الجمعة 26 ابريل 2024

معونتنا باسم الرب

أخرى20-1-2021 | 17:53

 

الله القادر على كل شيء يشددنا بكلماته في المزمور التسعين قائلاً: "منْ يدعوني، استجيب له، أنا معهُ في الضيق، أُخَلِّصُه وأمنحُه مَجْدَاً" (15:90).

 يُحكى عن أحد المعلمين الكبار من القرن السادس عشر، قضى ثماني سنوات يتوسل إلى الله أن يرسل له من يرشده إلى الطريق القويم، طريق القداسة والسعادة. وبعد طول انتظار وتوسّل، سمع صوتاً يقول له: "قم واذهب إلى الخارج ستجد رجلاً بسيطاً يحقق لك أمنيتك". فقام للتو وهو في غاية الفرح ليجد نفسه أمام شحاذٍ، فحيّاه قائلاً: "أسعد الله صباحك يا أخي!" فرد الشحاذ: "لا أذكر أنني قضيتُ يوماً رديئاً في حياتي، فلماذا تدعو لي بالسعادة؟" – "إذاً فليباركك الله!" الشحاذ: "وماذا تعني بهذه البركة؟ أنا لم أعرف في حياتي إلا البركة!" – "معنى كلامي أنني أتمنى لك كل أنواع السعادة!" الشحاذ: "أنا لستُ بحاجةٍ إلى شيء من هذا، لأني لم أشعر قط بالتعاسة!" – "إذاً ليكن الله معك!" الشحاذ: "ولكن الله معي دوماً ولم يفارقني أبداً!" – أرجو منك يا أخي الفاضل أن تشرح لي موقفك هذا، فأنا لا أفهم شيئاً". الشحاذ: "سأشرح لك معنى هذا. أنا لم أعرف أبداً في حياتي، يوماً واحداً رديئاً، لأن كل ما يحدث هو من تدبير الله أبينا: كالجوع والعطش والمرض والصحة، وغير ذلك. كما أنني لم أحصل فيما مضى من حياتي، إلا على كل بركة. إذاً لا يحدث في الكون شيء بدون سماح من الله، لذلك أنا أقبل كل شيء بفرح واطمئنان مادام يأتيني من عند الله الذي يحبّنا جميعاً. كما أنني لم أشعر قط بالشقاء، لأنني اسلّم حياتي لإرادة الله، واثقاً برحمته وحنانه. ولم أطلب شيئاً قط لا يرضى به الله، لذلك أشعر بوجود الله الدائم في قلبي ولا يفارقني أبداً، وأتذوق في صحبته السلام والسعادة والفرح". 

يعلّمنا هذا الإنسان البسيط الفقير أن نضع ثقتنا الدائمة بين يدي الله، لأنه يريد خيرنا وسعادتنا، لكن للأسف كثيراً أمام الظروف التي تواجهنا كل يوم، نريد من الله ألا يسمح بها، وأحياناً أخرى نطلب منه أن يبدّلها بغيرها، ويصل بنا الحال في بعض الأوقات أن نطلب منه أن يستشيرنا قبل أن يقرر شيئاً في حياتنا. لذلك يجب علينا أن نتوكل على الله الذي لا يتركنا أبداً، لأنه يستجيب لنا دون توانٍ، ويزيل من أمامنا العقبات التي لا نستطيع التغلب عليها بسبب ضعف قوانا البشرية. كما يجب علينا أن نثق بأن كل ما يحدث في هذه الحياة، إنما بسماح الله، بحيث أنه لا يسمح بأن نُجرّب فوق طاقتنا، كما أن الله يجعل مع الشدّة مخرجاً نستطيع اكتشافه إذا تأملنا أمور حياتنا بحكمةٍ ووضعنا حياتنا بين يديه. وكما يقول داود النبي: "معونتنا باسم الرب صانع السماوات والأرض" (مز120: 2). 

كثيراً ما ننسى الله، ولاسيما حين تحل بنا المصائب والضيقات، أو تحيط بنا الأخطار وتقلقنا المشاكل، لكننا إذا وضعنا أمام أعيننا حضور الله الدائم، ونتوسل إليه ليساعدنا، سنشعر للتو بالطمأنينة، ونعمة الثقة به، واللجوء إلى حنانه والاعتماد على أبوتّه. فالله خلقنا لا لكي يتركنا، فإذا حدث شر أو نزلت مصيبة؛ فالله أبٌ رحيم لا يهمل خلائقه، بشرط أن نسعى إليه ونلجأ إلى رحمته وحنانه. لأننا إذا عرفنا كيف نستسلم لتدابير العناية الإلهية، استسلام الطفل في حضن والدته، فهي تستطيع أن تولينا الثقة والطمأنينة في كل ظروف الحياة المختلفة. ولكن عدم رضانا عن الظروف التي نمر بها مهما كانت صعبة وقاسية، هو دليل ضعف إيماننا وشخصيتنا، لأن المصاعب والمشاكل هي محكّ للشخصية ومدرسة نضوج ونمو، والله يسمح بها، لا لشيء إلا لكي يمهّد لنا اكتساب الخبرة في الحياة، والتحلّي بقوة الصمود أمام الصعوبات وتدريب لكفائتنا، حتى تكتمل شخصيتنا. 

جميعنا رحّالة وضيوف في هذه الحياة! تلاحقنا الهموم والمصائب وتنغّص حياتنا، فإذا لم نرفع عيوننا نحو السماء حيث لنا أب حنون يرعانا بعنايته الإلهية، سيصل بنا الحال إلى أن نهيم على وجوهنا في متاهةٍ ليس لنا منها نجاة، وسيعصف اليأس حولنا، ويتوعدنا الشقاء. فعلينا إذاً أن نلجأ إلى الله دوماً ولاسيما وقت المحن والمصائب، والله لا يتأخر ولا يتوانى في نجدتنا. ونختم بقول أحد الخطباء المشهورين: "كل ما أعرفه من أمر الغد، هو أن عناية الله أبي، سوف تستيقظ قبل الفجر لتهيئ لي نهاري".   

    Dr.Randa
    Dr.Radwa