعبادة مع إهمال حقوق زوجته والاعتناء بماله....

فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا وإن لجسدك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا.. فأعط لكل ذى حقٍ حقه .... 

ولما علم النبى صلى الله عليه وسلم بكلام سلمان! قال لأبي الدرداء.. لقد صدق سلمان إن لربك عليك حقا، وإن لجسدك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا.. فأعط لكل ذى حقٍ حقه ...

إن من أشد الأخطاء التى يمارسها الانسان المعاصر! ، اهتمامه بحياة غيره وحقوق غيره وإهمال حقوقه الشخصية التي قررها الله له فطرة ًودينًا! ، أو الاهتمام بحقوقه هو فقط والحرص على الارتواء من بحر الحياة مع إهمال حقوق غيره تمامًا ..

الصورة الأولى: رجل آثر أولاده وأهل بيته بوقته وماله وكدّ فى الحياة لتوفير رفاهيتهم بمثالية كبيرة مدعيًا أن رسالته هي أن يعيش لغيره دون أن يهتم بحقوقه في الحياة من متع الحياة الفطرية ... 

والصورة الثانية: عكس الأولى، رجل يعيش أنانيته كاملة دون نقصان.. ويهمل حقوق أولاده وزوجته والناس دون أى اعتبار... 

والصورتان رغم انتشارهما، وكثيرًا ما يبدو على أصحابهما التدين وحب الله، وأحيانا يتم تبرير هذين المسلكين بقال الله وقال الرسول !!! لا تمثلان الايمان الحق وسنة النبى صلى الله عليه وسلم... ووصل الجهل بالبعض إلى الاستدلال بنصوص ذم الدنيا!! وأن الرسول قد ذمها وهذا يعني أن نحرم أنفسنا منها!! 

واسمحو لى توضيح الفرق بين حب الدنيا وحب الحياة لتتضح الحقيقة النورانية فى هذا الجانب ...

الفرق بين حب الدنيا وحب الحياة ؟ 

هناك فارقٌ كبير بين حب الدنيا وحب الحياة ! 

حب الدنيا هو أن تعيش مسجونًا بين جداران ملذاتك وتعيش لها!! دون أى اعتبار!! 

أما حب الحياة فهو أن تعيش إنسانيتك روحًا وقلبًا وعقلًا ونفسًا وجسدًا... تستمتع  بالحلال. وما أكثره. كما تستمتع بعبادة الله فى الخشوع والحب والتجلي والعطاء... 

ولا يمكن أن تحب الآخرة وتستعد للقاء الله حتى تعيش حياتك وإنسانيتك .. 

"ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك" القصص: 77

ألا تعلم أن الله أوجب على الزوجين اثناء الجماع ان يصلا إلى درجة الارتواء العاطفى والجنسى وربط ذلك بتقوى الله؟! 

فقال تعالى: "نساؤكم حرث لكم فأتو حرثكم أنّى شئتم وقدمو لأنفسكم واتقو الله واعلمو أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين" البقرة : 233

أى أن الإنسان لا يستطيع معايشة التقوى والإيمان الا إذا ارتوى بالحلال على مستوى احتياجاته الفطرية .. 

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمتع بالنظر إلى أهل الحبشة وهم يلعبون في المسجد..

ومرّ علي شباب ينتضلون ( يتسابقون فى الرمى )، فقال: ارمو بني اسماعيل فإن أباكم كان راميًا.. (تشجيع الرياضة). 

وقال لمن زعمو أن الحرمان من الزواج أو الطعام أو الراحة قربى إلى الله: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم لله! ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتى فليس مني".

وقال للسيدة عائشة وهى عائدة من عرسٍ لبعض الأنصار: "هلا أطربتم لها فإن الأنصار يحبون الطرب" ...

وهناك مجموعة من الناس زعموا كذبًا أن هناك  خصومة بين الله وبين حب الحياة ومعايشتها!، وسوقوا لفرية  وجوب عيش حياة الحرمان والذل والقهر والتعصب والكراهية حتى يرضى الله عنا!! 

وكذبو على الله بهذه الفرية .. 

"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" سورة الصف (7).

-الحقيقة أن هذا النمط من التدين المشوه وظفه تجار الدين كوسيلة للسيطرة على الناس وابتزازهم  ماليًا ونفسيًا وسياسيًا ...

إن ظلم الانسان لنفسه بتجاهل حقوقه واحتياجاته قد يوصله للانحراف !  ، سواء الانحراف عن الاستقامة والدين ! ، أو الإنحراف نحوالتعصب والتطرف ..

وقد حدث هذا كثيرًا !! بل إن الانحراف فى عصرنا نتيجة طبيعية لذلك ..

وتبقى وصايا النبى -صلى الله عليه وسلم- ضمانًا للتوازن فى حياة الإنسان بين حقوقه وحقوق الآخرين مع إعطاء  كل طرف حقه ومستحقه.

إن لربك عليك حقًا وإن لجسدك عليك حقًا وإن لأهلك عليك حقًا .. فأعط لكل ذى حقٍ حقه..

والحمد لله على نعمة الاسلام ونعمة الحياة..

والله المستعان

Dr.Randa
Dr.Radwa