الأحد 19 مايو 2024

"يا مزوق يا ورد في عود"

أخبار19-10-2020 | 20:08

سحر المهنة جعله فارسها بامتياز، وحمله بالعديد من الألقاب، حيث أصبح يحمل عدة ألقاب منها "فارس الأغنية العربية"، حيث شدا بكلماته كبار مطربي الوطن العربي كـ أم كلثوم، وفيروز، وهو الشاعر المصري المعاصر الوحيد الذي غنت له فيروز وفريد الأطرش، وعبدالحليم حافظ، ووردة، وشادية، وفوزي وغيرهم.

ولُقب أيضا بـ "جواهرجي الكلمة"، حيث ظل سنتين يبدّل في مفردات أغنية "من غير ليه" حتى أن حليم مات قبل أن يغنيها، و"موسيقار الكلمات"، فغالبا، وعلى عكس المتعارف عليه، هو الذي يختار من يغني كلماته، و"صاحب الألف أغنية"، وكانت أغنيته للسيدة أم كلثوم "ألف ليلة وليلة" الأغنية رقم 1001، ولذلك سماها ألف ليلة وليلة، وطبعا "فاكهاني الأغنية"، وهذا اللقب يحمل في طياته الكثير من المعطيات المميزة لـ مرسي جميل عزيز، المولود في 15 فبراير عام 1921 في مدينة الزقازيق لأب يمتهن بيع الفاكهة مما أثر عليه تأثيرا إيجابيا لتفرغه للكتابة وتأثر الكتابة بمهنته الذي وضح جليا في أغاني فيلم "حسن ونعيمة" مثل "الحلوة داير شباكها شجرة فاكهة" و"يا تمر حنة" التي غنتها السيدة فايزة أحمد

ونبوغه الإبداعي ظهر مبكرا في كتابة أول قصيدة له في سن الثانية عشرة عام 1939، وأذيعت له أول أغنية في الإذاعة المصرية بعنوان الفراشة، لحنها الموسيقار رياض السنباطي، إلا أن أغنيته التي كتبها وأذيعت في العام نفسه أغنية "يا مزوق يا ورد في عود" ، وغناها المطرب عبد العزيز محمود،  كانت هذه مفتاح شهرته الحقيقية في عالم تأليف الأغاني، وكان وقتها طالبا في كلية الحقوق، وتوالت بعدها أعماله السينمائية بعد دراسته للسيناريو.

يعد اسم مرسي جميل عزيز ظاهرة فنية ذات طابع خاص، امتلك زمام الكلمة وطوّعها في كل المجالات، فهو الشاعر ومؤلف القصص القصيرة وكاتب السيناريو لبعض الأفلام، وصاحب الرأي في المقالات الأدبية بالصحف والمجلات، تنقّل بين عمالقة الطرب، وكأنه يطير  بين مجموعة من الزهور والورود ينهل من كل زهرة ليصنع عملا خالدا ذي رحيق وطعم لا يُمحى من ذاكرة الجمهور العربي رغم مرور السنوات.

قام بكتابة الأغنية بألوانها المختلفة العاطفية والوطنية والشعبية والدينية ووصلت لأكثر من ألف أغنية وقصيدة، ولذلك لقب بشاعر الألف أغنية، وإلى جانب كتابته للشعر والأغنية كتب الأوبريت الغنائي والقصة القصيرة والسينمائية وسيناريوهات بعض الأفلام، وأيضا كانت له المقالات الأدبية في الصحف والمجلات المصرية حتى اعتبره النقاد ظاهرة أدبية وفنية بارزة،  وله مئات الأغاني الشهيرة في حقبة الأربعينيات والخمسينيات، غناها كبار المطربين، أمثال أم كلثوم، فريد الأطرش، عبد العزيز محمود، محمد قنديل، محمد فوزي، شادية، نجاة، فايزة أحمد، وعبد الحليم حافظ حيث غنى له 35 أغنية، وفيروز، كارم محمود وصباح، كانت آخر أغانيه التي كتبها واكتشفت بعد وفاته أغنية من غير ليه التي لحنها وغناها بعد وفاته الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولاقت شهرة كبيرة، ومن أشهر الأغاني التي كتبها أغنية "فات الميعاد" 1967، غنتها أم كلثوم ولحنها الموسيقار بليغ حمدي، وأغنية "في يوم في شهر في سنة" غناها عبد الحليم حافظ، وكذلك أغنيتي "يا امه القمر ع الباب"، والتي حققت نجاحاً وانتشاراً كبيرين، وأغنية "أنا قلبي إليك ميال"، للمطربة فايزة أحمد.

مرسي ألّف أغاني لـ25 فيلمًا بدأها بـ "مبروك عليك" عام 1949، واختتمها بـ"مولد يا دنيا" عام 1976، وأشهرها أفلام: (حكاية حب، أنا وبناتي، المرأة المجهولة، أحبك يا حسن، أدهم الشرقاوي، الشموع السوداء، ويوم بلا غد)، وتنوعت حالات أغانيه بين طابع التفاؤل كـ"ليه تشغل بالك، ضحك ولعب" والقصيدة الشعرية والأغنية الإنسانية التأملية مثل (غريبة منسية، وأعز الناس) وكتب أيضا عدة أغانٍ وطنية منها "بلدي يا بلدي" لــ حليم، و"بلدي أحببتك يا بلدي" لـ محمد فوزي.

مكانة مرسي الشعرية جعلت الأستاذ يحيى حقي، رحمه الله، يكتب عنه دراسة وافية وينشرها في كتابه "خطوات في النقد"، ونفس المكانة التي كتب عنها خيري شلبي "مرسى جميل عزيز.. موسيقار الكلمات"، الكتاب صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ونفدت طبعته الأولى، ولكن لم تُعد الهيئة ولا غيرها من دور النشر طباعته، قسّم الأستاذ خيري كتابه إلى خمسة أقسام رئيسية هي: مرسي شاعر الحب والأمل، مختارات من شعر مرسي، لمحة عن مشوار حياته، مشواره الفني، نماذج من أغانيه، وتحدث فيه كيف أنقذه مرسي جميل عزيز من الانتحار قائلا " في مطلع الخمسينيات، هاجمتني نوبة من الظروف القاسية  وكنت في ذلك الوقت في ريعان شبابي، فقررت التخلص من حياتي، لم يكن قراري عشوائيًا، لقد تسلطت عليّ متاعب الحياة الشخصية والقراءات المبعثرة في الفن والفلسفة، ليصنعا مزيجًا دفعني للعزوف عن الحياة، صوت فيروز الذي أنقذني من الموت، جاءت اللحظة الحاسمة، أحضرت زجاجة ممتلئة بصبغة اليود، واختفيت في غرفة مهجورة من غرف بيت أبي الريفي، أغلقت كل الأبواب، وسددت كل منفذ للغرفة، كي لا يسارع أحد بإنقاذي متى صرخت من وطأة الألم، تجرعت الزجاجة كاملة، وأنا في غيبوبة الألم جاءني الإنقاذ من مرسي جميل عزيز الذي كنت أسمع باسمه، ولا تربطني به رابطة خاصة، في اللحظة التي رفرف فيها طائر الموت بجناحيه فوق قلبي، شاء الله أن يعلو صوت راديو الجيران، كانت فيروز تصدح بقصيدة مرسي جميل غزيز التي لحنها الرحبانية "سوف أحيا".

يقول خيري: كان صوت فيروز يزفه صوت الكورس البديع، القوي قوة الإصرار والأمل والرغبة في الحياة

كانت الأغنية تقول:

لمَ لا أحيا وظل الورد يحيا فى الشفاه

ونشيد البلبل الشادي حياة لهواه

لمَ لا أحيا وفى قلبي وفى عيني الحياة

سوف أحيا سوف أحيا

كرمت الدولة الشاعر مرسي جميل عزيز بوسام الجمهورية للآداب والفنون عام 1965 من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ضمن أول مجموعة صغيرة مرموقة تحصل عليها في مجالات الفكر والفنون والآداب، كما أطلقت محافظة الشرقية اسمه على الشارع الذي كان يسكن فيه بمدينة الزقازيق.

في التاسع من شهر فبراير من عام 1980م توفي مرسي جميل عزيز إثر إصابته بمرض خطير سافر بسببه إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وبعد فترة قضاها في المستشفيات الأمريكية عاد ليموت فوق تراب مصر ودُفن في مسقط رأسه.

    الاكثر قراءة