الجمعة 26 ابريل 2024

حديث النفس.. فى الموت والحياة

مقالات28-8-2021 | 17:02

الموت والحياة.. الحقيقة والحقيقة الموازية.. نتعاطى الحياة لنستقبل الموت.. فإذا كانت الحياة بنفخ الروح فى الجسد وخروجها يعنى الموت.. فإن الحياة هى المقدمة لحياة أبدية مهما طالت أو قصرت.. فكلنا نخشى الموت لأننا نخشى مصيرنا الذى ينتظرنا!!

فلا أحد يعلم اى منقلب يؤول إليه مهما كانت أعماله التى يرى أنها صالحة.. فكلنا طالبين لرحمة المولى عز وجل الذى رسم لنا طريق الحياة الموصل للآخرة.. البعض يسير فيه والآخر يسير ويسقط ويعاود السير..يخطئ ويصيب.. ولكنه الإنسان الذى يسعد المولى عزوجل بتوبته دائما..فكل انسان خطاء ولكنها حسن الخاتمة التى نأملها جميعا وإن قصرنا فى جنب الله.

ويظل الخوف من حقيقة الموت لدينا جميعا حتى أننا نكره الحديث عنه،على الرغم ان كل نفس ذائقة الموت.. لكنه المجهول الغامض الذى نهرب منه فلا يوجد نفس سوية ترغب فى الموت إلا من طلب الشهادة فى سبيل الله لأنه يعلم متاع الحياة الآخرة فهم أحياء عند ربهم يرزقون.

 

فى وقت إشتداد الإبتلاءات الدنيوية من انتشار الأوبئة مثلما نحن فيه الآن أو فى الكوارث والثورات إذا طال أمدها تجد فكرة الموت حية فى الأذهان، فلا وقت للحديث عن الحقائق الجدليةللحياة والموت.. حتى أننا نتعاطاها كل لحظة فنودع قريب أو عزيز لدينا فيتملكنا الخوف على أنفسنا كلما اشتد دنوه منا..على الرغم من وجوده قبل ميلادنا ..فأنت ولدت ومات قبلك غيرك وسيموت بعدك غيرك.. لكنه الحقيقة الصادمه الواضحة الكاشفة تدق ناقوسها لك لتصدقها فتعمل على حسن استقبالها.. نحزن على فراق الاحبة ولكننا لا نستأنسن الموت ولسان حالنا جميعا اللهم نجنا من هذا الهلاك.. وألطف بنا من هوله.. فلا أحد يريد أن يفقد أحبائه أو حتى يريد أن يرحل.. لأنه دائما يرى فى نفسه التقصير فى جنب الله.. لم يستعد بعد لملاقاة المولى حتى وإن لم يعترف،فهو يريد أن يقابل الله وهو فى أبهى صوره الإيمانية.. ويطلب التأجيل والمهلة تليها المهلة أملا فى التحسين والتجويد بالتوبة وعمل الصالحات.. وليس غريبا على النفس البشرية هذه الأمور حتى أننا كثيرا ما نعاهد المولى بأنه إذا أنجانا من كرب معين لنصدقن ونفعل كذا وكذا.

 

وتجد الإنسان عندما يشعر أنه على مشارف الموت أو أن حياته يهددها مرضا أوخطرا فتجده يمتلكه الخوف ليس لأن الحياة الدنيا افضل.. ولكنها الحياة التى اعتدنا عليها وعلى مصاعبها أهون من الموت فهو اللغز الغامض وقد يكون العذاب فى انتظارك اذا كنت مقصرا لذلك تطلب المهلة لفعل الخيرات ورد الحقوق وتطلب السماح ممن أسأت إليهم وغيرها من أمور تطهر بها النفس.

ولا أحد ينكر اننا نكره حتى رؤية الموت فى أحلامنا حتى أننا نستيقظ مفزوعين اذا كانت فى رؤيانا أية رموز تشير لموتنا أو موت أحد من اقاربنا ونظل نبحث فى التأويلات ونطمح فى الحصول على تفسيرات غير تلك التى تقربنا من الموت.

ورغم كرهنا له لا نستطيع إنكاره وانه زائر لا يلتزم بعمر ولا بأسباب، فتتعدد الأسباب والموت واحد!!

 فلايفرق بين شيخ كبير السن وآخر صغير فقد يكون عمره ساعة وآخر يمتد عمره ليتخطى سنوات قد تفوق المائة!! ولكن الموت هو النهاية..فقد نتمسك أكثر بالحياة وقد نزهد فيها..صحيح نختلف فى هذا الأمر لكن قد يدفعنا الخوف بالتمسك بأهوال الحياة ومصاعبها.. نحزن بشدة على موت أعزائنا وقد نستسلم لذلك وقد يزيد تشبسنا بالحياة..وقد نفقد الرغبة فى الحياة فنصاب بالإحباط والاكتئاب وخاصة فى حالات فقد الوالدين لأبنائهم لانهم يشعرون أن امتدادهم فى هذه الحياة رحلوا عنها فلم يعد هناك سببا لاستمرار حياتهم،واذا كان لديهم احفادا غالبا ما يعوضونهم عن هذا الفقد.. لكننا مختلفون فى هذا الأمر.. البعض يزهد فى الحياة والبعض الآخر يقبل عليها مهما حدث له فيها .

 

وعلى الرغم من قسوة الموت وإصابة ذويه بالحزن الا اننا يحلو لنا أن نراقب بعضنا البعض فى أعقاب احزاننا.. فنعيب على أهل المتوفى تغيير ملابس الحداد أو حتى تآلفهم مع حياتهم الطبيعية، وكأنه لزاما عليهم ان يحيوا فى حداد مستمر.. فلا نرحم بعضنا البعض حتى ان منا من يسأل ذويه هل ستحزن على فراقي..وقد يسأل أحد الزوجين الآخر هل ستتزوج بعدى بآخر أو بأخرى وكأن الحزن على المفقود قمة الوفاء!! واذا كنت فعلا تحب ذويك فلماذا تحكم عليهم بالشقاء بعدك!! على الرغم من استمرار الحياة التى لا تتوقف عند أحد أوتبكى على أحد!! يا عزيزى النسيان لابد منه وتظل الذكرى فى النفوس..وما أدراك ماذا حفر الحزن فى نفس صاحبه.. لكننا نحكم دائما على ظاهر الأمور وننكر ان الحزن والفرح كلها من مظاهر الحياة.. كأس نشرب منه جميعا.    

وقد يرى البعض فى الموت راحة لكن على الرغم من تحريم تمنى الموت لكن سمح الله لنا بالدعاء به اذا كان خيرا لنا يتوفانا الله ويحيينا اذا كانت الحياة خير لنا لان الأساس فى الحياة هو الصبر فى المحن حتى نفوز بثوابه.

وقد يرى المنتحر الراحة فى إنهاء حياته بعد إصابته بحالة يأس وربما اضطرابا نفسيا يفقده توازنه فيرى الراحة فى الموت!!

وأتصور أنه فى اتخاذ قراره بذلك يكون فعلا انسانا مريضا لانه لوتصور انه يخسر دنياه وأخرته لم يكن ليقدم على هذه الخطوة،والا فلماذا ندعم أرواحنا بالإيمان وذكر الله الذى يجعلنا نطلب حسن الخاتمة، وأن نتغلب على شيطاننا الذى يدفعنا للهلاك بالصبر على مصاعب الدنيا.

وليس معنى ذلك ان نحيا هذه الدنيا بلا رغبة فى الحياة لكن نحياها وقلوبنا عامرة بأن تكون طريق العبورلنعيم الأخرة.

ويظل الموت هو الحقيقة الحية فى الأذهان التى لا يستطيع أحد إنكارها حتى وإن دفعه القلق لتجاهلها لكنها تطل بوجهها اليه بأشكال عديدة اما يوميا فى الموت المؤقت لنا فى نومنا فيقبض الله أرواحنا لأجل مسمى حتى ان أرواحنا تلتقى بأخرى سواء حية أوميته أو حتى بفراق اشخاص حولنا تغيبهم حقيقة الموت عن عالمنا.. ومع ذلك نسعد بميلاد طفل جديد لإعمار الكون التى خلق الله فى أنفسنا أسبابا للتمسك به.

ويظل الموت والحياةحديث الصباح والمساء..فاليوم مولد وغدا اوفى نفس اليوم وفاة لا فراغ من هذا الحديث ولا شماته فى موت اورحيل أحد لأنك حتما ستموت.. فهل تشمت فى حقيقة حتما ستصيبك.. فمن التغفيل ان تخرج نفسك من دائرة مغلقة انت داخلها لا تخطئ أحدا أبدا لكنه الدور على من سيأتي.. فنصبح فى هذه الحياة فى طابور انتظارا لدورنا فى ابتلاءات الحياة .. اليوم انت وبعده غيرك وهكذا..اليوم نودع شخصا وغدا سيودعنا آخرون.. الكل على موعد مع لقاء الأخرة.

 ولا أحد ينكر أنه يتمنى ان يقبض الله روحه وهو مطمئن النفس حتى ان الأنفس المطمئنة تتلقاهم الملائكة بقولها بألا تخافوا ولاتحزنوا و تنزع ارواحهم برحمة وتطمئنهم على اولادهم وأموالهم فى الحياة الدنيا وتبشرهم بالجنه، والأنفس الشريرة تنتزع أرواحهم بشده تتناسب مع أفعالهم وأعمالهم.

وتظل الحياة السوية جزءا من حياتك الآخرة الموقوفة والمعتمدة عليها فقد تظلم نفسك بحياة أخرى فى النار أو تحسن إليها فتقودها لحياة فى الجنة فتموت ميتة سوية غير مفضوح ولا مخز.

 

ويظل الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالي.. حقيقتان يكتمل التصديق بهما ايمانك بالله .. وسيظل سبب الموت الدائم هو قضاء الله وقدره..فلا إنقاذ لأحد من الموت.. فإذا حانت ساعته فلا راد لقضاء الله فقد تحيا فى وسط مجموعة ولكنك حينما تموت وتحاسب تكون وحيدا بمفردك.. يوم يفر المرء من أبيه وصاحبته وبنيه.

Dr.Randa
Dr.Radwa