الجمعة 19 ابريل 2024

إشكاليات تجديد الخطاب الدينى عند دكتور الجامعة

مقالات20-9-2021 | 17:37

تناقش هذه السلسلة من المقالات واحداً من الكتب المهمة، والتى تعد كتبا إشكالية فى المكتبة العربية والتى سنتناول مناقشة بعضها فى هذه السلسلة، عنوان كتاب اليوم هو "تجديد الخطاب الديني" للدكتور أحمد عرفات القاضي، صادر عن الهيئة العامة للكتاب فى 2008، ضمن سلسلة مكتبة الأسرة، وأعيد إصداره مرة أخرى فى نفس السلسلة عام 2019، مع فارق بسيط ولكن له دلالة عميقة ومهمة، ففى طبعة 2008 كان الإهداء لمحمد عمارة، أما الطبعة الأخيرة جاء الإهداء لمحمد عبده، وتشهد قضية "تجديد الخطاب الديني" بشكل عام وفى وقتنا الحاضر تحديات صعبة ومشكلات حقيقية، تحتم ضرورة التفكير فيها ومعالجتها بدراسات متأنية ومستفيضة، وتماشيا مع هذا ومحاولة تفكيك الاشكاليات التى تحيط هذه الدراسات نحاول مناقشة كتاب الدكتور عرفات القاضى والتحاور معه، حيث يعد واحدا من الذين قدموا دراسات فى مجال تجديد الخطاب الديني، من خلال ما طرحه من كتابات وما أجراه من حوارات صحفية حول هذا الموضوع.

 

يقول القاضى فى ص 31: "فى سياق تجديد الخطاب الدينى يجب التفريق بوضوح بين التجديد فى الإسلام والتجديد فى الفكر الإسلامي، وتجديد الدين، وذلك لأن الإسلام هو دين الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه وهو عقيدة ثابتة على الدوام وأصول راسخة ومبادئ خالدة لا يجوز الاجتهاد فيها بالزيادة والنقصان وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ أصول هذا الدين بعيدا عن التحريف والتبديل فقال عز وجل فى سورة الحجر "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".

ويستطرد الكاتب فى نفس الصفحة "ومن هنا فإن أى محاولة باسم التجديد تحاول أن تضيف شيئا إلى مبادئ الدين أو تحذف منه شيئا باسم التجديد فهو تجديف باطل ومحاولة فاشلة ورعونة وجهل بأصول الدين الإسلامى ومبادئه السامية، وهو ما يمكن أن نسميه ضرورة التفريق بين الثوابت والمتغيرات، فالثوابت هى أصول الدين التى لا يجب المساس بها تحت أى زعم أما المتغيرات فهى اجتهاد البشر حول هذه الثوابت وعمل عقولهم فيها ايجابا وسلبا".

وبداية من هذا الاقتباس نجد عدداً من الإشكاليات والنقاط المهمة والتى يجب مناقشتها مع الكتاب والكاتب معا.

خلط الكاتب بين الإسلام بمفهومه لدى المنظومة الفقهية القديمة والتى نشرت هذا المفهوم للعامة وأصبح هو الدين، وبين مفهوم الإسلام فى القرآن الكريم، وما يثبت هذا استشهاده بآية سورة الحجر، فلم تتحدث الآية الكريمة عن حفظ الإسلام، بل تحدثت عن حفظ الذكر "القرآن" وأن الفهم القرآنى للإسلام أنه دين الله الذى أنزله على الأنبياء وأرسل به رسله لهداية البشرية مع اختلاف الشرائع فى هذا الدين الواحد فهناك شريعة موسى "اليهودية" وشريعة عيسى "المسيحية" وشريعة محمد التى نطلق عليها مجازا "الإسلامية" على اعتبار أن محمد خاتم الرسل وشريعته متضمنة فى جنباتها الشرائع السابقة عليه، ومن هنا نجد أن القرآن لى به آية واحدة تقول "يا أيها المسلمون" كما قال الله عز وجل على أتباع سيدنا محمد "يا أيها المؤمنون".

 

هذا الخلط المفاهيمى يثبت حالة الاستعلاء التى يتحدث بها الكتاب عن الآخر المخالف له أو الذى يريد الاشتباك معه بحال وكأنه يحذر من يخالف رأى هذا الكتاب سيكون "تجديف باطل ومحاولة فاشلة ورعونة وجهل بأصول الدين" كما جاء فى الاقتباس، وهنا يقع الكاتب فى إشكالية أخرى هى ادعائه امتلاك الحقيقة المطلقة، فما عنده هو ليس عند غيره والجميع باطل وهو الوحيد المتحدث باسم الحق ويمتلك أصول الدين ومبادئه السامية، وهنا لا بد من توجيه سؤال للكاتب، ما هى أصول الدين ومبادئه السامية والمعلوم من الدين بالضرورة وثوابت الدين وكل هذا المصطلحات التى من المفترض أن يعلمها العامة قبل الخاصة، وإذا كانت هذه المصطلحات متفق عليها لدى أبناء الدين الإسلامى أو المؤمنين برسالة محمد فلما الاختلاف بينهم ومحاربة بعضهم البعض، سواء كانت حرباُ مذهبية أم داخل المذهب الواحد.

وهذا يطرح سؤالاً آخر للكاتب وهو: هل ما تؤمن أنت به هو ثوابت الدين وأصوله ومبادئه السامية، أم ما يؤمن به صاحب المذهب الآخر؟.. حيث إن هناك فروقات كبيرة بين الشيعة والسنة وفرقهم ومذاهبهم حول هذه الأصول والثوابت والمبادئ، هذه الفروقات قد دشنتها المدونة الفقهية السنية على سبيل المثال فى عدد كبير من الكتب تحت عنوان "اختلاف الفقهاء"، تلك الاختلافات التى وصلت حد الحروب الطاحنة بين الحنابلة والشافعية وتم حرق الأسواق وبقر بطون الحوامل، وغيرها من المجازر التى تم ارتكابها على أساس امتلاك الفرقة أو المذهب للحقيقة وأن باقى الفرق فى النار وهذا هو الطبرى الذى مات فى داره ودفن بها بعد محاصرة عامة الحنابلة له نتيجة عدم وضعه أحمد بن حنبل فى كتابه "اختلاف الفقهاء" لأنه من وجهة نظر الطبرى محدث وليس فقيها.

 

وحول ضرورة التفريق بين الثوابت والمتغيرات التى تحدث عنها الدكتور القاضي، دون تعريف لماهية هذه الثوابت والمتغيرات، وان صح القول "المعلوم من الدين بالضرورة"، ذلك الذى لم يتفق أحد من فقهائنا على تعريفه لنا حتى الأن، فالإمامة عند الشيعة من الثوابت والخلافة عند بعض الفرق من الثوابت، ونعلم ما جرته علينا هذه الإمامة والخلافة من مصائب وإرهاب وقتل باسم الدين، وحجاب المرأة صار معلوما من الدين بالضرورة رغم عدم وجود آية واحدة فى القرآن تدل عليه دلالة مباشرة أو تتحدث عن تغطية شعر المرأة من قريب أو من بعيد، وكذلك أصبح لدى بعض الجماعات اعفاء اللحية معلوم من الدين بالضرورة وأن الرجل "الحليق" منتقص الإيمان.. الخ

تحدث عن الثوابت والأصول بخطاب فضفاض غير محدد، خطاب عاطفى فى المقام الأول، للهيمنة على عاطفة القارئ واشعالها بالحماسة تجاه فهم محدد ضد المخالفين لهذا الفهم.

 

أما الجانب المظلم فى خطاب التجديد لدى دكتور الجامعة والذى لابد من الإشارة له هو المقابلة مع الآخر للصراع والتحارب وليس للحوار والمناقشة، فوصف الآخر بالتجديف والرعونة والجهل، لمصادرة أفكار هذا الآخر وأطروحاته، ما يوضح أن حديث الدكتور الجامعى لو كان يقوله من فوق منبر أحد المساجد، أو فى خطبة مباشرة مع جمهور لكان اتهم الآخر المغاير له بالردة وطالب بإقامة عليه حد الردة – إن كان موجودا بالأساس – لمحاولة فقط الاجتهاد، متناسيا أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة وأن معرفتنا بالله وبالدين هى معرفة نسبية وأن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وأن القرآن بين دفتى كتاب لا ينطق وينطق به رجال، وأنه حمال أوجه، حسب مقولات الإمام علي.

وأن سب الآخر ووصمه بالجهل والرعونة لفهمه الخاص الذى من الممكن أن يتفق مع فهمك أو يختلف انما هو خطاب إقصائى طائفى فى المقام الأول، ولا يدعو للحوار أو التعايش أو النقاش ولا ينتج تجديدا لخطاب أو لفكر، كما حمل عنوان الكتاب إنما ينتج الكراهية والعنف والإرهاب.