الجمعة 26 ابريل 2024

استراتيجيات تقديم الصورة الإعلامية للرئيس السيسي (1)

مقالات17-10-2021 | 13:18

غدت التطورات المتواصلة في وسائل الاتصال عاملًا مهمًا في تحقيق الديمقراطية، حيث تمارس دورًا فاعلًا في تشكيل الوعي والإدراك السياسي من خلال تثقيف المجتمع سياسيًا، وما تقدمه من معلومات حول الأحداث أو الشخصيات أو الأحزاب السياسية. واهتم باحثو السياسة والإعلام بدراسة العلاقة بين النظام السياسي والإعلامي، فكلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، حيث يمارس وسائل الاتصال دور الوسيط في العملية السياسية بين القادة السياسيين والجماهير.

وقد أكد (Gabriel Almond) على ذلك بمقولته "إن كل شيء في السياسة اتصال"، لذلك حرص القادة والسياسيون في الديمقراطيات الحديثة على التوجه نحو وسائل الاتصال وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي لصنع صورة سياسية محددة تحظى بالقبول والموافقة من جانب الجماهير، ورغبةً منهم في الحصول على تأييد ودعم جماهيري، والحفاظ على هذا التأييد من خلال استخدام استراتيجيات تسويق سياسي محددة تعتمد على وسائل الاتصال.

 

لذلك أصبحت صناعة الزعماء وتسويق صورتهم لدى شعوبهم مهنة متقدمة لها أصولها وقواعدها وبرامجها ومخططوها ومحترفوها،وأصبح التسويق السياسي سمة أساسية في صناعة صورة الرئيس بدءًا من طريقة الحديث، لغة الجسد، اختيار الملابس، القدرة على الاتصال الشخصي والجماهيري، والتعامل مع وسائل الاتصال.

ويعد الرئيس السيسي من أوائل القادة العرب بصفة عامة، وأول رئيس مصري بصفة خاصة يدرك أهمية التسويق السياسي، ويعمل على بناء صورة سياسية محددة له منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية عام (2014)، وهو ما اتضح جليًا في اللقاءات والمؤتمرات مع الشباب، والمشروعات القومية التي يتم الإعلان عنها، وقد أكد البعض أن مبادرة (اسأل الرئيس)، ومؤتمرات الشباب كلها نماذج ومحاولات جيدة من الرئيس للتسويق السياسي لإنجازاته، ولكنها مازالت غير كافية.

 

في هذا الإطار، استهدفت الدراسة المهمة والرصينة التي أعدتها د. غادة شكري محمود مدرس الصحافة بأكاديمية أخبار اليوم والمعنونة "التسويق السياسي واستراتيجيات تقديم  الصورة الإعلامية للرئيس عبدالفتاح السيسي في الصحافة المصرية ومواقع التواصل الاجتماعي" رصد وتحليل الاستراتيجيات والتكنيكات التي استخدمتها صحيفة "الأخبار"، وموقع "اليوم السابع" وصفحة "الفيس بوك" الرسمية للتسويق السياسي لصنع الصورة الإعلامية للرئيس خلال المؤتمريْن السابع والثامن للشباب، وذلك للتعرف على مواطن الضعف ومن ثم تعديلها مستقبلًا، وكذلك التعرف على نقاط القوة في التسويق وتدعيمها، وبالتالي العمل على صنع قواعد وأسس تطبيقية لعملية التسويق السياسي الصحيح داخل البيئة المصرية.

وقد أدى تطور المفاهيم وارتباط مفهوم السياسة بالتسويق إلى ظهور مصطلح التسويق السياسي باعتباره مفهوماً حديثًا نسبياً، وبالرغم من حداثته إلا أنه يتزايد الاحتياج له حتى وإن كانت المؤسسة السياسية أو الحزبية أو القائد السياسي يتمتع بثقل ووزن سياسي بين الجمهور، خاصة إذا تمكن المُسَّوق السياسي من حسن إدارة عملية التسويق الخاصة به.

 

وقد استخدم القادة السياسيون مفهوم التسويق السياسي للتعريف بأنفسهم ونشر أيديولوجياتهم ووجهات نظرهم وبرامجهم من خلال استخدامهم الأساليب وأدوات التسويق الحديثة، هذا إلى جانب استخدامهم وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تمارس دوراً مهماً في عملية الإدراك السياسي للأفراد.

وقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي أهمية التسويق السياسي منذ إعلان ترشحه للرئاسة في 26 مارس عام 2014، وكذلك خلال حملته الانتخابية الرئاسية وحتى وصوله في سُدة الحُكم، واتضح إدراكه التام لأهمية التسويق السياسي من خلال عدة نقاط نستعرضها كالتالي على سبيل المثال لا الحصر:

  1. حرصه على التواصل مع الجمهور باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر – فيس بوك) للتسويق لأفكاره وأنشطته الرئاسية.
  2.  التواصل الدوري والمنتظم من خلال لقاءاته بالشباب عن طريق المؤتمرات الشبابية.

وعلى هذا النحو تتبلور المشكلة البحثية في رصد وتحليل ومقارنة أدوات التسويق السياسي التي وظفتها الصحف المصرية، والصفحة الرسمية للرئيس على موقع الفيس بوك في صناعة الصورة الإعلامية للرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مؤتمريْ الشباب السابع والثامن، وهل أثرَّت الظروف المحيطة بالمؤتمرين في تغيير أدوات التسويق السياسي التي يوظفها للرئيس؟ أم أن الأدوات ظلت ثابتة؟.

 

وتتجلى أهمية هذه الدراسة في المؤشرات الآتية:

  1.  أهمية العلاقة الوثيقة والمتداخلة بين الاتصال والسياسة، خاصةً في هذه الفترة التي تشهد تحدياتٍ غير مسبوقة تواجهها الدولة المصرية، علاوة على الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، والتي تصل إلى درجة عدم القدرة على عزل العملية السياسية عن العمليات الاتصالية المختلفة، وعلى رأسها العمليات الاتصالية الخاصة برئيس الدولة.
  2. أهمية التسويق السياسي لصورة الأشخاص بشكلٍ عام، وصورة الرئيس بشكلٍ خاص في الدراسات الإعلامية. ويُعد مدخل التسويق السياسي من المداخل البينيْة الذي يربط أكثر من مجال (الاتصال-السياسة-الإدارة).
  3. تُعد حملات التسويق السياسي من الموضوعات التطبيقية التي لم يتناولها كثيرٌ من الباحثين في مصر.
  4. أصبح التسويق السياسي في الأونة الراهنة أداةً سياسية واتصالية فعالة وبالغة الأهمية تهدف إلى التأثير في الرأي العام، خاصةً وأن الرئيس السيسي يُعد أولَ رئيسٍ لمصر يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الشعب المصري لعرض أنشطته وأفكاره بهدف خلق جسور من الثقة والتواصل بينه وبين الجماهير.
  5. تكتسب الدراسة أهميةً خاصة لأنها تقوم بتحليل موقع إلكتروني يحظى بجماهيرية واسعة كما اتضح من ترتيبها في نسبة متابعة وزيارات الموقع من الجمهور على موقع Alexa، الذي يرتب المواقع في كل بلد بحسب عدد الزيارات.

وتنتمي هذه الدراسة إلى الدراسات الوصفية التي تسعى لوصف الموضوع محل الدراسة والتحليل، ويقوم الجانب التفسيري بتحليل التكتيكات والاستراتيجيات والمعاني والربط بين الأبعاد المختلفة للموضوع من خلال التحليل الكيفي، وتوظف منهج المسح والمنهج المقارن على مستوييْن:

المستوى الأول: إجراء مقارنة بين الأدوات والأطر والأساليب التي استخدمتها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي محل الدراسة للتسويق السياسي لصناعة الصورة الإعلامية للرئيس السيسي.

المستوى الثاني: إجراء مقارنة بين الأدوات والأطر والأساليب التي استخدمتها الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي محل الدراسة بين مؤتمري الشباب السابع والثامن في التسويق السياسي لصناعة الصورة الإعلامية للرئيس السيسي، وهل اتفقت أم اختلفت تلك الأدوات والأطر بين المؤتمريْن؟

واستخدم البحث العينة العمدية في اختيار عينة الدراسة وذلك بتطبيق أسلوب الحصر الشامل خلال الفترة الزمنية للدراسة، وتتمثل عينة الدراسة في الآتي:

أ- عينة الصحف:

  • الصحف القومية: وتتمثل في صحيفة "الأخبار"، وذلك بناءً علي الدراسة الاستطلاعية التي قامت بها الباحثة والتي توصلت إلى ارتفاع تكرارات الموضوعات التي تناولت موضوع الدراسة.

ب- عينة المواقع الإخبارية:

  • صحف خاصة: وتتمثل في الموقع الإخباري لصحيفة "اليوم السابع" وذلك لكونها تحظى بجماهيرية واسعة، كما اتضح من ترتيبها في نسبة متابعة وزيارات الموقع من الجمهور.

جـ- عينة مواقع التواصل الاجتماعي:

  • الصفحة الرسمية للرئيس عبد الفتاح السيسي على موقع فيس بوك وذلك لكونها تمثل المعبر الرسمي والشخصي لآراء واتجاهات الرئيس.

وتمثلت العينة الزمنية من 1/7/2019 إلى 30/9/2019 وذلك لدراسة ما قبل وما بعد الفترة الزمنية لانعقاد مؤتمريْ الشباب السابع والثامن.

  • دراسة أدوات وأساليب التسويق السياسي لمؤتمري الشباب وما يحيط بهما من ظروف محددة قد تؤثر في الأدوات المستخدمة في صناعة الصورة الإعلامية للرئيس، خاصة وأن الفترة الزمنية لانعقاد المؤتمرين متقاربة زمنياً إلى حد ما.

وقامت الباحثة بتوظيف صحيفة تحليل المحتوى لتوصيف وتحليل أساليب وأطر التغطية الإعلامية لمؤتمري الشباب السابع والثامن عام (2019) في الصحف المصرية ومواقع التواصل الاجتماعي محل الدراسة، كما قامت بتوظيف التحليل الكيفي لرصد وتحليل وتفسير الأدوات والاستراتيجيات والأطر التي استخدمتها تلك الوسائل في التغطية الإعلامية لمؤتمري الشباب السابع والثامن للتسويق السياسي لصناعة الصورة الإعلامية للرئيس.

ونستعرض في هذه السلسلة من المقالات نتائج هذه الدراسة المهمة.

Dr.Randa
Dr.Radwa