الجمعة 26 ابريل 2024

السخرية السياسية على السوشيال ميديا (1)

أخرى21-11-2020 | 16:40

قامت تلميذتي العزيزة الباحثة علا ممدوح عيسى بإعداد رسالة ماجستير متميزة بعنوان "تفاعل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مع الصفحات الساخرة وعلاقته بتشكيل الصورة الذهنية عن الفاعلين السياسيين" من خلال دراسة تحليلية على عينة من المنشورات الساخرة التي نُشرت على صفحات عينة مُمَثِلّة من الصفحات الساخرة على الفيس بوك خلال عامي 2017 و2018، ودراسة ميدانية على عينة قِوَامُها (420) مبحوثًا من مستخدمي "فيس بوك".

وتوصلت الباحثة لمجوعة من النتائج نعرضها في هذه السلسلة من المقالات التي نكتبها خصيصًا لبوابة "الهلال اليوم"  بطلبٍ خاص من الصديق العزيز الأستاذ خالد ناجح رئيس تحرير مجلة "الهلال" الثقافية الشهرية ورئيس تحرير بوابة "الهلال اليوم" التي شهدت طفرة ملحوظة منذ أن تولى رئاسة تحريرها.

بالنسبة لنتائج الدراسة التحليلية لعينة من الصفحات الساخرة على الفيس بوك، تبين أنه فيما يتعلق بموضوع السخرية، جاءت نسبة السخرية من المواقف أعلى من السخرية من الأشخاص في كل الصفحات، ما عدا صفحة هاني شمس، وهذا يتفق مع ما سبق وتوصلت إليه الباحثة في تحليل الصفحات، أن السخرية كانت موجهة لأداء الفاعلين سياسيًا وليس لشخصهم، فيتم تناولهم بحكم المناصب التي يشغلونها والقرارات والتصريحات التي تصدر عنهم بحكم مهامهم الوظيفية، وبالتالي كان يتم الاكتفاء بذكر المنصب أو الوظيفة فقط، ولا يذكر الاسم.

فالغرض من السخرية لم يكن انتقاد صفاتهم الشخصية أو سلوكياتهم، لكن جاءت السخرية بغرض التهكم على القرار أو التركيز على أن القرار غير مناسب، أو في غير موضعه أو غير ملائم للواقع، وترى الباحثة أن ذلك يعتبر إيجابيًا ولمصلحة المواطن، حيث يلفت الانتباه للقرارات والتصريحات التي ليست في صالحه وينقل نبض الشارع ويتقمص شخصية المواطن، ويسخر من تأثير تلك القرارات عليه والأضرار التي يمكن أن تلحق به عند تطبيقها، فالسخرية هنا يكون لها تأثير إيجابي، وتؤدي إلى تفعيل الدور الرقابي لمواقع التواصل الاجتماعي.

إلا أن ذلك لا يمنع أن بعض هذه القرارات تكون مقتطعة من سياق أكبر، أو يتم تحريفها لإثارة البلبلة وزيادة الاحتقان لدى المواطنين واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لزيادة التوتر، ولأغراض سياسية تخدم فئات معينة أو أصحاب توجهات سياسية أخرى ويكون هنا التأثير سلبيًا.

وتكررت الموضوعات التي تناولتها منشورات الصفحات الساخرة (بابا جاب موز – أساحبي)، فتشابهت في أجندة الاهتمامات، إلا أن طبيعة الموضوعات اختلفت في صفحات الرسوم الكاريكاتورية، حيث ظهرت شخصية رسام الكاريكاتور وأجندة اهتماماته، فنجد مثلاً البعد عن الموضوعات الرياضية في صفحة "دعاء العدل" والاهتمام بقضايا حرية الرأي وتحجيم الحريات وإصدار قوانين تقلص من حريات التعبير عن الرأي وظهرت قضية الفساد بشكل صريح في منشوراتها، كما اهتمت صفحات الكاريكاتور بالقضايا الخارجية كالحريات في الولايات المتحدة الأمريكية والصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية وامتلاك الرؤوس النووية، في حين يمكن القول إن الصفحات الساخرة اهتمت فقط بالقضايا المحلية والتي تمس المواطن المصري.

وهو ما يتفق مع ما ركزت عليه معظم الدراسات في مجال مواقع التواصل الاجتماعي على قدرتها على أن تسهم في زيادة تعريف المستخدمين بجملة من القضايا المجتمعية والسياسية، وحسب ما توصل إليه الباحث (أحمد يونس، 2013) إذ تعد وسيلة لحرية التعبير عن الأوضاع المجتمعية ومناقشتها، لا سيما وأنها تعمل على فتح قنوات تواصل مباشرة مع المسئولين وصناع القرار، كما أنها تشكل مجموعات ضاغطة لحل ومتابعة بعض القضايا، كما هو الحال مع قضية الفساد في مصر.

كانت الغلبة في الصفحات الساخرة للشأن المحلي والتصريحات والقرارات التي تصدر وتمس المواطن المصري، ولم يظهر الشأن الخارجي إلا في الصفحات الخاصة برسامي الكاريكاتور.

أوضحت الدراسة اختلاف استخدام أساليب السخرية بين الصفحات، إلا أن "المفارقة" كأسلوب للسخرية كانت الأعلى استخدامًا في كل الصفحات ويليها "التهويل" ثم "التهوين" كأساليب للسخرية، ما عدا صفحات كل من (إسلام جاويش وهاني شمس)، حيث جاء التهويل في المرتبة الأولى لديهما. كما وجدت الباحثة أن بعض المنشورات تحتوي على أكثر من أسلوب للسخرية في الوقت نفسه.

وتوجد فروق ذات دلالة بين نسب الأساليب المستخدمة والتي تنوعت ما بين المفارقة، استخدام النكتة، أوضاع الجسم أو الحركات، التضارب في الكلمات والمواقف، التهويل والتهوين بين صفحات عينة الدراسة، ما عدا أسلوب مراوغة المنطق فلا يوجد اختلاف ذو دلالة بين الصفحات في استخدام هذا الأسلوب.

ونجد أن المفارقة كأسلوب للسخرية في المنشورات جاءت بإجمالي تكرارات بلغ (123)، أي بنسبة (28%) من إجمالي العينة، يليها التهويل كأسلوب للسخرية بإجمالي تكرار بلغ (95) وبنسبة (21%)، ثم نجد التهوين بإجمالي تكرار (64) وبنسبة (14%)، جاء بعد ذلك كل من التضارب في الكلمات والمواقف، استخدام النكتة، أوضاع الجسم والحركات، ثم مراوغة المنطق.

كما اختلف استخدام أساليب السخرية بين كل من الصفحات الساخرة وصفحات الكاريكاتور، حيث اعتمدت صفحات الكاريكاتور على المفارقة بشكل أساسي بنسبة (16%) يليها التهوين والتهويل بنسبة (14%) لكل منهما ثم أوضاع الجسم أو الحركات، التضارب في الكلمات والمواقف، مراوغة المنطق واستخدام النكتة، بينما اعتمدت الصفحات الساخرة على المفارقة بنسبة (32%) والتهويل بنسبة (25%) بشكل أساسي ثم التهوين، التضارب في الكلمات والمواقف بنسبة (14%) لكل منهما يليها استخدام النكتة، مراوغة المنطق وأوضاع الجسم أو الحركات.

والنسبة الأكبر للمفارقة كأسلوب للسخرية يمكن تفسيرها بأن المفارقة تستخدم للتمييز بين المواقف المختلفة والمتناقضة، وتركز على التناقض بين المتوقع والواقع الفعلي، والمفارقة تأتي من طبيعة الموقف نفسه، فلا تحتاج إلى جهد أو تفكير من منتج المنشور لتظهر للجمهور، وتنبع المفارقة من كون القرارات والتصريحات يفترض أن تكون في مصلحة المواطن، إلا أنها في الحقيقة تزيد من الأعباء عليه، ويتحمل المواطن الضرر في النهاية، فظاهر القرار أو التصريح يكون محاولة لتحسين أوضاع المواطنين وضمان حياة كريمة لهم، إلا أن الواقع يكون مختلفًا تمامًا.

أوضحت الدراسة أيضاً تنوع استخدام كل من الطريقة المباشرة وغير المباشرة في التعبير عن السخرية في صفحات عينة الدراسة، فاعتمدت صفحات (أساحبي ودعاء العدل) على طريقة التعبير غير المباشرة، بينما اعتمدت كل من صفحات (بابا جاب موز، وإسلام جاويش، وهاني شمس) على طريقة التعبير المباشرة.

 وبشكل عام كانت الفروق بسيطة بين استخدام كل من الطريقة المباشرة وغير المباشرة في كل صفحة، ماعدا صفحة "بابا جاب موز" التي بلغ عدد المنشورات التي استخدمت الطريقة المباشرة في السخرية (161 منشورًا) بنسبة (69%)، في حين بلغ عدد منشورات الطريقة غير المباشرة لنفس الصفحة (65 منشورًا) بنسبة (28%).

وعند المقارنة بين نوعي الصفحات كان استخدام السخرية المباشرة الأعلى من السخرية غير المباشرة في كل من الصفحات الساخرة وصفحات الكاريكاتور. كما تبين أنه توجد فروق ذات دلالة إحصائية بين أساليب الإقناع المختلفة ما بين استخدام الحكم والأمثال، تشخيص، استدعاء مواقف مشابهة. أما أسلوب استخدام الرموز وأساليب أخرى للإقناع، فلا يوجد اختلاف ذو دلالة إحصائية بين الصفحات في استخدام هذه الأساليب.

ففي الصفحات الساخرة جاء في المرتبة الأولى استدعاء مواقف مشابهة كأسلوب للإقناع بنسبة (44%)، يليه التشخيص بنسبة (41%)، يليه كل من استخدام الحكم والأمثال واستخدام أساليب أخرى بنسب مئوية متقاربة إلى حد كبير (7%، 6%) على التوالي.

واعتمدت صفحات الكاريكاتور على أسلوب التشخيص بنسبة (37%) واستدعاء مواقف مشابهة بنسبة (18%) بشكل أساسي ثم الحكم والأمثال وأساليب أخرى بنسبة (1%) و(4%) على التوالي. وتعتمد الصفحات الساخرة على استدعاء مواقف مشابهة والتشخيص بنسبة (47%) و(34%) على التوالي ثم الحكم والأمثال وأساليب أخرى بنسب (8%) و(7%) على التوالي.

وترى الباحثة أن استخدام استدعاء مواقف مشابهة والتشخيص كأسلوب الإقناع له عديدٌ من الفوائد وهي تقريب الفكرة لأذهان الجمهور وجعلها ملموسة أكثر لتصبح منطقية وغير خيالية أي تلمس الواقع عندما تكون مدعومة بأمثلة لتتناسب مع العقليات المختلفة.

والتشخيص من خلال استعراض ردود أفعال المواطن العادي على القرارات والتصريحات التي يصدرها الفاعلون سياسيًا وتخيل رد فعل المواطن على تلك القرارات والتصريحات والتعليق عن لسانه.

أما استخدام الرموز والحكم والأمثال، فقد لا يساعد في إيصال المعنى المنشود للجمهور، نظرًا لاختلاف الخلفيات الثقافية والتعليمية لأفراد الجمهور، فقد يكون المتلقي لم يتعرض لها أو يسمع بها من قبل، وبالتالي تكون غير مفهومة بالنسبة له.

نجد هناك ارتباطًا بين فئة "استخدام استدعاء مواقف مشابهة" كأسلوب للإقناع، وبين "عرض وجهات نظر متباينة حول القضية" كهدف عام للسخرية، ويظهر ذلك بوضوح في المنشورات التي تقارن الوضع الحالي للمصريين مع أيام مبارك وتتحسر عليها.

عند عدم استخدام أي أسلوب للإقناع يكون المنشور في هذه الحالة للسخرية والاستهانة فقط دون وجود وجهة نظر معينة، وأحيانًا تكون وجهة النظر في اختيار الخبر الذي سيتم تناوله أو القرار بدون أي إضافة أو تعليق، وقد تظهر وجهة النظر من خلال تكرار تناول موضوع معين في أكثر من منشور. فتتكون الصورة الذهنية هنا من خلال عدة منشورات توضح التوجه العام للصفحة والأفكار التي تنشرها.

وللحديث بقية .

    Dr.Randa
    Dr.Radwa