الجمعة 26 ابريل 2024

تجديد الفقه الإسلامى (6)

أخرى31-12-2020 | 21:32

الرد على بعض الفتاوى السياسية 

كنت أتحدث مع بعض الشباب بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 بعدة أشهر "حول تجريم زرع القنابل وترويع الآمنين وتفجير أبراج الكهرباء وذبح الناس وقتلهم كما فعلت الجماعة الإرهابية!، وقلت من يفعل ذلك يطبق عليه منطوق الآيات الكريمة في سورة البقرة ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ( 206).


فوثب شاب منفعلاً بشدة، قائلاً: إن هذه الأعمال، يعني التفجيرات، جائزة شرعاً!! لعودة الشرعية - علي حد زعمه- كذا أفتي الشيخ فلان - بالطبع يقصد شيخاً من شيوخ الإرهاب!!- ، واستدل بالآيات القرآنية في سورة الكهف في معرض الحديث عن قصة موسي والخضر (فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) ، وقوله : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) ٧٩).


واستطرد قائلاً:  إن مصر هي السفينة التي اغتصبها الملك ونحن نفجر مصر حتى لا نتركها له!!  

قلت له: مهلاً ابنى الكريم !!، هذا تفسير خاطئ للقرآن الكريم، لأن خرق الخضر للسفينة كان بعلم الله وأمره وهو خاصٌ بالخضر حتى يتم مقصود الله في هذه القصة وهو أن علم موسي قليل بالنسبة لعلم الخضر عليه السلام وأمره الله تعالي بمرافقته والتعلم منه ،،،


فضلاً على أن الخضر هنا كان يمثل رمزية لقدر الله الذى لا يعى مقصوده كثير من الناس عند نزول المصائب! وهذا هو الدرس الذى تعلمه موسى عليه السلام واراد الله له معرفته.


فالسياق ليس تشريعاً حتى نطبق ما فعله الخضر، إنما السياق سياق درس وتعليم.


أما إذا تحدثنا عن الشرع والشرعية فاسمع مني الآتي:


١- كل قتلٍ وتفجيرٍ وإفساد على الناس أمنهم وأموالهم حرامٌ كحرمة الكعبة المشرفة بنص القرآن الكريم ونص السنة المطهرة، قال تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" المائدة:٣٢


وقول النبي "صلي الله عليه وسلم": "كل المسلم علي المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" رواه البخاري


وقوله "صلي الله عليه وسلم" عن الكعبة "ما أعظمك وأعظم حرمتك، لحرمة المسلم أشد حرمة منك ماله ودمه" رواه مسلم


٢- لقد نشأ سيدنا يوسف عليه السلام علي هذه الأرض الطيبة - أرض مصر - في عهد الهكسوس، وكانوا يعبدون الأصنام من دون الله، ودخل السجن وقاوم المؤامرات على دينه واستقامته، وعندما استدعاه الملك من السجن كما هو مقرر في سورة يوسف، وقال له: "إنك اليوم لدينا مكينٌ أمين، قال: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظٌ عليم"، يوسف: ٥٤ ،٥٥


ووضع سيدنا يوسف خطة اقتصادية لمدة خمسة عشر عاماً وأشرف على تنفيذها لإنقاذ الناس من المجاعة والهلاك واستنقاذ مصرنا الحبيبة من الضياع !!.


قال تعالي في سورة يوسف: "قال تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49).


هذا حال يوسف النبي مع حكومة الهكسوس الوثنية، ومع شعب مصر الذي آمن به وفتح الله بنبيه قلوب العباد قبل أن يخضع له ارادة العباد.

فما بالك يا بنيّ بمصر الآن التي لا يستطيع أحدٌ أن يزايد علي تدين شعبها وحبهم لله ورسله!!.


نحن أولى بعمل سيدنا يوسف الذي واجه الوثنية بالدعوة، والفساد بالإصلاح، والتخريب بالبناء والإعمار.


٣- لقد وقع الخوارج يابنيّ في مثل هذه التأويلات الخاطئة لآيات القرآن فارتكبوا جرائم الذبح والقتل والحرق باسم الله ورسوله وقتلوا الصحابة في الوقت الذي لم يواجهوا أعداء الدين يوماً لا بجهاد السيف ولا حتي بجهاد الحجة والبيان!!، وفي الحديث "عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّة".


وعندما بعث سيدنا عليّ كرم الله وجهه سيدنا عبدالله بن عباس لمحاججة الخوارج، قال له: حاججهم بسنة رسول الله ولا تحاججهم بالقرآن فإن القرآن حمّال- يمكن تأويله بالخطأ.


فهل قتل رسول الله أحداً؟ هل ذبح أحداً؟ هل أحرق القري وروع الناس لنشر دعوته أو للهيمنة على الناس؟


والجواب في هذا الحديث: "عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ قَطُّ، وَلا ضَرَبَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ، وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَنْتَقِمُ لَهَا، وَمَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ، أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنَ الآخَرِ إِلا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، إِلا أَنْ يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ".


قال الشاب: ولكن رسول الله جاهد في سبيل الله !!.


قلت: الجهاد الحربي كان ضد من حمل السلاح علي المجتمع ولم يكن يوماً لقتال المجتمع، وهو الذي قال: "من حمل السلاح علينا فليس منا".


٤- أما هذا الشيخ الذي أفتاك بجواز رزع القنابل وقتل الشرطة والجيش، فهو مجرمٌ ظالمٌ كاذبٌ علي الله بتطويعه لآيات القرآن وفق رؤيته السياسية!!!.


وقد فعل ذلك الخوارج من قبل، أخذوا آيات الكافرين وأنزلوها على المؤمنين كما ذكر ابن عمر رضي الله عنه.


وحذرنا القرآن من هؤلاء بقوله تعالي في سورة الصف: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".


وقوله تعالي في سورة البقرة: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12)".


انتهي حواري مع الشاب بزلزلة قناعاته الخاطئة، ولكني أصبتُ باحتراق في قلبي وحالة من الضيق لأن هناك الآلاف من هؤلاء لم نصل إليهم بعد!!


وسألت نفسي: "ماذا فعلنا لمجابهة ألاعيب الجماعات الإرهابية بخطفهم لعقول ومشاعر أبنائنا بتأويلات خاطئة للنصوص؟!!!".


إن الجهود المبذولة حتى الآن كثيرها يهتم بتصحيح صورة الخطاب الديني، وقليلها يهتم بتصحيح وضع الخطاب الديني.


وتصحيح وضع الخطاب الديني بحيث يصل إلى كل الشباب وإلى كل الناس محصناً لهم من التطرف وهادياً لهم إلى البناء والولاء لله والانتماء للوطن، هو واجب الوقت خاصة وأن بلادنا في حالة حرب مفتوحة علي المستويين الأمني والفكري!!، هذا التصحيح ضرورة ملحة قد طلبها الرئيس عبدالفتاح السيسي عدة مرات في خطاباته لمواجهة الإرهاب فكرياً بالتوازي مع مواجهته عسكرياً.


أما تصحيح الصورة فهو زبدٌ سيذهب جفاء "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض"، اللهم إني قد بلغت، اللهم فأشهد.
    Dr.Randa
    Dr.Radwa