الجمعة 26 ابريل 2024

معضلة محاولات حصار خطابات الكراهية والتحريض على مواقع التواصل

أخرى29-11-2020 | 09:04

فى الوقت الذى يجتاح العالم فيه خطر الإرهاب والتطرف الذى تجاوز الفكر والرؤية والإقناع، إلى الفعل والعنف والعمل الإرهابى الذى ينتهى إلى إزهاق أرواح  البشر، ولعل ما حدث مؤخرًا فى فرنسا، ومن قبله إنجلترا، ومذبحة نيوزيلندا التى راح ضحيتها أكثر من 51 مسلماً، تتجه أصابع الاتهام إلى مصدر رئيسى وهو خطابات الكراهية والتحريض التى تنتشر انتشار النار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعى.

 وقد حاول العديد من الدول مواجهتها بالضوابط الأخلاقية كمواثيق الشرف ومدونات السلوك والتوعية، ولكنها لم تنجح فى ظل وجود جهات عديدة ومؤسسات رافضة لذلك، فضلًا عن الأفراد والجماعات تحت حجة أو وهم حقوق الإنسان والحريات والحق فى التعبير، لذا حماية لأمنها  اتجهت إلى اصدار تشريعات للمواجهة أو تغليظ تشريعات قائمة، ولكن رد الفعل ضد ذلك كان مفاجئًا إذ ما زال البعض يعيش فى أجواء الرومانسية السياسية المرتبطة بفكرة الحرية المطلقة التى تستند إلى الحق فى التعبير فضلًا عن حماية الخصوصية، على سبيل المثال شهدت عدة مدن فرنسية، أمس السبت، مظاهرات حاشدة تنديدًا بقانون «الأمن الشامل»، فى ظل أزمة جديدة نتيجة العنف الذى يمارسه بعض عناصر الشرطة.

وتنص «المادة 24» من القانون، التى تَركّز عليها الاهتمام، على عقوبة بالسجن سنة ودفع غرامة قدرها 45 ألف يورو فى حال بث صور لعناصر من الشرطة والدرك بدافع «سوء النية».

وتؤكد الحكومة أن هذه المادة تهدف إلى حماية العناصر الذين يتعرضون لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعى مع كشف تفاصيل من حياتهم الخاصة.

وتتناول الاحتجاجات التى تصاعدت إلى أن أثارت أزمة سياسية، 3 بنود من مشروع «قانون الأمن الشامل» تتعلق بنشر صور ومقاطع فيديو لعناصر الشرطة أثناء أداء عملهم، واستخدام قوات الأمن الطائرات المسيرة وكاميرات المراقبة.

المعترضون على هذا القانون يحتجون على تقنين استخدام قوات الأمن للطائرات المسيرة وكاميرات المراقبة.

غير أن معارضى النص يشيرون إلى أن الكثير من قضايا العنف التي ارتكبتها الشرطة لما كانت كشفت لو لم تلتقطها عدسات صحفيين وهواتف مواطنين.

ويؤكدون أن القانون غير مجد؛ إذ إن القوانين الحالية كافية للتصدى لجرائم كهذه، لافتين إلى أن القانون الفرنسى «يعاقب الأفعال وليس النوايا».

فى هذا السياق، رأت التنسيقية الداعية إلى التجمعات أن مشروع القانون هذا يهدف إلى النيل من حرية الصحافة وحرية الإعلام والاستعلام وحرية التعبير، أى باختصار الحريات العامة الأساسية فى جمهوريتنا.

«خطاب الكراهية» وفقًا لمنظمة المادة 19 هو عبارة عن مفهوم مثير للمشاعر، ولا يوجد له تعريف مقبول عالميًا فى القانون الدولى لحقوق الإنسان.

قد يدّعى الكثيرون أن بإمكانهم تحديد «خطاب الكراهية» على النحو الذى يرونه، إلا أن معايير القيام بذلك تكون فى أغلب الأحيان صعبة المنال أو متناقضة. 

تنطوى الصكوك الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان على معايير متفاوتة لتحديد «خطاب الكراهية» والحد منه: تنعكس هذه الاختلافات فى التباينات فى التشريعات المحلية.

فى الحالات اليومية، يختلف استخدام هذا المصطلح والمعانى المرتبطة به – كما هو الحال بالنسبة للدعوات المطالبة بتنظيمه، هذا الأمر يمكن أن يفسر الكثير من الالتباس حول هذا المصطلح، وما الذى يعنيه لحقوق الإنسان. 

تمت صياغة العديد من التعاريف المقترحة «لخطاب الكراهية» استجابة لظواهر أو أحداث اجتماعية محددة وتمييزية خبيثة، كما تم أيضًا تكييفه التعاريف مع مرور الوقت لمعالجة الأوضاع الجديدة واستيعاب التحولات فى اللغة وتحول فهم المساواة وأضرار التمييز أو التطورات فى مجال التكنولوجيا.

يتكون «خطاب الكراهية» بشكل أساسي فى معظمه، من عنصرين:

الكراهية: مشاعر قوية وغير عقلانية تنم عن ازدراء وعداوة وبُغض تجاه مجموعة مستهدفة بعينها أو فرد مستهدف بعينه، بسبب امتلاكها خصائص معينة- فعلية أو متصورة- (معترف بها بموجب القانون الدولي).

«الكراهية» هى أكثر من مجرد تحيز، ويجب أن تكون تمييزية، كما تعتبر مؤشرًا على حالة انفعالية أو رأى انفعالي، وبالتالى تختلف عن أى عمل ظاهر.

الخطاب: أى تعبير يُفصح عن آراء أو أفكار- نقل أى رأى داخلى أو فكرة داخلية لجمهور خارجي.

يمكن أن يتخذ الخطاب أشكالًا عديدة: مكتوبة أو غير لفظية أو مرئية أو فنية، ويمكن نشرها بأية وسيلة، بما فى ذلك الإنترنت أو الطباعة أو الإذاعة أو التليفزيون.

ببساطة، فإن «خطاب الكراهية» هو أى تعبير عن الكراهية التمييزية تجاه الناس: إنه لا يستتبع بالضرورة نتيجة معينة تترتب عليه.. هذا التعريف الذى يمثل القاسم المشترك الأدنى، يجسد مدى واسعًا جدًا للتعبير، بما فى ذلك التعبير القانوني.

لذلك، فإن هذا التعريف يتسم بالغموض الشديد كى يتم استخدامه فى تحديد التعبير الذى يمكن تقييده قانونًا بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان.

وفى 20 نوفمبر الحالى 2020 وفقًا لـ«الشرق الأوسط أونلاين»، كشفت شركة «فيسبوك» لأول مرة عن أرقام بشأن انتشار خطاب الكراهية على موقعها قائلة: إن 10 أو 11 من كل عشرة آلاف مشاهدة محتوى فى الربع الثالث من العام تضمنت خطاب كراهية.

وحسب وكالة «رويترز» للأنباء، أصدرت أكبر شركة لوسائط التواصل الاجتماعى فى العالم، التى تخضع لتدقيق يتعلق بمراقبتها للانتهاكات، لا سيما فى فترة الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأمريكية، هذه التقديرات فى تقريرها الفصلى عن مراجعة المحتوى.

وقالت «فيسبوك»، إنها اتخذت إجراء إزاء 22.1 مليون محتوى تضمن خطاب كراهية فى الربع الثالث، مقارنة مع 22.5 مليون فى الربع السابق.

وتعريف «اتخاذ إجراء» لدى الشركة هو إزالة المحتوى أو تغطيته بتحذير أو تعطيل الحسابات أو تصعيد الأمر إلى وكالات خارجية.

ونظمت جماعات داعمة للحقوق المدنية هذا الصيف مقاطعة إعلانية واسعة فى محاولة للضغط على «فيسبوك» للتحرك إزاء خطاب الكراهية.
وفى اتصال هاتفى مع الصحفيين، قال جاى روزين مدير السلامة والنزاهة فى «فيسبوك»، إنه خلال الفترة من الأول من مارس إلى الثالث من نوفمبر موعد الانتخابات الأمريكية، تم حذف أكثر من 265 ألف محتوى من «فيسبوك» و«إنستجرام» فى الولايات المتحدة لانتهاك السياسات التى تمنع التدخل بما يؤثر على أصوات الناخبين.


وقالت «فيسبوك»، إنها اتخذت إجراء مع 19.2 مليون محتوى يتضمن عنفًا فى الربع الثالث، ارتفاعًا من 15 مليونًا فى الربع الثاني.

وفى 6 نوفمبر الجاري 2020، أعلنت «فيسبوك» حذفها آلاف الحسابات والصفحات المدارة من مختلف أنحاء العالم بتهمة ممارستها «سلوكًا زائفًا منسقًا».

وأشارت الشركة فى تقريرها الشهرى، إلى أنها أزالت قرابة ثمانية آلاف صفحة متورطة فى حملات تضليل خلال شهر أكتوبر، مؤكدة أنها فككت سبع شبكات منفصلة من الحسابات والصفحات الزائفة كانت تنشط فى إيران وأفغانستان ومصر وتركيا والمغرب وميانمار وجورجيا وأوكرانيا.

ولفتت «فيسبوك» إلى أن الكثير من تلك الحسابات والصفحات كان ضالعًا فى حملات تأثير سياسى مضللة تستخدم حسابات زائفة لاستهداف الجماهير فى الداخل والخارج.

وكشفت «فيسبوك»، عن أن إحدى شبكات الحسابات المذكورة كانت تدار من مصر وتركيا والمغرب من قبل أفراد مرتبطين بجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة فى مصر، مضيفة أن تلك الصفحات استهدفت دولًا إقليمية وتضمنت بعض المحتوى المتعلق بالإرهاب.

وأعلنت الشركة أنها أغلقت هذه الشبكات فى إطار تقريرها الشهرى عن «السلوك الزائف المنسق»، الذى أشار أيضًا إلى أن «فيسبوك» أزالت قرابة 8 آلاف صفحة ضالعة فى حملات مضللة حول العالم فى أكتوبر.

وكان أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين المصرية، التى تدير شبكات من المجموعات فى مختلف أنحاء الشرق الأوسط، يشغلون إحدى شبكات الحسابات والصفحات على «فيسبوك» من مصر وتركيا، والمغرب، واستهدفت الصفحات دولًا فى المنطقة وتضمنت بعض المحتوى المتصل بالإرهاب، حسب «فيس بوك».

وتوصلت إلى أن شبكتين زائفتين فى جورجيا تنشران محتوى سياسيًا، وقالت إن إحداهما يشغلها أفراد مرتبطون بحزبين سياسيين.

وفى أوكرانيا وميانمار، توصلت الشركة إلى أن شركات علاقات عامة كانت تدير حملات تضليل مماثلة نيابة عن أحزاب سياسية.

وتلاحق الشركة مثل هذه الحسابات فى العالم بعد تعرضها لانتقادات شديدة لعدم تطوير أدوات سريعة بما يكفى لمكافحة المحتوى المتطرف وأنشطة الدعاية المضللة.

وتأتى الإجراءات السابقة من قبل «فيسبوك» كمحاولة لمواجهة التصاعد المتنامى لخطابات الكراهية والتحريض على الموقع، وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى.

وسبق لمارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذى لشركة فيسبوك، أن أعلن فى يوليو الماضى أن موقعه سيحظر الإعلانات التى تعتبر الأقليات والمهاجرين والمجموعات العرقية أو غيرها «كبش فداء»، فى إطار حملة واسعة للموقع ضد «خطاب الكراهية».

 يأتى هذا الإعلان وسط ردة فعل واسعة النطاق من قبل المعلنين، ضد «فيسبوك»، حيث تم اتهام الشركة بـتسهيل انتشار خطاب الكراهية على المنصة، الأمر الذى نتج عنه تراجع فى عائدات الشركة وأسهمها.

وانضمت شركات عملاقة عدة إلى حملة «أوقفوا الكراهية من أجل الربح»، وأوقفت إعلاناتها فى الموقع الأزرق وقد نظمت الحملة جماعات حقوق مدنية للضغط على شبكة التواصل الاجتماعى الكبرى والمنصات التابعة (تويتر وإنستجرام)،‏ لاتخاذ ‏خطوات ملموسة لمنع خطاب الكراهية والمعلومات المضللة.

من جانبهم، قال منظمو حملة المقاطعة الإعلانية ضد شركة «فيسبوك» إنهم لم يروا أى التزام ‏بالعمل بعد اجتماعهم مع الرئيس التنفيذى للشركة مارك زوكربيرج، حيث فشل ‏الأخير فى استرضاء تحالف من جماعات الحقوق المدنية.

ورغم ما سبق؛ إلا أن هناك شبه إجماع على فشل «فيسبوك» فى مواجهة خطاب الكراهية، وقد استعرضت وكالة رويترز للأنباء أسباب عجز موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» عن مواجهة خطاب الكراهية على الموقع الأكبر بأكثر من 2.3 مليار مستخدم نشط شهريًا.

وطبقًا لتقرير رويترز، نشره موقع «فالصو» كان أحد أهم الأسباب هو الكم الهائل من اللغات المستخدمة على الموقع والبالغ عددها 111 لغة تدعمها الشركة رسميًا، بخلاف 31 لغة أخرى شائعة لا تدعمها «فيسبوك».

وكشفت «رويترز» فى تقريرها، عن أن معايير المجتمع التى تحظر على المستخدمين نشر مواد مسيئة بما فيها خطاب الكراهية، مترجمة إلى 41 لغة فقط من أصل 111 لغة مدعومة.

وحسب التقرير، يتحدث العاملون فى شركة «فيسبوك» والبالغ عددهم 15 ألفًا نحو 50 لغة، كما تستعين الشركة بمترجمين آخرين عند الحاجة لذلك.

العجز الذى تعانى منه «فيسبوك» فى مواجهة خطاب الكراهية، دفع دولًا مثل أستراليا وسنغافورة وبريطانيا إلى التهديد باعتماد قواعد جديدة لمعاقبة مخالفيها من المديرين، منها فرض غرامات باهظة، وقد تصل العقوبة إلى السجن إذا ما تقاعست الشركة عن إزالة المحتوى المسىء محل الاعتراض.

وكانت مونيكا بيكرت، نائبة رئيس «فيسبوك» وهى المسؤولة عن المعايير لرويترز، قالت: إن ترجمة المعايير بكل اللغات عبء ثقيل، فيما قالت المتحدثة باسم فيسبوك: إن القواعد تترجم على أساس كل حالة على حدة.

وبينت أنه من بين اللغات التى لها أولوية فى الترجمة لغة الخمير، وهى اللغة الرسمية فى كمبوديا واللغة السنهالية فى سريلانكا.

ويتحدث 652 مليون شخص فى مختلف أنحاء العالم بلغات تدعمها فيسبوك، لكن معايير المجتمع لم تترجم إليها، فيما يتحدث 230 مليونًا غيرهم بواحدة من 31 لغة لا تدعمها فيسبوك رسميًا.

وجاء فى تقرير رويترز، أن فيسبوك تستخدم برمجيات كوسيلة للتصدى للمحتوى المحظور، وأوضحت أنه تم تطويرها باستخدام نوع من الذكاء الاصطناعى يطلق عليه تعلم الآلة، يتعرف على خطاب الكراهية بحوالي 30 لغة وعلى الدعاية الإرهابية بنحو 19 لغة.

وفى 19 فبراير 2020، أقرت الحكومة الألمانية، مشروع قانون يُلزم مواقع التواصل الاجتماعى بإبلاغ الشرطة عن المحتوى الذى يضم خطاب كراهية.

وذكرت شبكة «إيه بى سي» الأمريكية، أنه سيكون على شركات الإنترنت الإبلاغ عن المحتوى الدعائى لليمين المتطرف والمواد البصرية العنيفة والقتل والمنشورات التى تشير إلى إعداد شخص لتنفيذ هجوم إرهابي.

وأوضحت أن الإجراءات- التى تحتاج موافقة البرلمان- تضم توسيع تعريف خطاب الكراهية الإجرامى ليشمل تهديدات الاغتصاب وتدمير الممتلكات والتعبير عن تأييد الجرائم الكبرى، فيما سيكون للجرائم المدفوعة بمعاداة السامية عقوبات أغلظ.

يُشار إلى أن عدد قضايا خطاب الكراهية على الإنترنت فى ألمانيا تقدر بالملايين سنويًا.

وفى 21 أكتوبر الماضى، سمحت الحكومة الألمانية لأجهزة الاستخبارات بالتنصّت على محادثات تجرى عبر تطبيقات مراسلة مشفرة على غرار «مسنجر» و«فيسبوك»، وذلك فى إطار مكافحة الإرهاب، وصادقت الحكومة على مشروع قانون تم إعداده بعد سلسلة هجمات شنّها اليمين المتطرّف فى البلاد، وأحالت التشريع المقترح على البرلمان لإقراره، وفقًا لوكالة فرانس برس.
ويتيح مشروع القانون فى حال إقراره لأجهزة الاستخبارات بما فيها الاستخبارات العسكرية، فى المستقبل مراقبة ليس فقط المحادثات الجارية على منصات المراسلة، بل أيضًا تلك السابقة المشفرة باستخدام «برنامج تجسس».

وقال وزير الداخلية المحافظ هورست زيهوفر «لا يمكن أن أقبل بأن تكون سلطاتنا الأمنية متخلّفة عن أعداء ديمقراطيتنا بسبب محدودية الصلاحيات». ووصف زيهوفر التشريع بأنه «خطوة طال انتظارها على صعيد مكافحة المتطرفين».

وتابع أنه كان لا بد من إعطاء أجهزة الاستخبارات الوسائل اللازمة للتصدى لتهديدات كهذه فى الزمن الرقمي.

وأقرّت وزيرة العدل كريستين لامبرخت المنتمية للحزب الديمقراطى الاشتراكي، بضرورة وضع أجهزة الاستخبارات، تكنولوجيا، على قدم المساواة «مع من يلاحقونهم»، مشددة على أن الهدف هو منع وقوع الجرائم.

واشترطت الحكومة أن يكون التشريع متوافقًا مع عمل لجنة برلمانية خاصة تتولى الإشراف القضائى على اطّلاع وكالات الاستخبارات الفيدرالية على الاتصالات.

وقد تم إعداد التشريع بعدما شهدت ألمانيا اعتداءات إرهابية فى السنوات الأخيرة ارتكبها خصوصًا نشطاء فى اليمين المتطرف نشروا على الإنترنت دوافعهم المليئة بالكراهية.

وأعربت مجموعات معارضة عن مخاوف إزاء التشريع الذى اعتبرته شديد الصرامة، وقد وصفه النائب عن حزب الخضر قسطنطين فون نوتس، بأنه اعتداء على الحقوق المدنية. كذلك أعربت منظمة «مراسلون بلا حدود» بألمانيا عن تخوّفها من تعرّض الصحفيين لضغوط لكشف مصادر معلوماتهم.

وفى ألمانيا أيضا تم تنفيذ قانون جديد يطالب مواقع التواصل الاجتماعى باتخاذ إجراءات سريعة لإزالة المواد غير القانونية، والأخبار الكاذبة، التى تحرض على الكراهية؛ حيث تنوى تغريم المواقع التى لا تزيل المنشورات «الواضح عدم قانونيتها» مبالغ تصل إلى 50 مليون يورو.

وينص القانون على منح شبكات التواصل الاجتماعى مهلة 24 ساعة لاتخاذ ما يلزم، عقب إبلاغها بشأن المواد المخالفة؛ حيث تخضع شبكات مواقع التواصل الاجتماعى التى يصل عدد أعضائها إلى مليونى عضو لطائلة القانون.

ويضع القانون أساس تركيزه على فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، لكن من المحتمل أن يطبق أيضًا على ريديت، وتامبلر، وموقع «فى كي» الروسى للتواصل الاجتماعي. وقد يشمل القانون أيضًا مواقع مثل فيمو، وفليكر، وفقا لـ"BBC".

وتمت الموافقة على القانون (المعروف اختصارًا باسم نيتس دى جي) فى نهاية يونيو 2017، وبدأ تطبيقه فى أوائل أكتوبر، وقالت وزارة العدل الألمانية إنها ستتيح على موقعها استمارات يستطيع المواطنون استخدامها فى الإبلاغ عن أى محتوى فيه انتهاك لقانون (نيتس دى جي)، أو أى محتوى بهذه الصفة لم يرفع فى حينه.

وغرض الدعوة هو الحفاظ على النظام عبر مواقع التواصل الاجتماعى بطريقة أكثر جدية والتى برزت فى أعقاب انتشار عدد من الأخبار الكاذبة، ومواد عنصرية عبر أذرع شركات التواصل الاجتماعى فى ألمانيا.

وينص القانون بجانب إجباره شركات التواصل الاجتماعى على التصرف بسرعة على وضع المواقع آلية لإرسال الشكاوى يتمكن من خلالها المستخدمون الإبلاغ عن المواد المخالفة بسرعة.

من جانبها قامت شركة «فيسبوك» بتوظيف مئات من العاملين فى ألمانيا للتعامل مع التقارير بشأن المنشورات المخالفة، لمراقبة ما يكتبه الناس بطريقة أفضل.

ويسود الاعتقاد بأن سفاح نيوزيلندا المجرم الأسترالى براندون تارانت، الذى قتل 51 مسلمًا كان يستخدم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى من أجل تغذية تطرفه وكراهيته للمسلمين، وكذلك من أجل بث التطرف والكراهية على الإنترنت والتواصل مع متطرفين يعتنقون أفكاره، وهو ما دفع الشرطة النيوزيلندية إلى اعتقال أربعة أشخاص آخرين بعد الجريمة تحسبًا من أن يكون من يتواصل معهم ينوون تنفيذ هجمات مماثلة، أو أنهم مشتركون معه فى الجريمة نفسها.

وأظهرت دراسة أجراها معهد ألمانى متخصص مؤخراً، أن «خطاب التحريض والكراهية عبر الإنترنت فى تزايد مستمر»، فى الوقت الذى لا توجد فيه جهود كافية لمكافحة هذا الخطاب المتطرف.

وكشفت الدراسة التى أجراها معهد فورزا الألمانى واعتمدت على استطلاع للرأى أن 78 فى المائة من مستخدمى الإنترنت تعرضوا لتعليقات تحض على الكراهية.

ولفت المعهد إلى أن هذه النسبة التى تم تسجيلها العام الماضى 2018 تزيد بنحو 11 فى المائة عما كانت عليه فى العام 2017؛ حيث كانت نسبة الذين تعرضوا لتعليقات تحض على الكراهية قد وصلت إلى 67 فى المائة.

وأكد معدو الاستطلاع أن نتيجته تتوقف كثيرًا على أعمار المستطلعة آراؤهم، إذ بين أن 96 فى المائة ممن شملهم الاستطلاع الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و24 عامًا قد تعاملوا بجدية مع التعليقات المحرضة على الكراهية. فيما كان لدى 39 فى المائة ممن شملهم الاستطلاع انطباع بأن تعليقات الكراهية عبر الإنترنت تطغى على المساهمات الموضوعية، لكن فى الوقت ذاته ارتفع عدد الذين ينشطون ضد تعليقات الكراهية.

وأظهر أيضا أن عدد «الأقلية الصغيرة ذات الصوت العالي» قد بقى ثابتًا مقارنة بالعام الماضي، وهى الأقلية التى تقوم بكتابة التعليقات المحرضة على الكراهية: إذ أقر 1 بالمائة من المستطلعة آراؤهم أنهم كتبوا تعليقات محرضة على الكراهية.

خِطاب الكراهيّة كما تصفه منظّمة اليونسكو (2010) هو مفهوم جدلى واسع المدى، يشمل كلّ أشكال التعبير التى تحمل الكراهيّة ويتمّ تضمينها من خلال الصوت أو الصُّور أو النصوص، وتحمل نمطَيْن من الرسائل، النمط الأوّل موجَّه إلى مجموعة معيّنة للتقليل من احترام أفراد محدّدين، والثانى تعريف الأفراد الذين يحملون وجهات نظر ضدّ الأفراد المُستهدفين أنّهم ليسوا وحدهم.

 فخِطاب الكراهيّة هو كلّ التعبيرات التى تؤيّد الإيذاء (التمييز أو العدائيّة أو العنف) أو تحرِّض عليه بناءً على انتماء الفرد إلى جماعة اجتماعيّة أو ديموغرافيّة. وهو كلّ خِطاب يُقلِّل من شأن الناس بناءً على أصولهم العرقيّة والإثنيّة أو الدّين أو الجنس أو العُمر أو المجموعة اللّغويّة أو الحالة البدنيّة أو الإعاقة أو التوجّهات الجنسيّة. وتتنوّع صُور خِطاب الكراهيّة لتشمل رسائل الكراهيّة، ورسوم الجرافيتي، وغيرها من الوسائط مثل الفلاير على سبيل المثال لا الحصر.

 

فى القرن الواحد والعشرين ومع ثورة المعلوماتية، لوحظ أن التحدى ما زال قائمًا أمام الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية للموازنة بين تعزيز الحق فى حرية التعبير من جهة، والحق فى حماية الكرامة الإنسانية لجميع الأفراد من جهة أخرى. ولذلك، كثر الحديث مؤخرًا عن سبل، دواعٍ، وحيثيات مكافحة خطابات الكراهية التى زادت من حدتها سهولة انتشارها وسرعة تعميمها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، وغيرها من السبل التى زادت من سوء الأزمة وتأثيراتها. وقد تحولت «خطابات الكراهية» إلى مادة خلافية دسمة بين المشرعين والحقوقيين والقانونيين، كما نشطاء المجتمع المدنى وغيرهم فى سبيل تحديد تعريف واضح لها ولسبل مواجهتها.

وتقترح منظمة «يونسكو» أن تتم مواجهة خطاب الكراهية على الإنترنت عبر التالى:

1- التربية على أخلاقيات وسائل الإعلام، تبدأ مكافحة خطاب الكراهية القبلى بإدراك أنه فى حين أن حرية التعبير هى حق أساسى من حقوق الإنسان، فقد أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعى إلى إنشاء منصات متعددة لإنتاج خطاب الكراهية وتعبئته ونشره. يجب أن يركز تعليم أخلاقيات الإعلام على حقوق وحريات الصحفيين ودورهم فى خلق مجتمعات سلمية وتعزيزها.

2- يجب زيادة الوعى بالحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية للأفراد والجماعات، بما فى ذلك حرية التعبير، والمسؤوليات والآثار الاجتماعية التى تأتى مع حرية الصحافة. يجب أن يكون الصحفيون مجهزين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحديد خطاب الكراهية والتصدى لرسائل خطاب الكراهية. 

3- شجع التقارير الحساسة للنزاع وحملات التوعية متعددة الثقافات: ستساعد التقارير الحساسة للنزاع على تبديد «نحن» ضد مغالطة «هم». يجب تعليم الصحفيين مهارات إعداد التقارير الحساسة للنزاع. يجب أن تركز حملات التوعية متعددة الثقافات على المعرفة واحترام تنوع الثقافات والتقاليد. يجب على الصحفيين ممارسة المعايير المهنية فى هذا الأمر، ويمكنهم كتابة المقالات والبرامج الجوية وحتى التحدث مع الناس دون الانحياز إلى جانب. 

4- تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي: أعلم أن الكثير منكم الذين يقرؤون هذا المقال سيسألون عن كيفية تنظيم وسائل التواصل الاجتماعى دون إلغاء الحق فى حرية الصحافة. يمكن تعزيز حرية الصحافة من خلال التثقيف حول قوانين وأخلاقيات وسائل الإعلام.

5- شجع الضحايا والشهود على الإبلاغ عن الجرائم المتعلقة بخطاب الكراهية: يظل خطاب الكراهية غير مرئى إلى حد كبير لمجرد أن العديد من الضحايا لا يعرفون مكان الإبلاغ عن الحالات أو حتى يفهموا أنهم ضحايا خطاب الكراهية. 

6- وضع حد للإفلات من العقاب على جرائم الكراهية: يمكن معالجة الإفلات من العقاب على جرائم الكراهية من خلال إنشاء وحدات مراقبة وتقييم فى غرف الأخبار. وبعد ذلك ستكلف هذه الوحدات بمراقبة اتجاهات خطاب الكراهية، وتجميع التقارير ولفت انتباه المؤسسات الرئيسية والمجتمع المدنى إليها

وتقترح منظمة المادة (19)تصنيفًا لخطاب الكراهية- يندرج وفقًا لحدته- لإضفاء الوضوح على الفئات الفرعية المختلفة للتعبير التى تناسب ما هو دون مظلة «خطاب الكراهية»، وجعله أكثر سهولة لتحديد الاستجابات المناسبة والفعالة بشأنه. إننا نقترح تقسيم «خطاب الكراهية» إلى ثلاث فئات:

«خطاب الكراهية» الذى يجب حظره: يشترط القانون الجنائى الدولى والمادة 20؛ الفقرة 2 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الدول القيام بحظر بعض أشكال «خطاب الكراهية» الحادة، بما فى ذلك من خلال التدابير الجنائية والمدنية والإدارية.

«خطاب الكراهية» الذى يجوز حظره: يجوز للدول أن تحظر أشكالًا أخرى من «خطاب الكراهية»، شريطة أن تمتثل لمقتضيات المادة 19 (3) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

«خطاب الكراهية» القانونى الذى ينبغى حمايته من التقييد: بموجب المادة 19 (2) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولكنه مع ذلك يثير المخاوف من حيث التعصب والتمييز، ويستحق ردًا حاسمًا من جانب الدولة.

هذا التصنيف يأخذ شكل «هرم خطاب الكراهية»:

«خطاب الكراهية» الذى يجب حظره:

بموجب القانون الدولي، فإنه يتعين على الدول حظر أكثر أشكال «خطاب الكراهية» حدة. تم تصميم حالات الحظر لمنع الأضرار الاستثنائية التى يتعذر إلغاؤها والتى يعتزم المتحدث، ويكون قادرًا على التحريض عليها، وهي:

«التحريض المباشر والعلنى على الإبادة الجماعية»- المحظور فى اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (1948م) (اتفاقية الإبادة الجماعية) ونظام روما الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية (1998م) (نظام روما الأساسي).

حظر التحريض على الانتهاكات التمييزية الأخرى للقانون الجنائى الدولي، مثل جريمة الحرب المتمثلة فى الاضطهاد، لا يرد اشتراطه سواءً فى اتفاقية الإبادة الجماعية أو نظام روما الأساسي، إلا أنه ينبغى أخذه فى الاعتبار فى إطار هذه الفئة.

أية دعوة إلى الكراهية التمييزية التى تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف، على نحو مماثل لنص لمادة 20 (2) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنه يجب بالإضافة أن يلبي؛ إضافة إلى ذلك؛ مقتضيات المادة 19 (3) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى- فى المادة (4)- تلزم الدول بشجب جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أى عرق أو أية جماعة من لون أو أصل إثنى واحد، أو التى تحاول تبرير أو تعزيز أى شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري، وتتعهد باتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية إلى القضاء على كل تحريض على هذا التمييز وكل عمل من أعماله، تحقيقًا لهذه الغاية، مع المراعاة الحقة للمبادئ الواردة فى (الإعلان العالمى لحقوق الإنسان) وللحقوق المقررة صراحة فى المادة 5 من (الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري)».

تبنت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصرى مؤخرًا التوصية العامة رقم 35 بشأن «مكافحة خطاب الكراهية العنصري»، التى توضح نطاق هذه الأحكام حيال حماية الحق فى حرية التعبير.

وتتضمن الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى التزامات إيجابية على الدول الأعضاء لحظر أنواع معينة من الخطاب أوسع بكثير مما هو منصوص عليه فى المادة 20 (2) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. أوصت منظمة المادة 19 سابقًا بالطرق التى يمكن من خلالها التوفيق بين هذا التضارب، استنادًا إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. 

«خطاب الكراهية» الذى يجوز حظره:

القانون الدولى لحقوق الإنسان يجيز للدول تقييد حرية التعبير فى ظروف محدودة واستثنائية، مع الامتثال للمعيار من ثلاثة أجزاء بموجب المادة 19 (3) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. يجب أن تكون هذه القيود:

منصوص عليها فى القانون.

تسعى إلى تحقيق هدف مشروع، مثل احترام حقوق الآخرين.

يجب أن تكون ضرورية فى مجتمع ديمقراطي.

هناك بعض الأشكال من «خطاب الكراهية»، التى يمكن أن تُفهم على أنها تستهدف بشكل فردى ضحية مميزة. هذا النوع من «خطاب الكراهية» لا يدخل ضمن معايير المادة 20 (2) من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ لأن المتحدث لا يسعى إلى تحريض الآخرين على القيام بفعل ضد أشخاص على أساس خاصية محمية.

تشمل هذه الأنواع من «خطاب الكراهية»، التهديد بالعنف والمضايقات والاعتداء.

«خطاب الكراهية» القانوني:

قد يكون التعبير تحريضيًا أو هجوميًا، إلا أنه لا يتلاقى مع أى من الحدود المذكورة أعلاه. يمكن وصف هذا التعبير بالتحيز، وإثارة المخاوف بشأن التعصب، ولكنه لا يتلاقى مع الحد الفاصل للحدة التى يمكن عندها تبرير فرض قيود على حرية التعبير (انظر الحد الفاصل للحدة).

هذا الأمر لا يحول دون قيام الدول باتخاذ التدابير القانونية والسياسية لمعالجة حالات التحيز المتأصلة التى تعتبر هذه الفئة من «خطاب الكراهية» دلالة عليها، أو دون مضاعفة الفرص لجميع الناس، بما فى ذلك المسؤولون الحكوميون والمؤسسات العامة، للانخراط فى الخطاب المضاد.

 

    Dr.Randa
    Dr.Radwa