الجمعة 26 ابريل 2024

العشرينيات.. وما أدراك ما العشرينيات !

أخرى27-11-2020 | 11:39

في سياق البحث عن وثيقة التنوير الغائبة التي تصلح لاعتمادها أساس فكري لحركة تنويرية تشيع في المجتمع قيم التطور والتقدم و إعمار الأرض وتتناسب معه، كان لابد من البحث عن جذور ما كان من ضوء لم يزل أثره في كل مناحي حياتنا، فكل ما عشناه من نور في عشرينيات القرن الماضي يمتد أثره حتى اليوم رغم مرور قرن من الزمان.

 

ترى هذا الأثر في كل متروكات جيل ثورة 1919 الفكرية والمعمارية والفنية وحتى الاقتصادية، نرى ذلك الأثر في كتابات طه حسين والعقاد، وفي ألحان عبد الوهاب وظاهرة أم كلثوم، وفي نحت محمود مختار ومعمار فريد كقبة الجامعة ومبنى البرلمان وأفكار اقتصادية كبنك مصر وشركاته.. نور العشرينيات الذي حاربه أهل الظلام منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 – ولا يزالون - زوراً باسم الإسلام والغرض هو بعث الخلافة التركية التي لفظت أنفاسها مطلع العشرينيات بعد هروب "الخليفة" على بارجة إنجليزية بينما تحارب قوات الأحرار الأتراك الاحتلال الإنجليزي والأطماع الأوروبية للحفاظ على ما تبقى من تركيا التي ضاعت يومها وأضاعتنا معها بعد احتلال بغيض دام نحو 400 سنة ساد فيه التخلف كافة الأقطار التي أخضعتها اسطنبول بقوة السلاح لحلب خيراتها وتدمير هويتها لصالح المستعمر التركي !

 

والحديث عن العشرينيات يطول ويستحق مكتبات كاملة، ولكن لمحة سريعة هنا تسلط الضوء على ما شهدناه من نهضة فكرية هي بحق الباب الذهبي لأي تنوير ننشده في هذا المجتمع، الأسبوع الماضي قادني شغفي باقتناء الكتب القديمة إلى اقتناء كتاب تمت طباعته في القاهرة قبل 99 سنة في ديسمبر عام 1921 للكاتب الفرنسي جوستاف لوبون بعنوان "سر تطور الأمم" قام بترجمته من الفرنسية المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا،  وهو بالمناسبة شقيق الزعيم سعد زعلول، لفت نظري في هذه الطبعة التي قاربت على قرن من الزمان المقدمة التي كتبها توفيق الرافعي ناشر الكتاب، وقال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد، فقد أذن لنا منذ أيام طوال حضرة صاحب المعالي زعيم النهضة المصرية وركن التاريخ السياسي المصري الحديث سعد زغلول باشا رئيس الوفد المصري بإعادة طبع كتاب "روح الاجتماع " فطبعناه وعنينا بتصحيحه فجاء كما أراد معاليه وأراد الناس من حيث الجودة والاتقان، واليوم قد تفضل علينا معاليه بإعادة طبع هذا الكتاب "سر تطور الأمم" ونشره خدمة للأمة فكان هذا وذاك فضلاً جديداً لمعاليه علينا وعلى الناس لأن الكتاب نفسه يشبه في فائدته درساً من أبلغ الدروس التي يلقيها معاليه على الأمة في نهضتها الحاضرة.. والكتاب من خير ما كتب الكاتبون الاجتماعيون في هذا العصر، فنرجو أن يتقبله الناس قبولاً حسناً وأن يصل به القراء إلى ما ينفع ويفيد والسلام.. توفيق الرافعي – القاهرة في ديسمبر 1921 .

 

 هذه كانت مقدمة طبعة 1921 من الكتاب والتي أمر سعد باشا زغلول بطباعتها في إطار مشروع عام للنهوض المصري ، إذن لم تكن إعادة طبع الكتاب المطبوع أصلاً عام 1913 صدفة أو مجاملة مثلاً أو سد خانة ليقال أننا نطبع الكتب ! .. بل كانت الاختيارات هي المسألة وليس الكم، كان الأمر كله في سياق البحث المصري عن السر الذي جعله جوستاف لوبون عنوان كتابه "سر تطور الأمم".

 

وهكذا كانت العشرينيات مشروع كامل وعمل يومي ورؤية متكاملة للوصول إلى هدف وهو البحث عن النور الكامن في الشخصية المصرية جراء هذا الخليط العجيب من الحضارات التي امتزجت على أرض مصر، خليط له الفضل في تشكيل ملامح الجماعة البشرية التي اختزنت قيم الإبداع و الفنون والمواهب العديدة في كل مجال رغم كل ما قاسيناه من تتابع الاحتلالات و القهر من كل سلطة أجنبية حكمت البلاد.. ولكن النور كان دائماً بداخل المصري ينتظر من يبحث عنه ويفتح له طريق.. وهذا ما جرى في العشرينيات.. وما أدراك ما العشرينيات !

    Dr.Randa
    Dr.Radwa