الأحد 16 يونيو 2024

ما الحكمة من موت أبناء الرسول الذكور؟

محمد رسول الله

دين ودنيا6-9-2021 | 19:22

زينب محمد

لقد رَزق الله سبحانه وتعالى، رسول الكريم، بالعديد من الأولاد الذكور، ثم شاءت حكمة الله أن يموت أبناؤه الذكور خلال حياته.

 وتأتي الحكمة من وفاة أبناء الرسول الذكور، كالتالي:

- حتى لا تمتد النبوّة لأبنائه من بعده، كما كانت لإسماعيل بعد نبيّنا إبراهيم -عليهما السلام-، فقد ثبت عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: «لو عاش إبراهيمُ لكان صدِّيقًا نبيًّا»، ومنه ما أخرجه البخاري في صحيحه عن إسماعيل بن أبي خالد قال: «قُلتُ لِابْنِ أبِي أوْفَى: رَأَيْتَ إبْرَاهِيمَ ابْنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: مَاتَ صَغِيرًا، ولو قُضِيَ أنْ يَكونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبِيٌّ عَاشَ ابنُهُ، ولَكِنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ».

- في موت أبناء الرسول الذكور مواساة للذين لم يرزقهم الله بالذرية، أو للذين توفي لهم أحد من أبناءهم، فكما نعلم أن حياة الأنبياء بها الكثير من الابتلاءات، فموت أبناء الرسول من الابتلاءات التي أصابته في حياته، فنتعلم من ذلك أن الأنبياء كانوا يبتلون مثلنا، وقد ثبت عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنّه قال: «قلتُ يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قالَ: الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ»، وقد أكدّت النصوص الشرعيّة على أنّ نبوّة محمد -صلى الله عليه وسلم- هي خاتمة النبوّات، وأنّه لن يكون نبيٌّ بعده، ولمّا أنجبت ابنته فاطمة الحسن والحسين لم يدعي أحدٌ منهما أنه نبي، تبرز الحكمة في موت الأبناء الذكور دون الإناث لرسول الله؛ أن النبوّة كانت محصورةً في الذكور دون الإناث.

قصة موت أبناء الرسول الذكور

وفاة القاسم وعبد الله أبناء الرسول

 لقد رزق الله رسولنا الكريم  سبعة أولاد؛ ثلاثةٌ من الذكور، وأربعٌ من الإناث، وجميعهم من السيّدة خديجة -رضي الله عنها-، ماعدا ولده إبراهيم، فإنه من زوجته ماريا -رضي الله عنها-، وأكبر أبناؤه القاسم، ولدته أمه قبل البعثة، وسرعان ما توفاه الله -تعالى- بمجرد أن بلغ عمر المشي، فقد مات قبل أن تفطمه أمه من الرضاعة، وقد أست أمه من الحزن على فقدانه، فقديمًا كان  العرب يفضلون الذكور عن الأنثى؛ لما يتسم به الذكر من قوة وهو أساس السلالة ويرجع إليه النسب،  حتى جاء الإسلام  وأزال هذا المعتقد بين الناس، وبين لهم الله -سبحانه- أنّه الرازق، يعطي من يشاء لمن يشاء، ثم بعد البعثة أنجبت خديجة -رضي الله عنها- عبد الله، ولُقّب بالطاهر والطيّب، لأنّ مجيئه كان بعد البعثة، وأراد الله -تعالى- أن يموت وهو صغيراً، ومما يدلّ على أن عبد الله وُلد بعد البعثة؛ أن رسول الله دخل على خديجة وهي تبكي على ابنها عبد الله، وكان حينها قد مات، فأخبرته أنّ الباقي من لبنها قد دُرّ، ولم يستكمل عبد الله الرضاعة، فقال لها أنّ هناك مرضعة في الجنة سترضعه، وسألها أن يُسمعها صوته في الجنّة لتطمئن، فخفّف ذلك عنها وقالت: «بل صدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم».

 ويتفق ذلك ما جاء في تأويل سورة الكوثر وسبب نزولها، قال الله -تعال - «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»،  فيروي ابن عباس أن خديجة بعد أن ولدت ابنها عبد الله، تأخر على رسول الله الولد، وبينما رسول الله يكلم رجلاً، كان العاص بن وائل السهميّ ينظر إليه، فسأله رجل عن النبي، فقال: هذا الأبتر، فأنزل الله -تعالى- قوله: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»، فيقول ابن عباس إن العاص أبتر عن أهله، وولده، وماله، وعن كل خيرٍ يُذكر به بعد موته، لأنه وصف النبي بذلك بعد وفاة ابنه عبد الله، وقال الزمخشري في الكشاف: «إنّ من يُعاديك ويكرهك يا محمد هو الأبتر، فإنّ جميع المؤمنين إلى يوم القيامة أبناؤك، كما أنّ اسمك منطوقٌ على لسان جميع المؤمنين إلى يوم القيامة، فالأبتر هو المنسي بين الخلائق، وقيل في معنى السورة؛ أنّ الكوثر هو نهرٌ في الجنة، أعطاه الله -تعالى- لمحمّد -عليه الصلاة والسلام-، وهو أفضل له من الولد، وسورة الكوثر مكيه»، وقد أجمع جمهور المفسّرين على أنّ سورة الكوثر نزلت في العاص الذي كان يحاول صدّ النبي عن دعوته.

وفاة إبراهيم ابن الرسول

 عندما بلغ إبراهيم من العمر سنةً وستة أشهر، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تعلق به، حتى جاءه  المرض  فلم تكن تعرف أمه ما تقدمه له ليشفى، فأخذته إلى أختها سيرين كي تساعدها في علاجه،  ولكن ما فعلته لما يجديها في شيء؛ لأن حالته الصحية كانت تزداد سوء،  أرسلت إلى أبيه ليأتي، فأتى وكان معه عبد الرحمن بن عوف، وكان إبراهيم حينئذٍ بحجر أمّه، فتناوله النبي ووضعه في حجره، وحزن عليه كثيراً، وما لبث إلى أن خرجت روحه، فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال:  « تَدْمَعُ العَيْنُ وَيَحْزَنُ القَلْبُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا ما يَرْضَى رَبَّنَا، وَاللَّهِ يا إِبْرَاهِيمُ إنَّا بكَ لَمَحْزُونُونَ»، وقد وافق موت إبراهيم كسوف الشمس، فظنّ الناس أنّها انكسفت لموته، فقال لهم رسول الله: «إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللَّهِ، لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ، فإذا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فادْعُوا اللَّهَ، وكَبِّرُوا وصَلُّوا وتَصَدَّقُوا» وكان ذلك في يوم الاثنين، التاسع والعشرين من شهر شوّال في السنة العاشرة للهجرة، كما حدّده محمود الفلكي، وهو اليوم الذي انكسفت فيه الشمس انكسافاً كلياً في المدينة المنورة.

صبر النبيّ على موت أبنائه

نتعلم من قصص وفاة أولاد الرسول أن نتحلى بالصبر على قضاء الله، حيث قال الله -تعالى-: «وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ»،  فقد أصيب رسول الله بابتلاءً عظيماً، وهو موت أبنائه جميعهم ماعدا فاطمة -رضي الله عنها-، ومع ذلك صبَر واحتسب أبنائه عند الله، ورضي بما كتبه الله له، وما كان يظهر منه أكثر من دموعه الشريفة -عليه الصلاة والسلا من ولم يكن يتعدّى حدود الأدب في خطابه مع الله -تعالى، أو يعترض على قضاء الله كما أنّ البكاء عند نزول المصائب لا يؤثر على رضى المسلم بقضاء الله وقدره.

 ويروي أنس بن مالك -رضي الله عنه- موقف رسول الله حين توفّي ابنه إبراهيم، فيقول: «دَخَلْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وكانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ، فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ».