الجمعة 26 ابريل 2024

حوار بين عقلين حول الروح (3)

مقالات3-9-2021 | 13:35

  ما هو الدليل على أن الإنسان له روح؟، وأنه سيبعث بعد الموت؟، وأنه ليس مجرد الجسد الذي ينتهي إلى تراب؟

الجواب: إن ما يساعدنا على دلالة  وجود الروح، هو أن الإنسان له طبيعتان كما يذكر المرحوم الدكتور مصطفى محمود. 
١- طبيعة خارجية ظاهرة منظورة! وهي جسده، هذا الجسد يتصف بكل صفات المادة، فهو قابل للوزن والقياس، متحيز في المكان، متزمن بالزمان، دائم التغير والحركة والصيرورة من حال إلى حال ومن لحظة إلى لحظة؛ فالجسد تتغير عليه الأحوال من صحة إلى مرض إلى سمنة إلى هزال إلى شحوب إلى نشاط إلى كسل إلى نوم إلى يقظة إلى جوع إلى شبع.. إلخ. 

وهذه الطبيعة الجسدية عبارة عن شريط من الانفعالات والعواطف والغرائز والمخاوف لا يكف لحظة عن الجريان في الدماغ، ولأن هذه الطبيعة والانفعالات الملحقة تتصف بخواص المادة، فنقول إن جسد الإنسان ونفسه الحيوانية هما من المادة.

٢- والطبيعة الأخرى هى مخالفة تماما للأولى ومغايرة لها في داخل الإنسان، وطبيعة من نوع آخر تتصف بعدم قابليتها للتغير، إنها تتصف بالسكون والديمومة واللازمان واللامكان، إنها العقل بمعاييره الثابتة ومقولاته، والضمير بأحكامه، والحس الجمالي، والأنا التي تحمل كل تلك الصفات من عقل وضمير وحس جمالي وأخلاقي؛ فالإنسان بطبيعته التى خلقه الله يتكون من روح ونفس وقلب وعقل وجسد، وكثير من الفلاسفة والعلماء يخلطون بين الروح والنفس! 

والحقيقة أن الروح غير النفس الحيوانية تماماً، فالنفس تلتهب جوعاً وشبقاً، إنما الروح هى الذات العميقة المطلقة لا تطرأ عليها التغيير ولا تسمن أو تهزل ولا تمرض ولا تتصف بالزمان، وليس فيها ماض وحاضر ومستقبل، إنما هى كينونة مستمرة وشعور دائم، إنها نوع آخر من الوجود لا يتصف بصفات المادة، ولا يحيزها مكان، ولا تتزمن بالزمان، ولا تقبل الوزن أو القياس، 
وهذا ما نطلق عليه الروح! 

وهناك فريق من الماديين يقولون إن الإنسان هو جسده، وأن الجسد هو الحاكم! وأن كل ما ذكرت من عقل  وقلب ونفس وروح ومنطق وحس جمالي وأخلاقي وضمير.. إلخ؛  تابع للجسد يأتمر بأمره ويقوم بخدمته ويتولى إشباع شهواته!!، ويقولون أيضاً أن مسالة الروح ما هى إلا تخاريف! 

والحقيقة أن الجسد تابع وليس متبوعا، مأمور وليس آمراً ألا يجوع الجسد فنرفض إمداده بالطعام لأننا قررنا أن نصوم هذا اليوم لله؟.. ألا يتحرك بشهوة فتزجره الروح ؟!

ألا نصحوا في الصباح فيبدأ الجسد تلقائيا في تنفيذ خطة عمل وضعها العقل وصنف بنودها بنداً بنداً، من ساعة إلى أخرى، من التابع هنا إذاً ومن المتبوع؟  
 

والدليل على أن الجسد هو تابع للروح والعقل ما يجري الآن من حوادث البتر والاستبدال وزرع الأعضاء، وما نقرأه عن القلب الإلكتروني والكلية الصناعية وبنك الدم الخ   فإلي هذه الدرجة يجري فك الجسم وتركيبه واستبداله دون أن يحدث شيء للشخصية؛ فهي تنقل وتستبدل ويوضع  مكانها مسامير وأعضاء بديلة!! دون أن يحدث شيء؛ فالإنسان ليس هذه الأعضاء وإنما هو الروح الجالسة على عجلة القيادة لتدير هذه الماكينة التي اسمها الجسد.
 

إن الإنسان له طبيعتان: طبيعة جوهرية حاكمة هي روحه، وطبيعة ثانوية زائلة هي جسده، وما يحدث بالموت أن الطبيعة الزائلة تلتحق بالزوال والطبيعة الخالدة تلتحق بالخلود فيلتحق الجسد بالتراب وتلتحق الروح بالعالم العلوى الباقي.
 
أما عن البعث يوم القيامة فهو حقيقة دينية يرجحها العقل، فشواهد الوجود وظواهره تشير جميعها إلى أن هناك دورة لكل شيء، بعد النهار يأتي الليل، ثم يعود من جديد فيأتي النهار، والشمس تشرق ثم تغرب ثم تعود فتشرق، فصول العام "الصيف والخريف والشتاء والربيع" تذهب ثم تعود فتتكرر الدورة من جديد فيأتي الصيف ثم الخريف ثم الشتاء، وبعد اليقظة ونوم الليل نعود فنستيقظ من جديد، وهذا أكبر دليل على أنه بعد رقود الموت هناك صحوة بعث لأن السنة الكونية اقتضت ذلك، والله يسمي نفسه في القرآن المبدئ المعيد.. “كما بدأكم تعودون“، “يبدأ الخلق ثم يعيده“، ألا يدور كل شيء في فلك من الذرة إلى المجرة؟، حتى الحضارات لها دورات والتاريخ له دورات؟! 

وإذا نظرنا فى الكون سنجد نظاماً محكماً ليس فيه بادرة خلل واحدة ! من المجرة حتى الذرة، هذا النظام المحكم يدل على وجود بعث بعد هذه الحياة لتحقيق العدل المطلق يوم القيامة، فنحن مفطورون على حب العدل والبحث عن العدل ومحاولة تحقيق العدل، والعدل فى الدنيا غير موجود كما يذكر كثير من المفكرين، فإذا كان الظمأ إلى الماء يدل على وجود الماء ، فإن الظمأ إلى العدل يدل على وجود العدل، وإذا كان العدل المطلق غير موجود فى الدنيا ونحن نسعى إليه ونتمناه ! فإنه حتما سيكون ،.   ومكانه الأنسب فى الدار الآخرة.. ولهذا قال الله تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) سورة الكهف. 

ويبقى بعد ذلك أن نسأل.. وما الروح؟.. والقرآن يجيب بقوله تعالي: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) سورة الإسراء آية 85.
 

إنها لغز ولا أحد يعلم عنها شيئا سوي العليم الخبير سبحانه وتعالي. 

وهذا السر الإلهى الأعظم  يُعجز  كل دعوات الماديين الذين ينكرون الروح أو يعتبرونها جزءاً من الجسد رغم علمهم بمحاولات الفلاسفة والعلماء لمدة قرون اختراق هذا السر، وباءت كل محاولاتهم بالفشل، وتبقى التحدى الإلهى للبشرية شاهداً ومذكراً بوحدانية الله وقدرته.. قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً.

Dr.Randa
Dr.Radwa

الاكثر قراءة