الأربعاء 8 مايو 2024

حديث النفس.. ماذا لو لم نكن نحن!

مقالات7-8-2021 | 12:31

نعجب ببعض.. وربما نحب بعض.. ولكن لا نريد أنفسنا أو غيرنا كما نحن عليه، بل نريد أن ندخل تعديلات تشبع رغباتنا وغرورنا فى غيرنا.. ربما نريد النقيصة وربما نريد الكمال والمثالية غير الموجودة فينا أصلا.. لكن المؤكد أن إحلالها فى غيرنا يشبع أنفسنا الطامعة فى الإسعاد على حساب غيرها!! وحتى ولو كانت صعبة شاقة على غيرنا لكنها سهلة علينا.

 ودائما لا ننجح فى هذا الأمر أبدا فكل واحد منا يتمسك بطباعه حتى وإن حاول بعض الوقت فإنه يرجع لطبيعته مرة أخرى!! نتمنى ما عجز الواقع عن منحه لنا.. نبحث عن نقائصنا فى غيرنا وننسى أنفسنا المشوهة ونتساءل دائما ماذا لو لم أكن أنا؟! ولم تكن أنت؟! ونذهب بعيدا لنتخيل كان سيحدث كذا وكذا.. ونعيش الأوهام.. ونبحر في التمني لدرجة الرغبة فى العيش في زمان غير الزمان!! وترى أهو الحل الأمثل أن نتمنى زمانا أو أشخاصا غيرك أو غير الآخرين فترفض التكيف وتفشل فتبعد وتبعد وتنسى طبيعة الزمان وتعيش نفس المشكلة الجديدة القديمة.

لا تتعجل بالحكم والاستنكار لمن يفعل ذلك.. فكلنا هكذا، فلو تأملت لوجدت معظمنا يشعر بنفس المشاعر لكن البعض يتجاهل والآخر يتواءم والثالث يحلم ويتمنى وقد يعجزه تعلقه بحلمه غير المحقق على العيش بسلام.. لكن لأننا ناقصون معيوبون ونعيب الزمان والعيب فينا!!.

لست وحدك ولست وحدى فقد نلقى بعبء التقرب والتغيير على غيرنا فى أشخاص نطلبهم ونريدهم ونملكهم أو نتمنى امتلاكهم، لكن بشروطنا على حسب هوانا وكأنهم خلقوا لنا وحدنا منكرين رغباتهم وراحتهم التى قد تكون فى أن يحييوا هكذا بميزاتهم وعيوبهم فلولا هذه العيوب والمزايا ما كانت الحياة، فالحياة سلسلة من الأخطاء والأفعال الصائبة لأن من يحياها بشر يخطئ ويصيب.. فقد ترى الميزة عيبا وقد ترى العيب ميزة.. المهم أنك تراه من منظورك أو مصلحتك الحاكمة فى الاستفادة منه، فتريده كما يحلو لك أنت وتظل فى حالة «ماذا لو لم تكن أنت هكذا» وهل توقفت الحياة عند إرادة شخص آخر.. فقد توقفها أنت فتصاب بالتعذيب لك أو لغيرك، وما تلبث أن تعود فيعود كل طرف لطبيعته التى يحياها فى سلسلة من العادات والتصرفات التى خلقت هذا الإنسان وشكلته على صورته التى فيها يخطئ ويصيب وتركت له الحرية الشخصية التى يرغبها كل إنسان وينكرها الآخر عليه!!.

نحن خلقنا لنكون أحرارا فى كل شيء بشرط تحمل مسؤوليتنا تجاه أفعالنا فيقول الله تعالى «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» ودائما ما ننسى بل ننكر هذه الحرية فى علاقاتنا فتتحول العلاقات إلى امتلاك قد يصل للعبودية المحطمة للإنسانية.. حتى إنه متى احترم كل إنسان اختلاف الآخر كانت الحياة مزدهرة بالنماذج المثيرة والناجحة فلا يوجد إنسان شبيه لآخر حتى الآباء وأبنائهم، قد نرث بعض الصفات ولكننا مختلفون.. حكمة الله فى خلقه.

لكننا دائما ننسى لنعذب أنفسنا بالمستحيل الذى قد نراه ممكنا فننخدع لتحقيقه.. فقد تمنحك رحلة التغيير بعض الهدنة ولكنه الهدوء الذى يسبق العاصفة.. قد يكون تمردا.. تدميرا.. انهيارا.. قد يتحول التغيير فيها إلى قيود التحرر منه قد يكون الأفضل، فكلنا باحثون عن الحرية حتى وإن اختلفت الدرجة.. فترانا نعشق الطبيعة الواسعة حتى ولو كانت صحراء.. نسعد بالطيور المحلقة فى الخلاء.. بالهواء الطلق حتى ولو كان ملوثا.. بالبحر الواسع حتى ولو كانت الأمواج عاتية.. نسعد بالانطلاق فى كل أشكاله ونعتبر عكس ذلك عقوبة مقيدة لحرياتنا.. كلنا هكذا وحينما تجبرنا الأيام على الحد من انطلاقنا نعلم أنها مقدمة الموت التى نتخلى فيها عن الضجيج والمرح والمصارعة.. فترى حال العجزة والمسنين فى بيوتهم ودور الرعاية أو حتى فى المصحات يحل السكون والقيود وشلل الحركة مكان الرحابة.. حكم الزمن!!.. فهل يرضى أحدنا بهذا الحكم اختياريا؟! أشك أن أحدا يقبله ويضع نفسه تحت قيد آخر أنانى قد يعوض نقصا فى نفسه بهذا الحكم المقيد!!.

أحيانا تهيئ الظروف لبعض الأشخاص فرصة التحكم فى الآخر، فيصبحون كالهدية لهم.. ربما كانت هذه الظروف فى صورة ابتزاز أو شكلا من أشكال التضحية حتى تسير السفينة إلى بر الأمان فيتحمل الطرف المتحكم فيه الشقاء.. لكن هذه الظروف صاحبة الفضل فى تحقيق هذه الفائدة، فتصبح جيدة لطرف على حساب آخر.. ونؤكد أن لولا هذه الظروف ما كان يتحقق قيد التغيير أو الصبر على عدم إظهار الاختلاف المنكر فى شخصيته.. فيكون القدر هو البطل يا عزيزى!!.

ودائما ما يحلو لنا أن نقارن بين حالنا وأحوال الآخرين.. ونتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض.. قد يذهب التمني للحسد والحقد وتمنى زوال النعمة وقد يصل لصورته الإيجابية للغبطة فى أن نصبح مثلهم دون تمنى الضرر لهم.

ونذهب فى المقارنة فى إعجابنا فى بعض أحوال وصفات لدى الآخرين فنتمنى شجاعة لديهم فى مواجهة جبن لدينا أو زهدا فى المال فى مواجهة طمع لدينا أو حتى أن تتحلى قلوبنا بالقسوة محل الطيبة التى تضعفنا فلا نقوى على معاقبة الآخرين.. ونذهب إلى أن نريد أن نحصل على ما حرمنا منه وحصل عليه غيرنا.. أضحك من قلبي.. أنعم براحة البال.. آكل الممنوع عنى من الطعام.. أشفى من مرض.. أريد كل شيء عند كل واحد.. أريد أن أكون كل الناس فى كل النعم.. أريد السعادة الظاهرة بشرط ألا أتكبد المعاناة الباطنة المخفية عن عيون الآخرين أو حتى الثمن المدفوع لهذه السعادة.. وقد نذهب لأبعد من ذلك أن يكون لنا أوطان غير أوطاننا فنحلم بالهجرة أو نكون راشدين فنحلم بالأمان والرخاء لأوطاننا مثل الأوطان الأخرى.

والحقيقة أننا لسنا كلنا على نفس الفخر بأنفسنا أو حتى بأهلنا وذوينا وأبنائنا، فكثير منا تمنى موطنا غير موطنه وأهلا غير أهله حتى ولو تظاهر بالعكس بدليل تنكر العديد لأصوله المتواضعة حتى ولو كانت شريفة فى وقت لم يعد الشرف محلا للتباهي فى العديد من أمورنا فقد يكون المال الأهم على حسب طبيعة كل واحد منا!!.

ولا أنكر أنه مازال بيننا أصحاب الضمير المستيقظ الذين ينكرون أفعالا ليست فيهم حتى فى أحلامهم حتى إنهم يستيقظون وينكرونها ولسان حالهم «لم أكن أنا» ومن الممكن أن نعود لأنفسنا التى نفتخر بها.. وقد يتطلب الأمر قرارا بأن نكون غير ما نحن عليه بعد خوض التجربة ليصبح على حال غير ما هو عليه.. قد تحركه الصدمة أو حتى العشوائية التى تهب وتمنح.. لكنها الفرصة التى قد تكون معجزة يستطيع أن يحقق فيها «أنا الذى أتمناه»، فالحياة التى نحياها واحدة عبارة عن سلسلة من الخطوات ولا يمكن أن نحيا حياة أخرى باختبارات جديدة وحتى تسير للنهاية يكون فيها تدارك الخطأ الأفضل دائما.. فلا نستطيع أن نكون غير أنفسنا المقبولة لدينا وقد نحقق بعض النجاح فى وقت إذا تمنينا وحظينا ببعض التدريبات لنتخطى بعض الأمور أو المواجهات المعدة لها مسبقا واستعنا بأصحاب المشورة والنصح فى وقت عملنا فيه على تهذيب أنفسنا وترويضنا لها بأن نعمل على تطوير ذاتنا للتكيف وخوض التجارب، ليكون الحل الأفضل لنا بدلا من أن نسعى لتغيير الآخر لأننا لو فشلنا فى تغيير أنفسنا فإننا حتما سنفشل فى علاقاتنا بالآخرين لأن الطبع دائما يغلب التطبع.

 فعلينا أن نتقبل اختلافنا عن بعضنا البعض، ونتوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين لأن ذلك يضعف شخصيتنا ويقلل ثقتنا بأنفسنا.. ناهيك عن حالة الشقاء التى تفرضها على نفسك بعدم الإحساس بالنعمة بأن تحصر تفكيرك بما لدى غيرك من النعم فلا ترى نعم الله عليك وقد تتعود عليها فتنكرها وتجحد بها.. ولابد أن تعلم أن لا الحزن دائم ولا السعادة دائمة فكل منهما زائر يأتى يوما ولابد أن يغادر.

وتجد حينما نتمنى أن نصبح مثل الآخرين قد لا تكون لدينا القدرة بالفعل حتى بعد خوضنا التجربة وفشلنا.. فكثير منا يحلم بالثمار دون بذل الجهد يريد أن يحصل على مكاسب غيره وليس جهد غيره.. فترى كثيرا ما يذهب أحدنا لأخذ مشورة من يرى فيه من الصفات التى لا تتوافر عنده فيكون مخلصا معه وينصحه بالأمر الصواب وضرورة أن يفعل كذا وكذا حتى يحقق ما يصبو إليه.

 لكن عدم وجود القدرة والرغبة التى قد تكون فى عدم وجود قدرات مثل المواجهة أو الصراحة أو حتى قول الحق أو حتى الخوف من عواقب تصرفه تسبب فى عدم تنفيذ ما يتمناه فى نفسه.. فلن نصبح شجعان بين يوم وليلة.. أو حتى فى حالة التطهر من ذنوبنا فقد نتطهر من السرقة ولكن لا نريد رد الأموال وفى بعض الأخطاء قد لا تكون لدينا القدرة حتى على الاعتذار وطلب السماح أو الإعلان عن جرمنا.

فنطلب النصيحة والمشورة ولكن طباعنا أقوى منا فقط نسمعها ولا ننفذها ونعلم أنها الحل المثالى ونتمنى أن نكون مثل أصحاب النصيحة والمشورة.. لكن نرفض أن ندفع الثمن الذى دفعوه ليصبحوا هكذا.. نحاول أن نتجمل ولكن طباعنا تفضحنا فتسقط الأقنعة.. وقد نخدع فعلا وليس العيب فينا.. فليس كل شريف حاصلا على حقه فقد يقابل من الخسة والنذالة والتآمر ما يجعله لا يتغير ولا يستطيع أن يتغير.. فقد يرى فى «أنا» خير صديق فينعزل وربما يكتئب حتى وإن تغير فقد لا يستمر بحصوله على «أنا» مغايرة فقد تخدر أو تنام لبعض الوقت ولكن لكل نائم وحالم كوابيس مفزعة تقتحمه وتذكره بحقيقة الأمور العارية.. فلا تبحث عن الراحة فى الآخرين وتنسى أن راحتك فى «أنا» الخاصة بك.. فإن عجزت عن تغييرها فلابد وأن تعجز عن تغيير الآخرين.. واعلم أنه إذا كانت المحاسن جيدة فالعيوب جيدة أيضا لأنها شكلت حياتنا والأمر الممكن فى وجود أمور مشتركة نجتمع حولها.. فلا تكن أنت أنا.. ولا أنا أنت.

Egypt Air