السبت 27 ابريل 2024

"الصديقان" السجين والسجان


د.صلاح سلام

مقالات22-5-2022 | 10:43

د صلاح سلام

أمس كانت أمسية وطنية بامتياز احتضنتها مكتبة مصر الجديدة العريقة حيث دعا رئيسها أ.د.نبيل حلمي أستاذ القانون الدولي كل المهتمين بتاريخ مصر من كافة الأطياف من الشخصيات العامة للاحتفاء بأقدم وزراء مصر وأيقونة حقوق الإنسان في مصر والعالم والرئيس السابق للمجلس القومي لحقوق الإنسان لسنوات طويلة الوزير محمد فائق.

وحضر لفيف من الحقوقيين والقوميين وتلامذة وأحباب وعشاق الرجل الذي حمل في قلبه وعقله جزءًا من تاريخ وذاكرة مصر، وقد أهدى إلى المكتبة جزءًا كبيرًا من مكتبته الخاصة مما حدا بمجلس أمناء المكتبة أن يقيم حفلا للاحتفاء به.

وبالطبع وقف المضيف يتحدث عن مأثر وتاريخ الرجل في مصر وأفريقيا وكيف أنه كان ممثلا للرئيس عبد الناصر في أفريقيا وكان رمزا  تقدره وتحترمه كل الشعوب والزعماء الأفارقة حيث شارك كل حركات التحرر  وكان صديقا لمعظم زعمائها،  نيلسون مانديلا ولومومبا وليبود سينجور ونيكروما وأحمد بن بلا وغيرهم... ولكن ما لفت نظر الجميع حديث نبيل حلمي، الضابط سابقا، والذي كان يخدم في نفس السجن الذي كان فيه الأستاذ محمد فائق سجينا بعد أن حكمت عليه محكمة استثنائية شكلها الرئيس السادات ليحاكم كل رجال عبد الناصر أو ما سماه موسى صبري وقتها"مراكز القوى" وكان نصيب وزير الإعلام آنذاك محمد فائق عشر سنوات سجنًا بتهمة محاولة قلب نظام الحكم... والعجيب ما قاله المضيف إنه عادة ما يستولي المنقلبون على وزارة الإعلام  لينجح انقلابهم ولكن تهمة المحتفى به محمد فائق، كانت أنه قدم استقالته من وزارة الإعلام عام ١٩٧١ وكانت تسمى وقتها وزارة الإرشاد القومي.

 ونشأت صداقة بين السجين والسجان...لدرجة أنه اصطحبه يوما في حديقة السجن لييلغه أن القيادة أبلغته أن الأستاذ محمد فائق لم يقم بأي عمل مشين ويمكن أن يطلق سراحه وقد أمضى من العقوبة نصفها أي خمس سنوات على أن يقدم اعتذارا عما بدر منه...

ويستطرد الضابط السابق نبيل حلمي، أنه فوجئ برد "السجين " محمد فائق أنه لن يكتب اعتذارا لأنه لم يفعل أي خطأ يستحق الاعتذار...وبالفعل لم يتم الإفراج عنه ودفع من عمره  خمس سنوات أخرى سجينا ليكمل العقوبة كاملة ويفرج عنه ١٩٨١  ثم يعاد اعتقاله في اعتقالات سبتمبر من نفس العام ثم يخرج بعد وفاة الرئيس السادات .. والأغرب أنه يأتي الدور على المحتفى به ليتحدث، فكعادته لا يذكر هذا الأمر أبدا وحتى طيلة تواجدنا معه على مدار ثماني سنوات أعضاء في المجلس القومي لحقوق الإنسان لم  أسمعه يومًا يذكر الرئيس السادات بسوء من قريب أو بعيد..

ياه ما هذا الكم من التصالح مع النفس .. هيهات أن يجود الزمان بهذه الشخصيات التي تترك فينا أثرا لا يمكن أن يمحى، فهو بحق مدرسة للتسامح والعمل الجاد والكفاح والتعلم والإيثار .. وجاء حديثه سلسا جميلا عن أيامه في أفريقيا والجزائر وعن حرب ١٩٥٦ وكيف أنه ارتدى ملابس الفلاحين وانخرط في المقاومة الشعبية في بورسعيد، وعن عمله في الأمم المتحدة وعن تأسيس المنظمة العربية لحقوق الانسان وإشهارها في قبرص، ثم تدخل مصر بطريقة شرعية وتأسيس دار المستقبل للنشر وكيف أنه ضم في مجلس أمنائها كل أعلام مصر وقتها.

ولم ينسَ الرجل وهم يتكلم عن الماضي البعيد والقريب أن يترحّم على الشهيدة شيرين أبو عاقلة ويدين الاحتلال الإسرائيلي والذي ارتكب جريمتي القتل والاعتداء على جنازتها. 

وتنتهي الأمسية ببعض الصور التذكارية مع الحضور بعد أن قدمت المنظمة العربية والمنظمة المصرية درعيهما له تعبيرًا عن الامتنان لرائد الحركة الحقوقية المصرية والعربية...حديث جميل ورقيق مع تأثر وشجن بالغ من أ.د. نيفين مسعد، أستاذ العلوم السياسية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وحكايات جميلة ولو اتسع الوقت لكنا سمعنا من الكاتب والمؤرخ القومي العربي الأستاذ أحمد الجمال  مزيدًا من أسرار تاريخ الحقبة الستينية والسبعينية من القرن الماضي والتي تزخر بالأحداث السياسية أو ما تلاها من الوزير الدكتور علي الدين هلال الذي حضر متأخرا ليشارك أيضا في صالون الجراح الذي يقيمه الصديق أ.د. جمال سعيد أستاذ جراحة الأورام في نفس المكان بعد الاحتفال والاحتفاء مباشرة وهذا يحتاج إلى مقال آخر عما قريب .. إن شاء الله.

Dr.Randa
Dr.Radwa