الجمعة 26 ابريل 2024

أحياناً تكون الراحة فى الخرافة!

مقالات25-9-2021 | 17:40

قد يُدفع الإنسان أحيانا للتعلق بالخرافة.. فقد يكون الدافع هو الخوف والقلق أو الرغبة الشغوفة لاستشراف المستقبل أو السيطرة على المجهول.. وقد يكون اليأس الدافع لتمنى حدوث معجزة لتغيير موازين الأمور..وقد يكذب على نفسه فيتعلق بالإيحاء فتكون الأوهام ليريح نفسه!!وكأن العقل خلق ليشقينا فأصبح لزاما علينا أن نلجأ للخرافة للتسليم بأمور غيبية أكبر من تصوراتنا المحدودة!! أو وصولاً لحلول لمشكلات مستعصية فشلنا فى حل لغزها!!

 

فتصبح الخرافة فى أشكالها المتعددة من الاعتقادات الموروثة عبر آلاف السنين ووصولا للجوء للسحر والشعوذة للسيطرة على أمور حياتنا أو حتى الحفاظ على مكاسبنا فيها لتكون «الواحة» التى يذهب إليها الإنسان.. ونختلف فيما بيننا فى درجات التصديق والتقبل لهذه الموروثات، ولكن لا يوجد إنسان لا يوجد لديه ولو جزء قليل يسلم ببعض هذه العادات والموروثات التى وصفت بأنها خاطئة ترتفع درجة خطئها فى بعض الأحيان لتصل لمخالفة الأديان بالاعتماد على السحرة والدجالين.

 

لكن قوة هذه العادات قد تأتى من مصادفة حدوثها خلال ربط الإنسان لعدد من الأمور داخل نفسه فاقتنع بها فتتواكب المصادفة التى تجمع بين هذه الأشياء وتتكرر لدرجة خلق العقيدة داخل نفوسنا التى نتمسك بقوتها حتى وإن لم نعلن أمام الآخرين وتصل درجة عدم الإعلان للخجل منها عند البعض إذا ماكان يحتل مركزاً مرموقاً فى المجتمع أو شهرة معينة لأنه يعلم أن معارضيه من أصحاب العلم والإيمان سيترصدون له وهو يعلم أنه لا حجة لديه سوى إيمانه النفسى وتصديقه بها،فنرى البعض يلجأ سراً لبعض المنجمين أو يحتفظون بالأحجبة التى يخفونها داخل ملابسهم وأحياناً يكون التفاؤل ببعض الأمور العينية مثل الخرزة الزرقاء أو ارتداء بعض الملابس وألوانها وبعض الروائح مثل البخور وغيرها، وكذلك التشاؤم من بعض الأشخاص أو الأشياء وهكذا، فنفوسنا تميل للتصديق بما يدعمها بالأمور المحسوسة سواء فى ملامستها أو رؤيتها أو حتى رائحتها.

 

وقد يصل الإنسان بالجد والاجتهاد لمكانة أو وظيفة معينة أو حتى يحقق شهرة فى مجال معين وما إن وصل لهذه المكانة حتى يسيطر عليه الخوف من فقدانها فتدفعه للخرافة حتى يتعلق بأى أسباب لدوامها فينتقل لقراءة اخبار النجوم والأفلاكَ وظهور القمر وانحساره عن البرج الفلانى أو تنخفض درجة تعلق الإنسان بهذه الأمور فيستطلعها من باب العلم بالشيء ولكن قد يتفاءل أو يتشاءم بها أيضاً.

وقد يعجز الإنسان عن تفسير كثير من الأحداث والمشكلات التى تواجهه فى الحياة وتفشل معها الحلول العقلية وربما العلمية فى القضاء عليها فنلجأ للخرافة نتيجة اليأس فى الحصول على حلول منطقية ولسان حاله «ماذا سأخسر إذا ما جربت هذا الحل الخرافى؟» وإذا ما حدث وفشل لن يخسر شيئا، ولكن تعلقه بإيجاد حل ولو زيفياً هو الدافع له الذى قد يتولد معه الإيحاء، وهنا ونختلف فيما بيننا فى خلق هذا الإيحاء فكلما كان الإنسان متعلماً وعقلانياً ينخفض معه الإيحاء بسبب رفض عقله لأى سيطرة خارجية عليه لأن خلق الإيحاء يحتاج لسيطرة كاملة على عقل وقلب وكل حواس الإنسان وكأن الإنسان تحت التنويم المغناطيسي، وقد يخلق الإنسان فى داخله أسباباً نفسية تدعم انحيازه وتقبله لهذه الخزعبلات، وقد تكون تحت ما يسمى بالبركة مع إعطاء العقل كافة حقوقه الجدلية.

فيعيش الإنسان بمخزون وإرث شعبوى واجتماعى قد يكون أكبر من التعليم والدرجات العلمية المتقدمة التى قد يرسم فيها الإنسان لنفسه صورة علمية جادة ولكنها تهدد راحته النفسية وهذه الحالات نراها عندما تلتقى الحضارات العربية والشرقية بالغربية التى تصل لدرجة الصراعات مع العلم أنه حتى الأشخاص الذين ينتمون للحضارات الغربية لديهم نفس المخزون الشعبى الذى يكمن وراء هذه الحضارات البرجماتية، وسيظل الإنسان كما هو عقله يعجز عن فك طلاسم الكثير من الأمور الطبيعية والمشكلات التى تفوق مستوى تصوراته التى يلجأ معها أحيانا للحلول السهلة أو التسليم بما هو كائن دون مناقشة!!

 

فعندما يقابل الإنسان مشكلة تكون عبارة عن سلسلة من الحلقات إذا ما استطاع أن يفك طلاسم واحدة فإنه يصل للأخرى وإذا ما فشل فى إحداها فإنه يفشل فيما يليها،وقد تتحول معه المشكلة إلى معضلة ربما يبحث عن الحلول السهلة وهو الجانب الخرافي،فدائماً ما تزدحم عقولنا بالأفكار والمشكلات المتعددة فإذا ما فشل فى إدراك علل الأشياء الحقيقية فى اعتماده على الملاحظة والتجربة والاستدلال العقلى والاستقراء السليم فإنه قد يلجأ إلى التفسير الخرافى على اعتبار أنها أمور أكبر من طاقته الاستيعابية،وقد تصل لدرجة ان يصدق العقل هذه الخرافة ويترك الدليل ولايبحث عنه،وهذه فى أمور عديدة فى حياتنا تعتمد على حكايات وقصص قديمة ملأت أسماعنا على مر السنين لدرجة أن العقل يصدقها ولا يتوقف عندها وأحيانا يكون بسبب الخوف من العقاب الروحانى الذى قد يصيبه إذا ما اعترض عليها فيمررها ولا يقف عندها.

 

ودائماً ماتتصارع العقيدة الدينية مع الأمور المتعلقة بالخرافات حتى أنها تمتد للحديث عن التفاؤل والتشاؤم فقد يضطر لإلصاق بعضها بالدين حتى يعطى لها قوة على اعتبار أن الاعتقاد الدينى له قوته وسلاحه الذى يجعل الإنسان يواجه به مصاعب الحياة ويتغلب عليها ويخلق الراحة النفسية فى ذات الوقت،وكلما كانت صلة الإنسان بربه قوية يقل اللجوء للخرافات حيث يزداد اللجوء للخرافة فى المجتمعات التى يقل فيها العلم والإيمان فيرتفع الجهل فى التعاطى مع الأحداث والمشكلات،وقد يتصارع الدين مع الخرافات فتجدكثيرا من الأوقات أننا نظل واقفين عند نقطة الفتاوى التى تبيح وتحرم هذه المعتقدات وعلى الرغم من تكرار هذه الفتاوى والتصحيحات من قبل علماء الدين لكن يظل الناس يكررون هذه الأسئلة وتحصل على نفس الإجابات وتعاد الكرة مرة بعد الأخرى أملاً فى الحصول على ما يتوافق مع ما يدور داخلنا على الرغم أنه لا تعارض بين العلم وصحيح الأديان، ولكن رغبة الإنسان فى عدم تغيير المعتاد الذى يأخذ به من باب الكسل والاستسهال.

 

هى قوة العادة المتوارثة التى قد تنازع الأديان على مر الأجيال قد تظهر أمور عديدة مثل عادات التفاؤل والتشاؤم،على الرغم من أن الأديان كلها أكدت على ضرورة تحلى الروح والنفس بالتفاؤل على اعتبار أنه الطاقة الإيجابية التى تمنح الإنسان القدرة على العمل طالما اخذ بالاسباب وفعل ما عليه من مهام فاصبح قيمة ايمانية للعمل ونهت عن الشاؤم الذى يولد روح اليأس والقنوط والإحباط حتى أنه يجعل الإنسان مترقباً لحدوث السيء فى أى وقت فتفقده السعادة والراحة النفسية.

ولكن التفاؤل مثل أى شيء يجب الاعتدال والوسطية وعدم الإفراط فى الاستبشار بنتائج جيدة ليست على أساس عمل جيد وإلا أصبح مغامرة أو تهورا أو دعوى للاتكالية بتذرعات واهية غير مناسبة للواقع فقد يسبب الإفراط فى التفاؤل فى الاستهانة بعواقب الأمور فيجب أن يقدر الأمور بميزان جيد يفترض معه كافة الاحتمالات لوضع كافة السيناريوهات لمواجهتها على أحسن وجه، وكذلك الأمر بالنسبة للتشاؤم فلا يصح أن يربط الإنسان نتائج الأشياء بعيدا عن حسابات العمل،فيعيش عاجزاً حتى أنه يتمنى أن يرحل قبل أن يأتى اليوم القادم وقد يكون معدياً لمن حوله فيفقدهم الرغبة فى البقاء ولسان حاله «مفيش فايدة».

وكلما كان الإنسان بسيطاً كانت درجة تفاؤله أكبر لأنه غير مدرك لطبيعة الصعاب ففطرته البسيطة جعلته يغالى فى التفاؤل..أو لو كان على درجة علم أكبر متمكنأ من أدواته الفعلية ومهاراته وحسابات تجعله يميل للتفاؤل، لكن فى نفس الوقت فإن الشخص المتشائم صاحب عقل خامل وقليل من العلم فيلقى بالأسباب على الآخرين والتصديق بالخرافة لدرجة إيذاء نفسه والآخرين بشيوع روح الإحباط واليأس.

 

هنا يبحث الإنسان فى رحلته النفسية الداخلية عن الاستقرار والراحة النفسية طالما أنه سوى يتلاءم ويتكيف مع نفسه ليتكيف مع من حوله فيسعى دائماً للقضاء على الخوف والقلق الإنسانى من خلال سلوكيات ملموسة قد يخلطها بالجانب الدينى فيلجأ إلى المواجهة الفعلية الناجحة للقضاء على هذا الخوف الذى قد يدفع البعض الآخر إلى الخرافات لتحقيق الاستقرار النفسى فلا يتحقق التوافق النفسى الذى يمكنه من التعامل الإيجابى مع ما يقابله من ضغوط ومشكلات، وقد يلجأ للخرافة فى اتخاذ قرارات مصيرية فى حياته مثل الزواج أو البيع أو الشراء أو حتى العلاج من بعض الأمراض المستعصية التى يفشل فى العلاج منها بحجة أنها مس من الشيطان وان هذه الخرافة ستطرد الشياطين على الرغم من أن طرد الشياطين يكون بذكر الله والتقرب لله بالطاعات ولكن حينما اتجه الإنسان لهذه الحالة قد يكون من الاهتزاز النفسى الذى دفعه لأن يتخذ غيره قراره.

 

إذن الإنسان فى اتجاهه لأعمال العقل وتحمله تبعاته وعنائه وتقبله لنتائجه أو اتجاهه ناحية الخرافات والتعلق بالأوهام إنما الهدف منه هو الوصول للراحة النفسية.. فلا يوجد إنسان يحب أن يشقى نفسه، فدائماً ما ينظر إلى رغباته وطموحاته التى تحركه من منظور محسوس وإذا تمتع بالإرادة القوية يدرك أن تعبه ومجهوده سيوصله إلى ما يريد وإذا ما أراد التوفيق يكون متمتعا بقدر إيمانى قوي، يدفعه للعمل الجاد وطلب التوفيق من الله فى نفس الوقت وإذا ما حالفته النتائج الطيبة المثمرة يشعر بالسعادة وإذا ما كانت درجته إيمانية أعلى فإنه يتقبل عدم التوفيق بصدر رحب لعلمه أنه أمره كله بيد الله وهى ما نقول عنها طاقة روحانية يستمدها الإنسان بقربه من الله فتزيد من مناعته فى معركته مع الحياة، وهى تختلف عن الارتكان للخرافات التى تتعارض مع الإيمان وتعزز رغبات الكسل وعدم الاجتهاد داخل الإنسان حتى إنه يلقى بتبعات النتائج على غيره فلايتحمل مسؤولية عمله الذى سيحاسبه الله عليه وينتظر نتائج باهرة لأعمال غير ذلك..ولكن فى النهاية لا راحة فى الخرافة. وإذا ما عجز عقلك عن فك طلاسم أمور غيبية تشعر معها بعجز قدراتك البشرية فتذكر دائماً قدرة المولى عز وجل الذى خلقك وخلق السموات والأرض وخلق الكون كله.. فإيمانك أساس راحتك النفسية.

Dr.Randa
Dr.Radwa