الجمعة 26 ابريل 2024

نظارة الأمن الوطني

مقالات29-4-2021 | 14:44

النظّارة.. أداة لتصحيح الرؤية، منها نظارات القراءة، ومنها ما يستخدم لحماية العين من الشظايا أو من الضوء، ولكن الجديد هو نظارات تستخدم كأداة لحماية العقول، وتفسير أمور خفية وجعلها واضحة، ولا أتحدث هنا عن النظارات بمفهومها المتعارف عليه، ولكنى أتحدث عن نوع جديد من النظارت ظهر من عام واحد فقط، ثم عاد وطرح مرة أخرى بشكل أكثر إبهارًا من سابقه، نوع من النظارات طلت علينا من خلال شاشة التلفاز، أتحدث عن نظارة للعقول، صنعت لأصحاب البصائر وليس لأصحاب الأبصار، وشتان الفارق بين صاحب البصر وصاحب البصيرة، وبخاصة لو أن تلك البصائر شابتها بعض الشوائب فحجبت عنها الرؤية الصحيحة.

 

نظارة هذا العام والعام الماضي هي نظارة درامية، قوامها دراما نُسجت من أحداث حقيقية عايشناها جميعا، ولكننا عجزنا عن فهم تفاصيلها، أو تفسير سبب حدوثها بهذا الشكل، فضلاً عن أن تلك الأحداث كان لها أبعاد لم نكن ندركها، وربما أصيب البعض منا بسببها بنوع من التشويش والتضارب في الأفكار، فمنا من تعاطف معها، ومنا من رفضها واستنكرها، ومنا من نالت من رصيد حبه لوطنه، ومنا من زعزعت بداخله شيء ما، فزادت مساحة التخبط والاالتباس بأفكاره، إلى أن لاح بالأفق نور يحمل بشائر الحقيقية المجرده وبدون فلاتر أو رتوش تحجبها.

كان هذا النور هو تلك النظارة التي وضعت أمام أعيننا، ممثلة في دراما واقعية اسمها "الاختيار"، والتي قدمت لنا صورة حقيقية عن طبيعة المؤامرات والتحديات التي وقف لها بالمرصاد أبطال القوات المسلحة الباسلة، وعلى الرغم من أن هذا العمل كان يروي قصة بطل من أبناء هذا الجيش، وواحد من أساطيره الخالدة "أحمد منسي"، إلا أن القصة ليست في "منسي" بشخصه، بل هو توثيق درامي لقصة رمز من رموز هذا الجيش الباسل، وصفحة مشرفة بكتاب بطولات أبناء جيش مصر قاهر المستحيلات، منسي وشبراوي وحسانين، والمجند علي، وخالد مغربي "دبابة" وأسد سيناء أيمن شويقة، نفتكر مين ولا مين بس؟، محتاجين سنين نحكي عن مغاوير الجيش المصري، الذين سطروا بتضحياتهم سطور مضيئة بصفحات كتاب الفخر والكرامة.

وجاء الاختيار2020 كأولى النظارات التي وضعت أمام أعيننا، فكشفت لنا أمورا كنا نجهلها، فكان الاالتفاف الشعبي غير المسبوق حول هذا العمل المتفرد، والذي جسد لمحة من سيرة أبطال ستظل سيرتهم العطرة مسار الأحاديث بين الكافة لسنوات.

 

وفي عام 2021 كانت النظارة الجديدة، والتي جائت لتصحح عيوب إبصار، أظن أنها كانت متعمدة، جاء مسلسل الاختيار2 "رجال الظل" ليحكى لنا عن بطولات وتضحيات رجال باعد بيننا وبينهم حاجز نفسي رهيب، ولا أعلم سبب رسم هذا الحاجز بهذا الشكل، وهذا الحاجز تمثل في روايات مخيفة عن هؤلاء الرجال، والذين اختاروا العمل في صمت لصون أمن البلد، وعلى مستوى أشمل وأكثر تعقيداً من نطاق اختصاص الشرطة، أو رجال المباحث الجنائية.

رجال الظل هنا هم رجال الأمن الوطني، هذا الجهاز الأمني صاحب الدور بالغ الأهمية، والذي سعى أتباع جماعة إخوان الشيطان إلى تصفية واستهداف عدد من ضباطه الأكفاء، وما كان هذا الكره والااستهداف إلا لعلمهم اليقيني بمدى أهمية هذا الجهاز المتخصص، وأن في بقاء هذا الجهاز تهديد مباشر لأهدافهم الشيطانية، إذ أنه يقف كحجر عثرة في مسار تنفيذ مخطط السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، وصولاً لتحقيق أوهام "أستاذية العالم".

 

"الاختيار" هذا العام جاء ليأخذ بأيدينا لنعبر بوابات هذا الجهاز الأمني الوطني، ووفر لنا معايشة كاملة وحقيقية لنسق عمل وحياة هؤلاء الأبطال "رجال الظل"، ولا أقول أبطال تحيزاً لهم، بل اعتراف بتضحيات أبناء هذا الجهاز، والذي قدم ما قدم من أبنائه بكل تجرد في سبيل صون أمن هذا الوطن، والزود عنه أمام أطماع إخوان الشيطان، فنجح في إفساد مخططاتهم لإرهاب المصريين.

النظارة هذا العام كانت من نوع "أمن وطني"، فهي نظارة درامية جعلتنا نرى بطولات وتضحيات، أسرة فقدت عائلها، وزوجة ترملت، وأبناء فقدوا حضن الأب والسند، وأم اكتوى قلبها بفقد ابنها المحبوب، فسارت من بعده جسد انُتزع القلب منه فداء للوطن.

 

"الاختيار" هذا العام كشف لنا رجال الأمن الوطني كأشخاص لم نكن نعلم عنهم شيئا من قبل، ويفصل بيننا وبينهم أسوار عالية، قوامها أكاذيب نسجت بخبث حول الدور الوطني لهؤلاء الرجال في حفظ اأمن واستقرار هذا الوطن، بل ودفع المخاطر عنه سواء من جهة الداخل أو الخارج.

"الاختيار" كشف لنا لماذا استهدف الإخوان الشهيد البطل محمد مبروك، والذي تصدى بشجاعة لتخابر وعمالة الرئيس الإخواني، وفضح جماعته الإرهابية، "الاختيار" جعلنا نعايش ونرى ونتعلم ونفهم لماذا حدث هذا، ولمصلحة من، وكيف حدث، "الاختيار" هو نظارة ارتديناها كمشاهدين فكشفت لنا تفاصيل دقيقة لم نكن ندركها، "الاختيار" أسقط عن جماعة إخوان الشيطان ورقة التوت التي كانت تداري سوءاتهم، فنزعت عنهم رداء المظلومية، ووثقت إجرامهم وتعطشهم لسفك الدماء، وكشفت عبثهم بعقول المغيبين من أتباعهم المختطفين ذهنيا، "الاختيار" هو نظارة بعدسات من نوع خاص، وبمؤثر بصري واقعي، عدسات "الاختيار" هذا العام غيرت وبحق وجهة نظر سلبية ومغلوطة،  تعمد أعداء الوطن ترسيخها في الوعي الجمعي للمصريين تجاه نفر من أبنائه المخلصين، والذين اختاروا الفداء والتضحية في سبيل أمن وطنهم، فأثروا على أنفسهم أن يكونوا غير مرئيين و"رجال ظل" في سبيل أن تسطع شموس وطنهم.

Dr.Randa
Dr.Radwa