الجمعة 26 ابريل 2024

حديث النفس.. أنت الحقيقى!

مقالات26-11-2021 | 12:57

أنهكتنا الحياة.. متعبون من فوضى الناس والأشياء.. قاومنا حتى لا ننكسر.. فسقطنا وكأن الانكسار أفضل لمعاودة الركض والتعايش.. تاهت أنفسنا متجملين متوددين فى تجارب مع تغير النفوس.. تفاجأنا وصدمنا وتوقعنا ما لا يحدث.. عدنا أو انتهينا فى رحلة اللاثبات فى كل ما حولها.. لكننا لم نعد كما كنا حمقى تزينهم البراءة والسذاجة.. ضحكنا على أنفسنا.. فطاردنا الماضى بالندم والحاضر الذى يفلت منا فى كل لحظة ومستقبل غامض يجب ألا تحياه إلا وأنت الحقيقي.. فلا شىء يستحق أن تظهر غير ذاتك الحقيقية التى لا تتشابه مع من حولها.. هى أنت الحقيقى الأثمن والأروع.. لتكن سعيدا وتبقى حيا حاملا رسالتك الحقيقية فى مسرحية الحياة!!

 

نعيش فى مسرحية الحياة بأدوار ومقاعد للمشاهدة تحمل تلك الازدواجية فى أدائنا لرسالة الحياة.. قد نحيا ممثلين فى رسالات مزيفة لا تمثلنا لكن تمثل تعلقنا بأمور مخادعة.. نخوض التجارب لأنفسنا ولغيرنا.. ولا تتعجب فقد يسيطر عليك غيرك ويستخدمك لخوض معركته فتكابد وتتظاهر وتمثل أدوارا لا تشبهك ولا تمثلك فتكون الألين والأكثر تضحية حتى يرضى عنك.. أو قد تكون من القسوة والغباء بأن تخوض تجربتك بتحطيم كل من يقف فى طريقك.. نراقب بعضنا على مسرح الحياة.. أدوارنا متشابهة ومترابطة ومتنافرة أيضا.. نصعد على المسرح وقت أداء دورنا الذى يتعدد فى كثير من الأحيان ثم نعود ونجلس فى مقاعد المشاهدين.. وقد نتربص لنحتل دورا لم يكن لنا ولكن ظللنا نحلم به نريد أن نحتله فى يوم من الأيام.. وفى خلفياتنا موسيقى قد تكون من الصخب والضجيج.. لكننا من صنعناها.. هى صوت أطماعنا ورغباتنا التى لا تنتهى فى سلم التعلق والطموحات والأنانية.. قد لا نرتاح لها وقد نعشقها طالما من نستفيد منها.. قد تعيق موسيقى أنفسنا وقد تتوحد معها.. الكل فى همة ونشاط أثناء العرض المسرحى اليومى، فلا وقت يضيع ولا أحد يتخلى عن دوره وإلا حل محله من الفريق الاحتياطى الذى ينتظر مرض أو سقوط البطل أو أصحاب الدور الثانى أو حتى الكومبارس.. الطابور طويل فالكل يحلم بالصعود على خشبة المسرح.. ولكن الأبطال يحتلون فترة قصيرة من الزمن تتسلط فيها الأضواء عليهم وبعدها يأتى أبطال جدد بنجومية جديدة.

 

 قد تتعلم أصول الفن التمثيلى وأنت فى مقاعد المشاهدين وقد تكون الأبهر والأروع عند أدائك لنفس الدور فتقوم بالتجويد الذى تعتقد أنه يؤهلك للمكوث فى دائرة الضوء.

وعلى الرغم أنك فى مقاعد المشاهدين قد تكون محررا من قيود الأداء التمثيلى وتشعر بالحرية وربما السعادة فى عدم تنازلك عن جزء من ماهيتك الحقيقية التى يفرضها عليك أداؤك للدور المكتوب لكنك لا تلتفت لهذه الميزة وتظل تحلم بدور البطولة مهما كلفك من عناء أو تضحية وفى كل يوم تقدم نفسك وتخسر جزءا من سعادتك ولم لا؟! فالناتج والثمرة تستحق.. فنحن من نحترم من هم فى بؤرة المشهد فقط!! ولا نلتفت لأى من الجمهور، فلا تسلط الكاميرا على الجمهور إلا فى حالات نادرة من التصفيق فقط لتوثيق براعة المشهد المسرحى.

 

وتتعدد المسرحيات وتتعدد الروايات بغير ثبات فى المضمون ولا الممثلين ولا حتى فى الجمهور.. فكم من أعمال فنية تنتهى برحيل جمهورها، ولكن لا يعنى ذلك إغلاق المسرح الذى يعمل ليل نهار فى أعمال فنية جديدة قد تكون مبهرة وقد تكون متدنية تستمد قيمتها من النص المكتوب الذى أصبح يغيب ويحل محله الارتجال فى كثير من الأحيان.. وكذلك الفهلوة والنصب.. هى عدة الشغل لكن العائد والأرباح تؤكد أنه عمل ناجح!!

يتوارى عن المشهد أناس ويأتى جدد ونصفق ونهلل وتستمر العروض المسرحية مهما كانت من الارتقاء أو الهبوط والتدنى فهى عنوان كل شىء من مكوناتها.. لا أحد يلتفت لمستوى العرض غير النقاد غير المشاركين وقد يكون النقد بسبب غيرة منهم بإبعادهم عن المشهد التمثيلى، وبالتالى تكسبهم من الاشتراك، أو قد يكون التقاعد هو ما أبعدهم ويظل السابق ينتقد الحالى فيمارس دور الخبير.. هى ملامح الأيام فى كل وقت وحين.

 

ونأتى لمقاعد المشاهدين الذين تختلط أدوارهم فى الحياة فى تواز أو تقاطع حسب الأدوار لكن طالما أنت تتفاعل وتسعى فأنت تعيش هذه الحياة التى نحياها فى صباح من الصخب والسعى ومساء قد يكون لعروض مسرحية أخرى أو للسكينة تخلع فيه لباس الازدواجية النهارى وتسكن نفسك وعائلتك وتقوم بدور آخر قد يكون أكثر وضوحا فتخلع ما فرضته على نفسك من عباءة وتجميل وتظهر حقيقتك التى تكبتها طوال اليوم، أو لو كنت ممن يقومون بأكثر من دور فى ارتداء هذه العباءة ربما لا تخلعها فهى وش السعد عليك.. فنحن فى عصر غريب العمل يأتى بآخر والوظيفة تسلم لأخرى على الرغم من شكوتنا من البطالة والتعطل لكن إسنادنا للأعمال لنفس الشخص للثقة المتناهية فيه فهو الأولى بكل الريع وكل الأدوار حتى وإن لم يؤدها بشكل مثالى.. ولماذا المثالية والجودة.. فالأدوار مجرد تحصيل حاصل ولا تحتاج الخبرة لأدائها ويكفيه أن يكون مؤديا فقط.. نص مكتوب وآلة تردد.. لا إحساس ولا عبقرية ولا جمهور يشعر بوجوده أصلا ولكن لدينا من نعهد إليه بمهمة التصفيق والتهليل لإضفاء جو البراعة على العرض المسرحى.

 

والغريب أن الممثل أو المؤدى يصل لدرجة من الغرور حتى إنه يصدق نفسه بأنه عبقرى وفذ وإلا لماذا يقوم بأدوار البطولة على مسارح مختلفة ولكن ما إن يصل لأعلى نقطة من التضخم النفسى يهبط من على خشبة المسرح هبوطا سريعا مدويا قد تكسر نفسه على الرغم من استمرار قدرته على الأداء، لأن مقياس الغرور يراقبه حتى إنه ما إن يصل لنقطة معينة تتم الإطاحة به.. وبعد السقوط لا يستطيع أن يتصالح مع نفسه لعجزه عن القيام بالخصم والطرح مما أصابه من أمور تضخمية شوهت ماهيته.. وقد لا يستطيع العودة بعد فترات التوقف لأنه قد تغير وكل العوامل المحيطة به قد تغيرت أيضا.. فتفشل كل محاولات التأقلم.. باختصار حل محله ابن المرحلة الذى يتلاءم معها.. وقد يندم أو لا يندم إذا ما حقق مكاسب تعينه على استمرار حياته فيما تبقى له.

وتسألنى عن الكومبارس؟ أقول لك أن وجودهم مهم ويجمل المشهد ويجعله واقعيا رغم أنه قد يكون منهم الموهوب ولكن النصوص لا تكتب للكومبارس ولا تسلط عليهم الكاميرا إلا فى عبور سريع ولا يتم الاستغناء عنهم أو تحولهم إلى ممثلين أصحاب أدوار إلا فى أوقات قدرية قد تتحقق أو لا تتحقق!!

 

وتسألنى أكل ما نقوم به أدوار تمثيلية فى هذه الحياة وأننا نخسر أنفسنا حتى نصل لما نريد؟! أقول لك أن من هم خارج المشهد تماما ورضوا أن يبتعدوا وأن يعيشوا على الكفاف قد يكونون من النقاء ما جعلهم يؤمنون بأن الرزق وأسبابه بيد الله وهؤلاء كثر رفضوا أن يؤدوا أدوارا غير حقيقتهم وماهيتهم النفسية التى لا تتوافق مع ما يشبهها أو يمثلها وليس معنى ذلك أنهم لا يقدمون تنازلات فلا أحد لا يقدم تنازلات فى حياته، لأننا فى بيئة من فوضى البشر والأشياء تجعل الصدام ليس دائما هو السلوك الأفضل حتى فى علاقتنا الشخصية والإنسانية.. لكن كل إنسان يقدم ما يقدر عليه من تنازلات أو تضحيات.

فى حياتنا نمر بمحطات عديدة.. ندخل تجارب متعددة وكل واحدة تسلمنا لأخرى.. نتعلم وندرك ونصبح أقوى إذا ما أكدنا لأنفسنا أن الخطأ وارد وأنه من الغباء أن نعذب أنفسنا بأخطاء الماضى.. وتتصور أنه لو عاد بك الزمن لم تكن لتخطو نفس الخطوات.. هذا وهم لأنك لم تكن قد تعلمت وأدركت بعد.. فأؤكد لك أنك كنت ستخوض نفس التجربة بنفس السلوك بنفس الخطأ.. الذى أصبح لزاما عليك ألا تكرره بعدما تعلمت وتغيرت لتصبح إنسانا جديدا بفكر جديد حتى ولو لم يتغير من حولك!!

فالتجارب تخلق منا أناسا جددا فنبدأ حياتنا بالبراءة والسذاجة ونتعلم بالضرب والهجر والفقد والتخلى عن أشياء قد تكون مهمة لنا لأن هذا التعلق يفقدنا كرامتنا وكبرياءنا لتصبح لا تساوى شيئا فى مواجهة اعتزازنا بأنفسنا.. أو نظلمها ونجور عليها عندما نفشل فى التوافق أو تحقيق ما كنا نصبو إليه فنصبح ألين وأكثر تنازلا فنحمل أنفسنا وحدنا جرم فشل تجاربنا لنصبح أكثر قبولا عند الآخر فى التجارب الجديدة، لأننا تعلمنا من فشلنا أننا السبب فنكفر عنه بمحو هويتنا من أجل وهم النجاح الذى لا يستفيد منه سوى الطرف الجديد فى التجربة الجديدة.

 

وفى رحلتنا قد نكون من الهشاشة أو الثبات لكن التوقيت وحده هو الذى نختاره لنعلن فرحنا أو بكاءنا.. حتى البكاء له موعد حتى لا تنهار مقاومتنا ونسقط.. فعليك حتى تكون أنت الحقيقى أن تعرف متى تضحك ومتى تبكى ومتى تغنى.. ولا تخشى أن تنكسر فقد تقاوم بألا تصرخ أو تبكى فتنكسر!! فلا تبرح عن نفسك بعيدا فتصبح غير حقيقى.

وقد تفقد نفسك فى عمليات المقارنة والتقليد فتنسى رسالتك الحقيقية وتعيش نفسك فى غربة وسط ذات لا تحتويها.. فكن واضحا مع نفسك لتكتب لنفسك دورك الذى وضعته فى رسالتك فى الحياة غير عابئ بما يفرض عليك من أدوار تحطم نفسك وتشقيها.

استمع جيدا لموسيقى نفسك ولحن هويتك لتكون حقيقيا.. سعيدا.. تصدق نفسك وترتفع روحك وتسمو.. فتكون جميلا وتبقى حيا.. فما خلقنا الله إلا لنظل أحياء.

Dr.Randa
Dr.Radwa

الاكثر قراءة