السبت 27 ابريل 2024

صفعة من (جيل النار) على وجه فرنسا

مقالات15-6-2021 | 11:43

« Montjoie Saint Denis , A bas la Macronie»

 صارخاً بشعار جيش فرنسا إبان الملكية خاتماً صرخته بـ"يسقط ماكرون"، تلك كانت كلمات الشاب صافع الرئيس الفرنسي على وجهه منذ بضعة أيام، عندما توجهت أنظار العالم نحو فرنسا فى محاولة اعتداء وإهانة مُتعمدة لرمز الدولة.

 وتؤكد تلك الكلمات بكل يُسْر كون المُعتدى من اليمين المتطرف الفرنسى وينتمى لأيديولوجية (حزب الجبهة الوطنية) المُمثِل لاتجاه العدائية المُطلقة للمهاجرين والإسلاميين ولكل من لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية أو يُعد دخيلًا عليها حيث يُبْجِل الملكية ويعلى من شأن عنصرية الجنس الفرنسى وهو ما يلام عليه ماكرون وحزبه من محاباة للتعددية وتقبل للآخر تحت راية الديموقراطية.

  صعد اليمين المتطرف على أرض فرنسا منذ ثمانينيات القرن الماضى وكان له حضور ووزن كبير فى حكومة الرئيس شيراك على يد مؤسسه (جان مارى لوبان) وها هو يجد الدعم والريجة فى المجتمع الفرنسى على يد ابنته (مارين لوبان) خاسرة معركة الرئاسة الفرنسية السابقة والمعارضة والتى تحمل خطاب الكراهية لكل الأجانب على أرض فرنسا ولكل ما هو منحدر من الثقافات الإسلامية أو الشرق أوسطية بلسان نازى مُتجدد.

علا صوت اليمين المتطرف فى آخر شهور مما ينذر بخطر كبير قبل أقل من عام على الانتخابات الفرنسية القادمة، حيث خرج من حيز أعضاء حزبه أو أشخاص يبّجلْون أيديلوجيته، خرج إلى حيز تدخل عسكريين سابقين وحاليين فى العملية السياسية استهدافًا للحكومة الحالية مما شكل خطرًا كبيرًا على الديموقراطية الفرنسية التى أُحيطت لسنوات بسياج منيع ليس فقط من النواحى السياسية والقانونية والاجتماعية فحسب بل أيضا من ناحية صدام الهويات التى تتعايش فى مجتمع واحد إعلاءً من شأن المواطنة.

 فطالعتنا مجلة  (valeurs actuelles) الناطقة بلسان اليمين ببيان قوى ضد تفكك الدولة الفرنسية - من وجهة نظرها- ذُيّل بتوقيعات عشرات من كبار العسكريين وضباط رفيعى المستوى جاء البيان تحذيرى وبمثابة إنذار موجه للقيادة الفرنسية بتنامى الكراهية فى المجتمع على حساب الأخوة ولعل الهدف الضمنى منه والغير مُعلنْ هو خلق الشعور بالضيق على الأراضى الفرنسية وابتغاء سواد روح الكراهية بين الجماعات واستحضار مارد الصراع العرقى فى حال لم يتم استئصال الإسلاميين والمهاجرين من المجتمع، وعلى الرغم من العقاب الذى حلّ بالموقعين على البيان من شطب من السجلات العسكرية أو إحالة للتقاعد إلا أن هذا لم يمنع صدور البيان الثانى فى مايو الماضى دون الإفصاح عن هوية كاتبيه وجاء مُعنْونًا بـ(من أجل بقاء بلادنا) وتخطى عدد الموقعين علية أكثر من 250 الف مواطن فرنسى فى ليلة واحدة جاء مفتتحا بكلمة “تحركوا” مخاطباً ماكرون والنواب وكبار موظفى الدولة منتقصًا من أهمية وجودهم فى مناصبهم أو تولى ولايات رئاسية ثانية مُذيلًا الخاتمة بأن فرنسا هى الأبقى .

لا يكف اليمين المتطرف عن هجومه على المهاجرين الأجانب ومخاطبتهم بلغة عنصرية استعلائية منذ نشأته واليوم يوجه طاقته نحو الخطر الإسلامى من وجهة نظره؛ دعمهُ فى ذلك الهجمات التى طالت البلاد منذ 2015 وساعده خطابه الأيدولوجى القوى فى مواجهة خطاب يساري أضعف بكثير يُراعى التعددْية المجتمْعية.

أطلقت الصحف الفرنسية على أصحاب البيان لقب (جيل النار) بعناصره التى تبين مشاركتها فى بعض النزاعات المُسلحة التى اشتركت فيها فرنسا فى أفغانستان ومالى وإفريقيا الوسطى وعادوا مكبْدين بخسائر فى الأرواح وبنفوس تحمل الكثير من الكراهية لكل ما هو وافد أو إسلامى، ولعل القلق المُسيطر على السياسة وأهلها داخل فرنسا الآن هو الخوف من صعود اليمين المتطرف فى القادم أو تحالف بعض قادته مع قيادات فى الجيش الفرنسى  خاصة بعد تلك البيانات المتتالية والتى أشترك فيها عسكريين؛ أحيا هذا الهاجس كابوس الانقلاب العسكرى الفاشل الذى فُعِل عام 1961 ضد الرئيس (شارل ديجول) فى الجزائر وجاء تاريخه يوم الحادى والعشرين من أبريل تزامنًا مع أول بيان لليمين المُتطرف مما يجعله بيان تحذيرى تهديدى ويعد المواجهة الحقيقية بين (جيل النار) والصامت الأكبر - لقب الجيش الفرنسى -.

تجتاز فرنسا مرحلة حاسمة فى تاريخها  قبل انتخابات الرئاسة حيث تعلو النداءات العنصرية لتطهير البلاد من المُهاجرين والإسلاميين مما يُجرد باريس من مبادئها التى حافظت عليها منذ عقود ألا وهى الديموقراطية والتعددْية، فهل ستصمُد فرنسا أمام المدْ اليمينى أم سيعتلى ذلك الأخير الرئاسة القادمة وعندئذ يمكن اعتبار صفعة ماكرون هى بداية الصفعات التى ستتوالى على وجه الديموقراطية الفرنسية.

Dr.Randa
Dr.Radwa