الجمعة 26 ابريل 2024

حديث النفس.. لم أعد أحبك

مقالات21-8-2021 | 13:12

أى فراق مهما كان باختيار الشخص فإنه قاس فلا أحد يرغب فى الفشل فى علاقات تأخذ من أعمارنا وترهق مشاعرنا وتنتهى بجرح خاصة إذا كان القرار من طرف فى مواجهة عاطفة مازالت مستمرة.

وإذا كانت الصراحة فى إعلان قرار الفراق تمثل شجاعة إلا أنها مؤلمة ولو لبعض الوقت حتى إنها تسبب هزات نفسية قد تصل للانتحار فى بعض الأحيان، فالطرف المهجور يظل يشاهد نفسه فى المرآة ويتساءل ماذا بى حتى يهجرني؟! أو حتى يكره صورته فى المرآة فلم يعد شخصا مرغوبا فيه!

 

وفى حالات الارتباط مثل تلك التى فى مشروعات الخطبة والزواج فيتطلب الأمر جلوس الطرفين لتسوية أمور مادية فإن محاولات الصلح تكون موجوده لتجنب آلام الفراق ولكن إذا حدث فالألم موجود فلا توجد علاقة لم يكن فيها ولو قدراً معقولاً من العاطفة والعديد من الذكريات الطيبة، وإذا كان قرار المرأة بطلبها للطلاق أو الخلع فيكون لسان حالها «ارحل لم أعد أحبك»، جملة قاسية لكنها من الممكن أن تؤثر فى الطرف الآخر أو لا تؤثر فالعديد من الرجال ما يتمنون هذه اللحظة ليسلبوا المرأة حقوقها وهو ما نهانا الله عنه فى إمساك الرجال للنساء ليذهبوا بحقوقهن، وكأننا فى غابة الكل يتصور أنه بإمكانه أن يسلب الآخر ويهيئ الأسباب ويوفر الثغرات القانونية التى تجعله ينقض على الطرف الآخر، وكما يوجد من الرجال من يفعل ذلك فهناك من النساء أيضا من تستغل الثغرات القانونية لتشريد الرجال ويصبح العامل المشترك هو الرغبة فى التعذيب والجور على حقوقه ويتحول الأمر إلى مأساة خاصة فى ظل وجود أطفال لتصبح نقطة ضعف فيتحول الحب لحرب تغيب معها مشاعر الود والرحمة والسكن!

 

مهما كان الإنسان غير محب للطرف الآخر لكنه فى نفس الوقت لا يرغب أن يسمع هذه العبارة «لم أعد أحبك» لأنها تعنى انتقاصا من كرامته وكبريائه.

وبالنسبة للمرأة تعنى انتقاصا من جمالها وحسنها وأنوثتها التى يلهث الرجل وراءها نظرا للطبيعة البشرية فالرغبة لدى الرجل أقوى من تلك التى عند المرأة.

وإذا كانت مشاعر الاهتمام تشعر الإنسان بوجوده وقيمته فإنها لن تكتمل وتستمر إلا بوجود صدى لها وإلا ستفقد هذه العلاقة شرط التوازن وتنتهى بالفشل،وتظل كلمة ارحل أقسى الكلمات التى يواجهها الإنسان حتى وإن كان لا يرغب فى الاستمرار لأنه يريد أن يكون صاحب قرار الرحيل ولا يطرده أحد!

 

من الممكن أن تحمل قصص الحب الفاشلة الكثير من المشاعر المزيفة ولكن عمرها قصير سرعان ما تنكشف وتزول، ورغم ذلك أن أقسى ما فيها إعلان أنها أصبح لا لزوم لها على الرغم من وجود علامات واضحة على زيفها إلا أن المحب يخادع نفسه ويتعلق بها «هى الرغبة فى عدم الفشل».

وكثيرا من الحالات ما تحمل المراوغة والتهرب من كلمة النهاية من أحد الطرفين فيظل يفتعل الأسباب والمشكلات حتى يضطره أن يرحل عنه.. والبعض يحلو له أن يلعب بمشاعر الآخر فيحتفظ به فيذهب بعيدا عنه ثم يعود له مرة أخرى.. ويصبح غيابه وعودته دون أسباب واضحة! وربما لأنه أراد أن يلعب لعبة التعذيب بشىء يمتلكه وتصبح العلاقة مجمدة كلما أراد أن يشبع أمرا فى نفسه يعود للعلاقة ويسعد بهذه اللعبة ويصاب الطرف الآخر بالاضطراب والحيرة، ولا يستطيع أن يخرج من هذه الحالة لأنه أصبح تحت السيطرة يفعل به ما يحلو له، فى الغالب يصبح أمرا شبيها بالإدمان فتجد العلاقة فى صورة التعاطى الذى يأخذ جرعات تصل به لمرحلة النشوة ثم يدمن ويحتاج لعلاج نفسى للخروج منها لأنها لا نهاية لها.. فأصبح فى فلك يدور فيه ولا يعلم مدى نهايته.

 

وقد يفرض على الطرف الآخر شروطه وكلما رضخ يزيد من تعذيبه لأنه لا يريد إتمام العلاقة، فهى بالنسبة له تسلية، وكثير من الرجال المتزوجين أو حتى غير الجادين فى إقامة علاقات زوجية من تحلو لهم أن يقيموا علاقات موازية فى الظل ودائما ما يتحججون بأنهم متزوجون أو غير مستعدين للارتباط وعلى الطرف الآخر تقدير ظروفه ولكنه كذاب يريد أن يحتفظ بالزوجة والعشيقة فى ذات الوقت التى يسعد بها لأوقات محددة بعيدا عن أى قيود أو التزامات.. وتصبح المرأة تحت سيطرة الرجل خاصة فى ظل ارتفاع سن زواج الفتيات ما يجعلهن يرضخن لعلاقات مشوهة.. فى هذه الحالة يكون الرحيل أهون من الاستمرار فى علاقات مؤلمة رغم صعوبة القرار لكنه واجب وعلى المرأة أن تمتلك من الشجاعة ما يحفظ لها حياتها بعيدا عن التدمير النفسي.

 

فإذا كان فى الحب حياة فأحيانا يكون فى الفراق نفس الحياة التى تعيشها مع حب جديد بعد مرارة الفراق.

وحالات أخرى يطلب أحد الطرفين الرحيل ويتلكأ ولا يستطيع أن يتخذ الخطوة وتظل العلاقة فى منطقة رمادية مليئة بالتوتر ولكن متى خرجت هذه الكلمة من لسان أحد الطرفين حتى ولو كانت وليدة لحظة خلاف لكنها الطلقة التى تصيب القلب تأخذ من رصيد المحبة والثقة فى متانة وقوة العلاقة فيشعر الطرف الآخر أنه غير عزيز على من يحب.

 وهناك علاقات أخرى تأتى كلمة الرحيل على لسان صاحبها من قبيل التهديد حتى إنه يبتز الطرف الآخر بها لأنه تأكد أنه أصبح لا يستطيع أن يستغنى عنه أو يعيش بدونه فيبدأ فى تقديم التنازلات وتصبح العلاقة مملة مقيدة.. فالحب ممكن أن يكون قيدا لا يستطيع البعض أن يتحرر منه وهذا النوع خانق لا يسمح لصاحبه أن يتنفس وقد يكون بالفعل يحبه ولكن على طريقته وإذا لم يقدر هذا الحب فإنه حتما سينتهى بالموت خنقا لأنه أصبح عبئا على صاحبه!

 

كل شىء يحتاج للوسطية فجنون الحب مرفوض لأنه يتحول لمرض وإرهاق لصاحبه وللطرف الآخر.

فالقليل من الحب يكفى ليصبح الحب جزءا من حياتنا.. نحتاجه ولكن بقدر مثلما نحتاج لأمور أخرى كى نعيش وليس لنموت فيه فكثيرا من المحبين يقولون «باموت فيك»، فهل الحب مقبرة؟!قد يصبح هكذا إذا زاد عن حده وغمرنا فربما نختنق أو نغرق أو نصاب بالجنون، ورغم ذلك لابد من وجوده حتى إننا إذا فقدناه أصبحت مشاعرنا جامدة لا نشعر بلذة الحياة.

ونرى حالات الانتحار التى تصاحب الفشل فى علاقات الحب لأن صاحبها رفض الرحيل والتى قد يراها البعض إنها غباء ولا شىء يستحق أن ينهى حياته من أجله، ولكن لا أحد أدرك مدى أهمية هذه العلاقة بالنسبة له، فهو وجد نفسه فيها فأصبحت كل حياته وبفشلها أصبحت لا قيمة لها بعيدا عن محبوبه فأصبح عقله وقلبه لم يعد يتصور البعد عنه.

فإذا تصور أى إنسان نفسه فى هذه الحالة لشعر بما يشعر به هذا المنتحر ولكننا دائما ما نحكم على التجارب من بعيد بنظرة عقلية بحتة.. ومن السهل أن تقدم النصيحة وقد تكون مخلصا فعلا ولكن تنفيذها هو الأمر المعقد حتى إن البعض يذهب لأخذ المشورة وهو فى قرارة نفسه يرفضها ويفعل ما ترغب إرادته فى تنفيذه سواء كان فى صالحه أم لا!

فهو يفعل ما يسعده الذى قد تراه أنت ضده فكثير من عاداتنا نفعلها ونستمر فى فعلها رغم أنها مؤذية إلا أنها تحقق نشوة نفسية لنا!

وفى حالات الخيانة تسقط معها عملية الحب، فالمحب لا يخون، لأنه حينما خان كان كارها للشخص الذى ارتبط به، فعلا تكون كلمة ارحل واجبة حتى وإن تعلل بأنها نزوة، وأن استمر الطرف الآخر فى نفس العلاقة فإنها أصبحت مهددة بالفشل فى أى لحظة.. باختصار غابت عنها ثقة المحبين.

 

سيظل الوداع أقسى درجات الأذى النفسى ومرحلة التعافى للشجعان فقط، فهى مرحلة انتقالية ما بين حالة معينة عاشها الإنسان وتعود على محاسنها ومساوئها وأصبح عليه الخروج منها إلى حياة جديدة.

لكن يظل الزمن هو علاج لأوجاع القلوب لأنه يساعدك على النسيان فكلما بعدت عن زمن حادثة خف الألم بالتدريج حتى وإن ترك جرحا غائرا فى نفسك، حبك للحياة وتعلقك بها هو ما يجعلك تحتفظ بها فى مكان معين ولكن تتخطاها ربما لحياة أفضل وربما لجرح جديد.

أصحاب المشاعر المرهفة والصادقون تكون أوجاعهم أعمق وأكثر لأنهم الأصدق وفى الغالب عقولهم تغيب، فتحركهم مشاعرهم والحظ وحده هو ما يوقعهم فى الحب الصائب.

لا أحد يرغب فى إنهاء علاقة تشعره بوجوده وحياته ولكنها ملك لطرفين قلما يتوافقا فى مجتمع دائما ما يحسد المحبين لكن عندما يبلغ الإنسان من النضج العقلى ما يجعله يتأكد أن كل شىء مولود لابد وأن ينتهى وإن قلوبنا تتغير حتى وإن تمسك الطرفان ببعضهما قد يتدخل القدر ويفرقهما، لكن لن تكون كلمة «ارحل لم أعد أحبك» سيحل محلها «رحلت وسأظل أحبك».

Dr.Randa
Dr.Radwa