الجمعة 26 ابريل 2024

الإمبراطور بلا منازع

مقالات29-8-2021 | 19:20

أعترف أنني من عشاق الراحل أحمد زكي، ذلك العبقري الذي ولد بمدينة الزقازيق عام 1949 ورحل عن دنيانا في عام 2005، وفيما بينهما أثرى الحياة الفنية بالعديد من العلامات السينمائية والتليفزيونية التي تفخر الذاكرة المصرية بها، حيث حصل أحمد زكي على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج عام 1973 بتقدير امتياز، وبمراجعة بعض المواقع المتخصصة علمت صدفة أن أول مسرحية له أثناء دراسته بالمعهد كانت تحمل إسمي "حمادة ومها" عام 1973، ويعتبر أحمد زكي ثالث أكثر الممثلين في قائمة أفضل مئة فيلم مصري عام 1996 حيث له في القائمة ستة أفلام وهم: البريء، زوجة رجل مهم، الحب فوق هضبة الهرم، إسكندرية ليه، أحلام هند وكاميليا، وأبناء الصمت.

ومن جانبي، أضيف عليهم وفي مقدمتهم التجسيد العبقري لسيرة خالد الذكر الزعيم السادات في فيلم "أيام السادات"، للمخرج محمد خان، وسيناريو وحوار أحمد بهجت، والموسيقى التصويرية البديعة للفنان ياسر عبد الرحمن، برغم أنني كنت شديدة التعلق بفيلمي "الهروب" و"ناصر 56" بكافة تفاصيلهما حتى أنني كنت أهوى الاستذكار في الساعات الأولى من الصباح على الموسيقى التصويرية للفيلمين، وفي كل مرة كنت أتصور في نفسي أن أحمد زكي قد وصل لذروة موهبته وأنه لن يوجد المزيد ليقدمه.

حتى جاء فيلم "أيام السادات" هذا العمل الذي لطالما أسر جوارحي منذ اللحظة الأولى لعرضه بالسينما، ولا أعلم هل انبهاري به سببه تعلقي الشديد بشخصية الزعيم السادات نفسه، ولاسيما أن معظم تفاصيل الفيلم تم استقائها من كتابه "البحث عن الذات" الذي قرأته مراراً من مكتبة والدي، على كل حال فإن العظيم في الأمر أنه كان لي الحظ الأوفر لحضور العرض الخاص للفيلم بسينما نورماندي بمصر الجديدة احتفالاً بتجديدها وإعادة افتتاحها.

واندمجت في أحداث الفيلم التي استمرت على مدار ما يقارب الثلاث ساعات ما بين صعود وهبوط بالمشاعر وحبس للأنفاس، وقرابة انتهاء الفيلم استشعرت قرب أحدهم مني وجلوسه على مقربة من مقعدي، وإذ بس أُفاجِئ مع التدقيق في الملامح وتفاصيل الجسم أنه هو "أحمد زكي" الذي لطالما عشقناه بلغة عينيه وسمرته وشعره المجعد وغمازة خدوده الساحرة، كنت على وشك التخلص من شدة اندماجي مع أحداث الفيلم وكنت سأتجرأ وأطلب مجرد الحصول على توقيع منه، لكني تراجعت وقلت لنفسي أن رغبته في التواجد دون إعلان عن قدومه، قطعاً يعكس حرصه على مجرد متابعة ردود أفعال الجماهير بشفافية ودونما مجاملة لوجوده أو حضوره مع باقي فريق عمل الفيلم.

وبعد نزول تتر النهاية للفيلم واستمرار الناس في الهتاف والتصفيق الحار لعدة دقائق، استطعت أن أختلس النظر فرأيت ابتسامته الرائعة التي تعكس حالة الرضا الكبير على وجهه وكأنه يقول "الحمد لله"، وكأنه حصد في تلك اللحظة نتاج اجتهاده وجدّه دون أن يشعر أحد، ثم قام في هدوء وتواضع وهو يحني رأسه في الأرض حتى لا يتعرف عليه أحد، رغماً عن أن لحظة تلك كانت كفيلة أن تضعه فوق الأكتاف محمولاً بزهو وفخر وتقدير -يضاهي تقدير الزعماء- دون أدنى مجهود أو تَصَنُع منه.

هكذا هم الأبطال في تصوري، هكذا تكون النجومية الحق، وهكذا تكون الرسالة..

رحمة الله على الفنان البطل العظيم إمبراطور السينما المصرية والعربية، أحد نوادر الزمان.

Dr.Randa
Dr.Radwa