السبت 27 ابريل 2024

تمام الكلام

مقالات17-5-2021 | 22:54

نسل الأغراب.. مسخ الفن 

رحل عنا منذ أيام قليلة شهر الإيمان والتقوى والخير والإحساس بالآخر، سواء كان مكروبا أو مريضا او فقيرا.

شهر الجهاد الأكبر، جهاد النفس البشرية المعقدة، التي تجدها فرصة للتوبة من المعاصي، والتطهر من الآثام، واستعادتها لفطرتها الأولى التي خلقت بها وجبلت عليها، وهي النقاء وعبادة الخالق سبحانه.

شهر تغتسل فيه أرواحنا وأفكارنا مما علق بها من شهوات الدنيا الفانية ومعاصيها، التي باتت كثيرة وسريعة وسهلة التنفيذ والانتشار والعدوى، نظرا لتقارب البشر عن طريق أدوات الاتصال المخفية والعلنية، التي أباحت الإتيان بالأفعال الشائنة بكل استسهال، واستباحت الابتزاز والمتاجرة بالأعراض بلا أي إحساس بمسؤولية، أو وازع ديني أو ضميري، يراجع فيه المذنب نفسه، فيكف عن نشر الفاحشة، حتى لا تصبح قاعدة يعاني منها من هم مازالوا يتمسكون بضمائرهم وأخلاقهم الحميدة، في عصر بات فيه كل التساهل اللاأخلاقي شائعا، بل إن كثيرين يتنافسون على إبراز الرذيلة والبلطجة والسوقية وكل شيء مبتذل.

وللأسف رأينا في الشهر الفضيل، الذي غادرنا قبل أيام، أعمالا تليفزيونية فنية تمجّد أدوار البلطجة والقتل والتخريب، وعدم الالتزام الأخلاقي، مسلسلات تنافست على تقديم الأسوأ نفسيا وأخلاقيا واجتماعيا، من دون علاقة بالواقع، أو لنقل تضخيما لبعض الواقع، وجعله قاعدة رغم أنه استثناء بغيض.

إننا نعيش عصر الإعلام الفردي، وهذا المصطلح أضعه هنا، وأرى أنه يجب أن يكون موضوعا للدراسة، إعلام فردي يمارسه كل فرد عبر هاتفه الشخصي، ووسائل التواصل الاجتماعي، إعلام فردي لا قيم تحكمه، ولا ميثاق شرف، ولا مهنية، فقط كل شخص يفعل ما يشاء، ويبث ما يشاء، في اللحظة التي يشاء.

أنا مع حرية كل إنسان أن يعبر عن رأيه، وأن يكتب ما يعتقد أنه الصحيح، لكن ثمّة فروقات هائلة بين الحرية وبين الانفلات، بين الواقع وتشويه الواقع، بين الصعيد في أفلام ومسلسلات، وازنت بين الحقيقة والضرورات الفنية، وأعمال لا شيء فيها غير الصراخ وجنون القتل، دون رقيب أو قانون، وأزياء وديكورات لا تمت للصعيد بأي صلة.

هذه مصيبة ونشر لصورة مريضة وكاذبة عن بلدنا الحبيب مصر، وكأنها هي البلد الوحيد بالعالم، الذي تحاك فيه أقذر الحكايات والجرائم الفاضحة والشائكة.

أتساءل: لماذا كل هذا التشويه الزائد عن حده؟ هل كل هذا من أجل الشهرة وحصد الملايين؟

  
اتقوا الله في بلدكم، اتقوا الله في مصرنا، وقدموا ما يفيد النشء والأجيال القادمة.

ثم أليس من المفترض في شهر رمضان إنتاج مسلسل رمضاني ديني واحد، نأخذ على عتبته بعض الاستراحة، لنهدأ قليلا من الصراخ والأصوات الغليظة، التي تتفنن في عجن اللهجة الصعيدية بشكل مستفز، ورغم أنني صعيدية، لم أفهم معظم ما يقوله صعايدة "مسخ الأغراب".

وأخيرا نتمنى أن يأتي رمضان القادم بإذن الله، دون هذه الخطايا الفنية، فمصر ليست حارات بلطجة، وليست صعيد مسوخ وعاهات، مارسوا الكتابة والفن.. لكن قبلها امتلكوا قدرا من الموهبة التي تجعلنا نصدق ما نرى.. ولو قليلا.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa