السبت 27 ابريل 2024

كورونا المشاعر.. ومناعة المصريين

مقالات9-5-2021 | 15:29

تابعت كغيري أحداث القدس وما يصدر من محتل الأرض من تجاوزات تضرب بكل ما أنتجته عقول الأرض من مواثيق إنسانية عُرض الحائط وهذا لم يعد مستغربا وسط سيطرة غاصب الأرض على دوائر صنع القرار العالمي الذي بالطبع لم ولن يقدم يوما لأهل الأرض الحقيقيين غير الدعوة إلى ضبط النفس والتهدئة.

لكن وسط هذا المشهد المؤلم لكل نفس سوية ووسط تسارع إيقاع العالم للحصول على ما تسمى بالمناعة الجماعية لمقاومة انتشار فيروس كورونا لفت انتباهي حصول المصريين على مناعة فيسبوكية وتويترية ضد كورونا أخرى لكنها لا تصيب الرئة بل تصيب المشاعر فتدفعها إلى الغضب الأعمى والتحرك الخاطئ الذي يزيد انغراس قدمها في الطين ولا يساعدها على التحرك للأمام.

وكالعادة يستغل تجار مواقع التواصل من لجان وخلايا لا تنشط ولا تتفاعل إلا للمتاجرة بالمشهد سياسيا إما لتصفية حساب أو لاكتساب شرعية مزيفة أو ..أو ..أو... ففي كل تصادم أو أزمة ترفع الشعارات الملهبة للحماس لا لنصرة قضية أو تحرير أرض كما تدعي بل يستخدمها سماسرة القضية لاثبات وجود وهمي لهم أو اصنطاع أي دور يبرر بقاءهم وتدفق أموال المساعدات إلى خزائنهم ومن ثم تنطلق هاشتاجات موسمية لتهاجم مصر وجيشها وتحاول بشكل عام دق الإسفين بين الشعوب العربية وأنظمتها وأنها تخلت عن القضية.

إلا أنني وأنا أتابع محتوى التغريدات ومضمونها وردود الفعل عليها وجدت ان المصريين قد اكتسبوا مناعة جماعية ضد كورونا المشاعر المستثارة ففي زمن ليس بالبعيد كانت تلك الهاشتاجات قادرة على تحريك الشارع في تظاهرات غاضبة ليس لها نتائج إلا مزيد من خللة مجتمعية مقصودة ليظل بعضنا يصارع بعضنا فينشغل الجميع عن العدو الحقيقي.

بالطبع سيظن البعض أنني أبخل على القضية بمجرد تويتة غاضبة أو مشاركة صورة مؤلمة وبالطبع هؤلاء البعض الذين أقصدهم هم دراويش الإخوان الذين لا يزيدوننا إلا خبالا لكن مقدار سعادتي في تلك العقلانية التي بدأت تترسخ داخل المصريين في التعامل مع موجات النفير عبر مواقع التواصل كان كبيرا ورأيت ذلك تحولا مهما وتناغما مفقودا في تصور الرأي العام عن مجريات الأحداث الدولية وأسلوب تحريكها فباتت الصورة أمام أعيننا أكثر وضوحا ولم تعد الأقنعة تشغلنا عن طريقنا فقد أدرك المصريون أن نصرة القدس ليست بالصراخ عبر تلك الساحة الافتراضية عبر شبكة الإنترنت بل تبدأ من الاصطفاف المحكم وراء الأوطان فاتقان العامل صنعته نصرة للقدس وتحصيل الطالب لعلوم الدنيا نصرة أيضا وزيادة الوعي بالمزيفين من حولك أيضا كذلك ..من هنا حُرم العدو من الردود الانفعالية التي كان يستدل بها على وحشية ضحيته وأنه يعيش في محيط يريد أن يلقيه في البحر ومن ثم يحصل على مزيد من الدعم المعنوي والمادي قيطول طريق نصرة القدس اكثر وأكثر ..لقد بات تصور المصريين عن نصرة القدس أعمق وأوعي من مجرد مشاركة في هاشتاج أو إعادة تغريد لتدوينة بل تحولت إلى منهج عمل يعلي من قيم الإصلاح والبناء وتملك أسباب القوة وأننا في خضم معركة متواصلة لم تنته حتى وإن اتخذ مسارها بعض الوقفات والهدن التي يفرضها ميزان القوة وسلطان التوازنات وتصاريف القدر.

إن بداخل كل فرد منا يقينا بأنه مهما طال الزمن سيأتي اليوم الذي  ترد فيه الحقوق إلى أصحابها وأن إبراء الذمة اليوم لن يتأتي إلا بامتلاكنا أسباب القوة سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية وهنا تذكرت الفنان الراحل أحمد زكي في فيلم أيام السادات حين كان يحاور أخاه الشهيد عاطف السادات الذي طالبه وقد كان طيارا بأن يقوم كل طيار بعمليه انتحارية بطائرته فكان رده عليه ملهما " هي عركة في خمارة" وبالفعل إن سلاح التعاطف وذرف الدموع ومشاهدة ضحايا عزل يواجهون جيشا مسلحا ليس إلا مسارا لا يسمن ولا يغني من جوع لذا تلقيت ذلك الرشد في التعامل مع مثيري الدموع عبر مواقع التواصل من تجار التخوين بالكثير من السرور فقد أكسبتنا ثورة الثلاثين من يونيو التي منحت المصريين المناعة الجماعية ضد كورونا المشاعر بصيرة جعلت عبارة "هي عركة في خمارة" شاخصة أمام كل عين تراقب المشهد لكن لا تضل طريقها في التعامل معه فاللهم أتم علينا نعمة الوعي وافضح تجار المشاعر بين صفوفنا فلنصبر ولنرابط فالنصر حتمي.

Dr.Randa
Dr.Radwa