السبت 27 ابريل 2024

حديث النفس.. (الحب.. النسيان.. الذكريات)

مقالات4-8-2021 | 13:23

فى حياتنا أمور.. حكايات.. أحداث أو حوادث نظن أننا نستطيع نسيانها ومع ذلك نحتفظ بكافة تفاصيلها رغم أنها مؤلمة.. وكأننا نسعد بتعذيب أنفسنا.. قد تحمل أخطاءنا أو أخطاء غيرنا.. لكنه عالمنا الداخلي الذي نلجأ إليه لنستريح أو نعاقب أنفسنا.. فهي محفورة داخلنا.. نحتفظ بها فى صندوق سرى قد يحمل جواهر أو سندات وصكوكا أو حتى آثارا أو خردة.. استدعاؤها قد يحتاج لذاكرة قوية وقلب يستطيع تحمل تعذيب تذكرها.. فلو كانت سعيدة نشتاق إليها فهي لن تعود.. أو حزينة يمزقنا الألم مرة أخرى.. ليصبح النسيان نعمة للنفوس أو رغبة فى غد يمحوها بذكرى جديدة!!.

نمر فى حياتنا بأمور قد يتوقف عندها الزمن لبعض من الوقت فتأخذ من مشاعرنا وأحاسيسنا قدرا ليس بالقليل فتترك أثرا يصعب نسيانه سواء كانت مفرحة أو محزنة فهي تمثل لنا محطات فارقة فى حياتنا قد لا نلتفت لقيمتها فى حينها، ولكن بعد مرور الزمن ندرك أنها كانت من الأهمية ما جعلنا نتذكرها بشدة.. وقد تكون فعلا من الأهمية وقتها ما جعلنا نتوقف عندها كثيرا وجعل صعوبة فى أن نتخطاها.. المهم أنه فى الحالتين تترك الأثر الفعال فى نفوسنا.

ففي الحالة الأولى قد نكون من عنفوان الشباب ما يجعلنا نفرط فى أشياء ثمينة، فنفقدها ولم نعوضها بعد مرور العديد من السنوات وهذا التفريط قد يكون لأسباب تنم عن عدم تقديرنا الصحيح لقيمتها.. ظانين أنه من السهل أن يجود الزمن بمثلها مرة أخرى.. مثل حالات الحب المخلص والتضحيات التى نستهين بها فى مقتبل أعمارنا أو حتى الصداقات المخلصة أو حتى فترات وجود الأبوين فى حياتنا.. كلها أمور لا نشعر بقيمتها إلا مع تقدم العمر وتعثرنا فى أناس أقل إخلاصا أو حبا أو دعما لنا فى حياتنا.

وفى الحالة الثانية دائما ما نتذكر الحوادث التى أصابتنا وسببت آلاما أو حتى أفراحا فتركت علامات فى نفوسنا نستدعيها من وقت لآخر سواء لارتباطها بأحداث أخرى أم لا.

وعلى فكرة استدعاء الإنسان لما يؤلمه ليس شرطا أن يكون بسبب أمور مشابهة ولكن قد تسبب مشاعر الشعور بالذنب بسبب التفريط أو إيذاء بعض الأشخاص فى الشعور بعقدة الذنب التى تحلو للإنسان أن يعاقب نفسه بها على فترات.. حتى المشاعر المفرحة قد يسترجعها الإنسان بشيء من الألم لأنها لن تعود.. أو أن أبطالها رحلوا عن عالمنا!!

وكلما تقدم الإنسان فى العمر يشتاق لرصيد ذكرياته بحلوها ومرها وتصل لتكون شريكا له فى وحدته فى ظل التناقص فى سلم الإنجازات ورحيل العديد من الأشخاص عن حياته.

ولسنا كلنا متساوون فى سيطرة قوة الحنين للماضي أو حديث الذكريات، لكنها تخضع لطبيعة الشخص ودرجة وفائه وحتى درجة انشغاله أو قدرته على تشاغله والقضاء على أوقات فراغه.. لتتحكم فى درجات تذكره للأمور السلبية أو حتى تحسره على أيام الماضي الجميلة التى رحلت.. فالتشاغل يمنع النفس الإمارة بالسوء من استدعاء كل ما يحزنها.. وعلى فكرة هناك دائما عدو قرين للإنسان يدخله فى دوامة الحزن وينتهز الفرصة دائما بتذكيره بكل ما هو حزين ومؤلم.. حتى أنه لا يلبث أن يخرج من أمر محزن حتى يدخله فى آخر ليغرقه فى دوامة الحزن.

وأكثر الأمور التى تتعلق بها النفوس فى حديث الذكريات تلك المتعلقة بعاطفة الحب فهو الأمر المحبب لكل القلوب.. بما يحمله من مشاعر طيبة تختلط بالإعجاب والرغبة واللهفة والطمع فى تحقيق النشوة التى تبعث فى نفوسنا الثقة فى أننا محبوبون مرغوب فينا.. فدائما ما تسعى القلوب والعقول لتحقيق ما يسعدها وخاصة فى فترات اكتمال صحتنا البدنية فى فترات الشباب بطاقاته الجامحة التى تتحمل كل ما تلاقيه من احتمالات الإخفاق والبعد أو الفشل أو حتى قوة لحظات النشوة.. والتى من الممكن أن تنتج فى النهاية حالات حب مثالية تمد كلا الطرفين باحتياجات مماثلة أو شبه مماثلة فلا تجور على حاجات طرف لصالح آخر.

والإنسان الذي لا يقيم علاقات من الحب حتى ولو كانت غير متوازنة كأن تحمل أمورا أنانية.. هو إنسان جامد لا يرى فى هذه الحياة أي نوع من أنواع الجمال.. التى يحلو لنا تذكرها من وقت لآخر.

فالحياة تحتاج دائما إلى شريك أو شركاء وتحتاج للاهتمام حتى نستطيع أن نتحمل أعباءها.. فقد ترى الاهتمام فى صديق أو حبيب.. وقد يتوج بعلاقة عاطفية جيدة وقد يتوقف عند مرحلة معينة، ولكن لا يتوقف فيها الاهتمام والعطاء.. وقد تتوقف عند الصداقة فهي تعنى أيضًا علاقة شراكة وفضفضة وتخفيف حمول وهموم الحياة ولكن بشرط الاهتمام المتبادل.. وقد يتأثر البعض منا عند فقد هذه العلاقات لأنها أثمن العلاقات التى تقابلنا فى حياتنا ومتى ضاعت فمن الصعب أن تعود.. وخاصة إذا ما انتهت بالتجريح وتظل الحسرة عليها فى تذكرها حية فى النفوس!!.

ونعيش نبحث فى علاقتنا عن إشباع لرغباتنا فى صورة علاقات جديدة تكون امتدادا لعلاقات عشناها فى طفولتنا مثل علاقات الأمومة والأبوة للحصول على العطاء بلا حدود أو علاقات الدعم والإيثار لننجح فى أعمالنا.. أو حتى فيما نقدمه لغيرنا من صور عطاء تشعرنا بالامتنان والسعادة النفسية بأننا قادرون على العطاء الذى يسعد من حولنا وأن هناك من يحتاج إلينا.. وعلى فكرة سعادة العطاء لا تقل عن سعادة الأخذ.. فسماحك لغيرك بتقديم المساعدة والعون لك شيء يسعده كثيرا لأنه يشعره بأهمية دوره فى الحياة، لذلك كثير منا يعانون مع تقدم أعمارهم وعدم احتياج أبنائهم لهم فيفقدون أسباب تعلقهم بالحياة وقد يصابون بالاكتئاب خاصة فى حالة جحود أو انشغال الأبناء وتصبح فرصة استدعاء الذكريات المتعلقة بحياتهم فى السابق أكثر ألما وتعذيبا لهم!!.

ولأن الحب عاطفة متغيرة فهو الأكثر احتلالا لرصيد الذكريات.. فقد تشيخ مع تقدم الإنسان فى العمر.. فكما أنها تكون مزدهرة يانعة فى مقتبل العمر تشعلها العلاقات العاطفية والقبلات فإنها تهدأ بمرور الوقت حتى تصل لمرحلة تقترب من الذكرى ليحل محلها الرباط الأسري.. وعند البعض تسبب طول العشرة فى قوة الرباط المقدس واحترام الميثاق الغليظ.. وتصبح شريط من الذكريات المليء بالحلوة والمرة.. ويستمد قوته منها.. ويغيب الألم عن ذكراها.

أما الذكريات والحنين للماضي دائما ما يكون متعلقا بالحكايات العاطفية التى انتهت وتصل لأن تكون سرا من أسرار حياة صاحبها الذى لا يحب أن يطلع عليه غيره.. ويكفى الحنين اختبارا لتعلم قدرتك على تحملها.. فلا أحد ينسى «كسر القلب».

وقد يكسر غيرك قلبك أو يظلمك ولا يبالى وقتها ولكن حكم الأيام التى تأخذ للمظلوم حقه بأن تدور عليه وتذكره بأنه ذنب من ظلم واستهان به في يوم من الأيام ولا يستطيع أن يصلحه فقد فات الأوان.

ومن منا لا يخطئ فى حياته فكلنا على هذا النحو.. تتراوح أخطاؤنا ما بين البسيطة والجسيمة، فنحتفظ بها داخل نفوسنا حتى وإن توبنا منها فكثيرا ما نتذكرها لنعاود التوبة منها أملا في قبولها فقد تمثل حائلا لنا في حياتنا دون بلوغ بعض أمانينا وطموحاتنا.

وقد نرتكب من الأخطاء ما يجعلنا نحتفظ بها داخل أنفسنا دون الاعتراف بها أو اتخاذ خطوات لتصحيحها فتظل تؤرقنا فى حياتنا فتمثل عقابا للبعض منا تصل لدرجة أنهم يحتاجون لإحراق أنفسهم حتى يحترق الماضي وينساه.. فنحن مختلفون فى إيجاد الوسيلة فى إراحة ضمائرنا.. فألم الذكرى يتعلق بقوة ضمير الإنسان.. فلابد أن نجدد العهد مع أنفسنا باستمرار للتطهر من ذنوبنا حتى ولو كانت ماضيا فالحقوق لا تموت بالتقادم.

ونبحث عن النسيان.. وقد يكون علاجا ودواءً.. وقد يكون أمرا صحيا إذا ما كانت ذاكرة الإنسان ضعيفة تعجز عن تذكر الأمور المحزنة وخاصة التى لا ذنب له فيها فإذا كان العكس فإنه حتما يعيش تعيسا معذبا محبطا.. فيجب على الإنسان أن يصحح من أخطائه وينتقل لمحطة أخرى من حياته يتخذ فيها من الماضى عبرة لحاضر أفضل منه.. فالماضى ذهب ولن يعود.. والحاضر سيغدو ماضيا أيضا بحلوه ومره.. وقد يكون الماضى شريكا للحاضر لكنه حتما راحل.. فيتعلم الإنسان القبول بالواقع.. فمتى تقبل الواقع فهذا يعنى أنه تقبل المعاناة وأن تتوقف رغباتنا عن الشكوى منه فهو حتما يصبح ماضيا قد نتندر عليه!!.

ويجب أن نتعلم أنه لا شيء يبقى.. الكل سيغدو ذكرى.. نحتاج لقلب يستطيع تحملها.. قلب يمتلئ دائما بالتسامح مع نفسه وغيره.. ولأخطائه ولأخطاء غيره.. يتعلم دائما أنه قلما يجود الزمن بالأمور والأشخاص البريئة التى تشتاق إليها نفوسنا فى ماضيها الذى أسميناه بالبريء.. وقت كان وكنا فيه مثل الشخصيات الكرتونية فى أفلام الأطفال.. الكل على فطرته الطيبة.. والشر ساذج مضحك.. فأحببنا ماضينا البريء وكرهنا حاضرنا المعقد الذى يحتاج لدراسات لفك طلاسمه وتفهم شخوصه ونسينا أننا جزء منه.. قد نكون جزءا أكثر وضوحا من غيرنا لذلك نحّن للماضى البريء.. وقد نكون سببا لشقاء من حولنا بادعائنا البراءة غير الموجودة فينا.. لكننا أردنا أن نأخذ أكثر مما نعطى أو أردنا الصراحة والوضوح والنقاء الذى اعتبرناه ماضيا فندمنا عليه واشتقنا إليه.. فأنت جزء من هذا الواقع وعليك التعامل معه.. فاعلم أن ماضيك الجميل لم يعد جزءا منه.. بل غدا فيلما قديما وأثرا فى متحف الذكريات.. أغلقه فلست البريء الوحيد فكلنا لنا نفس الماضى الطفولى البريء وسجل من الخطايا وشركاء فى حاضر يحتاج التطهر ولباس البراءة القديم وليس أثرًا فى صندوق الأمانات!!.

Dr.Randa
Dr.Radwa