الجمعة 26 ابريل 2024

بناء المستشفيات والمدارس أحب إلى الله من بناء المساجد

مقالات2-7-2021 | 02:37

من يقرأ القرآن بتدبر وتمعن، يُدرك أن معظم آيات القرآن الكريم تتناول الصلاح والصالحين والمصلحين بالمدح والتبشير بجنة عرضها السموات والأرض، أُعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء،،، وأن مجال الصلاح  ليس فقط في علاقة الانسان بربه!، بل في علاقة الإنسان  بعالم الأفكار!!، لأن إصلاح الفكر والتوجه جزء من الصلاح الإيماني والسلوكي، كما أن تسميم  الفكر   جزء من الفساد المجتمعى والإيمانى.

كما يتناول مجال الإصلاح علاقة الإنسان  بالوطن وبالناس، فإحياء النفس البشرية بالصدقة والعلاج والتعليم وقضاء الحوائج الإنسانية  من أعظم صور العمل الصالح.

وهذه بعض الآيات الكريمة التي تؤكد هذه المعاني، وتحث الناس على الإصلاح بآليات العصر الذى يعيش فيه الإنسان

قال تعالى :

              •            وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿١١٧ هود﴾.

              •            وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿٢٥ البقرة﴾.

              •            مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴿٦٢ البقرة﴾.

              •            وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴿٨٢ البقرة﴾.

              •            إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴿١٦٠ البقرة﴾.         

              •            وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴿٢٢٠ البقرة﴾.

              •            أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ﴿٢٢٤ البقرة﴾.

              •            إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴿٢٧٧ البقرة﴾.

              •            وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٣٩ آل عمران﴾.           

              •            وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴿٥٧ آل عمران﴾.

              •            وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١١٤ آل عمران﴾.         

              •            فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴿٣٤ النساء﴾.

              •            فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِوَالصَّالِحِينَ ﴿٦٩ النساء﴾.

              •            إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ﴿١١٤ النساء﴾.

              •            وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ ﴿١٢٢ النساء﴾.

 

ومجالات الإصلاح والعمل الصالح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  تختلف حتمًا عن مجال الإصلاح والعمل الصالح في عصرنا ،، فقد عاش صلى الله عليه وسلم في مجتمع  بدوي يفتقر إلى أبسط احتياجات الإنسان، كالاحتياج إلى الشبع للقضاء على الجوع ! والاحتياج إلى حفر آبار المياه  للقضاء على العطش، والاحتياج إلى تعلم القراءة والكتابة للقضاء على الجهل وفتح أفاق الناس إلى الكون والعالم حولهم،،، إلخ .

ومن هنا كانت توجيهاته صلى الله عليه وسلم  وحثه على فعل الخيرات التى تواجه الاحتياجات الإنسانية للمسلمين وللناس في عصره!

وكان من تلك الضرورات الملحة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بناء المساجد !، حيث كثر المسلمون إلى ما يقرب من مائة  وعشرين ألفًا  قبيل وفاة الرسول، ولا مساجد سوى المسجد الحرام، والمسجد النبوى ومسجد قبا!!

وكان المسلمون في أماكن متفرقة يصلون في بعض الأمكنة ويتخذونها مصلى لبعد المسافة بينهم وبين مسجد النبى صلى الله عليه وسلم.

وانتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى ولا توجد سوى تلك المساجد.

فحث رسول الله المسلمين على بناء المساجد بقوله :

- مَن بنى للهِ مسجِدًا ولو كمَفْحَصِ قَطاةٍ بنى اللهُ له بيتًا في الجنَّةِ.    رواه ابن حبان

ومعنى. مفحص  قطاة يعنى عش.  طائر  صحراوي اسمه قطاة.

-(مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ) رواه البخاري

فتسارع الصحابة إلى بناء بعض المساجد في أماكن قد صلى فيها رسول الله أو كان بعض أصحابه يصلون فيها!

مثل  مسجد الفتح، ومسجد سلمان الفارسي،  ومسجد أبى بكر الصديق، ومسجد عمر بن الخطاب، ومسجد علي بن أبي طالب، ومسجد سعد بن معاذ، ومسجد بني حرام الأثري،  حيث اشتهرت هذه المساجد وعرفت باسم المساجد السبعة ، ومسجد السجدة، ويقال له مسجد السجدة لسجوده صلى الله عليه وسلم فيه سجدة طويلة ، ويقال له مسجد الشكر لسجود النبي فيه سجدة الشكر ،  ومسجد ذى القبلتين وهو مسجد بني سلمه لوقوعه في قرية بني سلمه،  وسمي مسجد القبلتين لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة أثناء الصلاة به ، فاستدار المصلون وهم في صلاتهم إلى المسجد الحرام وجمعوا بين القبلتين في صلاة واحدة.

ولأن العبرة من بناء المسجد هو فقط العبادة ونشر الإصلاح في المجتمع، أمرنا ربنا تبارك وتعالى  بتعمير المساجد ولَم يأمرنا بتكثيرها، وهذا يؤكد أن بناء المساجد يرتبط بالحاجة إليها فقط

قال تعالى: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) التوبة.

وكذلك لم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم بتكثير المساجد بل رغب في بنائها لحاجة الناس إليها

بدليل أنه هدم مسجد الضرار الذى بناه المنافق عامر الراهب بقصد جعله واجهة شرعية لافساد المجتمع وشق الصف

وأنزل الله فيه قوله تعالى :

وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107).  التوبة.

ونظرًا لغياب مبدأ  أنتم أعلم بشئون دنياكم عن كثير من المسلمين حتى عن النخبة !!

ولغياب معنى   تغير العصر  يوجب تغير احتياجات المجتمع والناس من العمل الصالح !!

فقد تسارع الناس اليوم طمعًا في إحراز  الثواب العظيم  في الجنة.   تسارعوا. في بناء المساجد  دون النظر  إلى مسألة  الحاجة، في الوقت الذى تفتقر مصر إلى بناء عدد كبير من المستشفيات والمدارس والمنشآت الأخرى الضرورية !!

حتى وصل عدد المساجد  في مصر وفق احصائية  مركز معلومات مجلس الوزراء عام 2018   "105135"  مسجدًا في كل ربوع مصر.    منها 80040 مسجدًا حكوميًا ،.  و 25095 مسجدًا أهليًا.  

وبالطبع زاد هذا العدد في الثلاث سنوات الماضية زيادة كبيرة .

وجميعنا يتابع تصريحات وزارة الأوقاف بافتتاح عدد من المساجد كل جمعة. على نفقة الأهالى.

وبحساب بسيط جدًا يمكن المقارنة بين  عدد المساجد في آخر العهد النبوى  ونسبتها لعدد المسلمين من جهة ؟ وبين عدد المساجد اليوم ونسبتها لعدد المسلمين في مصر هذا العصر  من جهة ثانية ؟!

في آخر العهد النبوى كانت توجد عدة مساجد !  وفق ما سبق ذكره، وكان المسلمون مائةً وعشرين الفًا

اليوم  عدد المسلمين في مصر لا يقل عن تسعين مليونًا  والمساجد قد تجاوزت 106 الف مسجد !!!   وهناك تصريحات صحفيه غير رسمية إلى تجاوزها 137 الف مسجد وزاوية !!

مع الوضع في الاعتبار  أن عدد المترددين على المساجد في مصر خاصة في صلاة الجمعة لا يتجاوز الخمسين مليونًا !!  حيث اعتاد المصريون في الريف والقرى والصعيد وكثير من المناطق عدم حضور المراة إلى المساجد وكذلك الأطفال  الصغار !

وبهذا الحساب يتبين ازدياد عدد المساجد نسبة لعدد المسلمين في عصرنا وعدد المترددين على المساجد،  بصورة تدعوا إلى التدبر وإعادة النظر وفقًا للمصالح الشرعية والوطنية،،،، ولا يخفي على أحد وجود عدة مساجد في شارع واحد أو في حارة واحدة ببعض المناطق !!  وكذلك آلاف المساجد  التى تسع المئات ولا يتردد عليها سوى العشرات من المصلين!

والسؤال الذى يطرح نفسه على ضمير المصريين الآن ؟

هل نحن بحاجة إلى تكثير المساجد أم إلى تعمير المساجد القائمة ؟

وهل مصر "الجمهورية الجديدة"، في حاجة إلى بناء المزيد من المساجد أم بناء المزيد من المستشفيات والمدارس وبقية المنشآت الحضارية في المناطق المستهدفة بالتنمية وفق رؤية 30-30، ووفق المقاصد  الشرعية المتوافقة مع المقاصد الوطنية؟!

وبالرجوع إلى مركز معلومات مجلس الوزراء لمعرفة عدد المستشفيات والمدارس بمصر  وفق آخر إحصاء عام 2018 ؟ تبين الآتى :

عدد المنشآت الصحية ( الحكومية والخاصة والجامعية )  2068  منشأة. بسعة 131.3 الف سرير

وبالطبع زاد العدد قليلًا في السنوات الثلاث الماضية !

وعدد المدارس 55.21 الف مدرسة  بسعة 500.16 الف فصل

وعدد مدارس التعليم الفنى 2388 مدرسة

وعدد المعاهد الأزهرية 10652 معهدًا أزهريًا

وبنفس آلية الحساب  سيتبين للقاريء الفجوة الكبرى بين عدد سكان مصر والذى قد تجاوز 101 مليون  وبين عدد المدارس والمستشفيات !!

مع أن العلاج والتعليم أعظم صور العبادة  لله رب العالمين، بل إن المساهمة فيهما أعظم أجرًا من الصلاة وقراءة القرآن  .

وبناء المستشفي وبناء المدرسة أعظم أجرًا  من بناء المسجد  لحاجة الناس اليوم اليهما في ظل العجز الشديد الذى يشهده المجتمع في هذه المساحة ،،  بخلاف دور العبادة ، فقد وصل  المجتمع إلى حد الكفاية فيها وزيادة .

ولا يعنى هذا الكلام اعتراضى على بناء المساجد مطلقًا ؟!

بل تبنى المساجد في التجمعات السكنية الجديدة  وفق الحاجة وليس للتفاخر كما يفعل البعض !

*وكم كنت أتمنى تناول خطب الجمعة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من بنى مسجدًا بنى الله له بيتًا في الجنة "  بهذه الرؤية التى ذكرتها ،،،،،

وبما أن الظروف تغيرت.   فإن صور العمل الصالح تتغير

والأولويات الشرعية هى الأصل الموجه لنا في فعل الخيرات

وبناء المستشفيات والمدارس الآن هو الفريضة الغائبة، ومن بنى مستشفي أو مدرسة بنى الله له بيتًا في الجنة قياسًا على بناء المسجد عندما احتاج الناس إلى بنائه.

*وكم كنت أتمنى افتتاح عشرات المدارس والمستشفيات على نفقة نفس المحسنين.، كبديل لافتتاح عدد من المساجد التى زادت عن حد الكفاية، وتبيين حكم الإسلام لهم أنهم باذن الله لهم نفس الثواب  العظيم بل أكثر !!

فهل سنسمع خطبة للجمعة بعنوان " ومن بنى لله مستشفي أو مدرسة بنى الله له قصرًا في الجنة ؟

وهل سيتم توجيه أهل الإحسان والفضل الطامعين في ثواب الله ببناء منشآت صحية وتعليمية ولهم نفس أجر وثواب بناء المساجد ؟

أتمنى ذلك، وما ذلك على الله بعزيز.

اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد ،،،

Dr.Randa
Dr.Radwa