السبت 27 ابريل 2024

التساؤلات القاتلة!!

مقالات16-11-2021 | 12:52

نعيش ونحيا في سلسلة من التساؤلات التي نبحث فيها عن ماهية وجودنا وأسباب سعادتنا وشقائنا ولكننا لا نرغب سوي سماع إجابات تتفق مع إجابات مدفونة داخلنا رافضين الاعتراف بخطئنا أو مواجهة أنفسنا بالتقصير وكأنها لحظات ضعف نكره أن نكون فيها.. نطلق الأسئلة باحثين عن الراحة التي تتوافق معنا حتى وإن كانت عكس الواقع.. ونخبئ الأسئلة التي تكشف عوراتنا فنكتفي بالكتمان والستر لعقولنا .. لتكون تساؤلات قاتلة وأخرى تعييننا على استكمال حياتنا الغامضة.

يزدحم عقلي وفكري بالتساؤلات القاتلة للوصول لأسباب أو ما وراء الأسباب .. أهو عقاب لنفسي لأزداد اضطرابا وتعاسة؟! أم البحث عن إجابات مستحيلة؟! كلنا حينما نتساءل ونتساءل في حديثنا مع أنفسنا دائما نبحث عن إجابات غير موجودة مفقودة.. ونظل ورائها وقد نشرك غيرنا في الوصول لحل اللغز ولكننا في النهاية لا نقتنع أو نصدق سوي إجابات تتوافق مع تقييماتنا وقناعتنا الذاتية لأننا دائما لا نقبل سوي ما بداخلنا وكأن كل الأمور والأحداث التوافق حولها إعجاز ونحن المميزين الوحيدين !!

لا أنكر أن بعض الأمور قد تكون غير واضحة قد تحتار العقول في تفسيرها وأحيانا تكون الأيام كفيلة بها.. فيكون حدسك الداخلي هو الذي يفسرها حتى في حالة غياب الدلائل والبراهين المادية.. وبعد مرور الوقت تؤكد لنفسك أنك كنت على حق أو أنك تبحث وراء الدلائل التي تؤكد أنك محق!!

أمور عديدة في حياتنا تتعلق بشخوص وأحداث نقابلها في حياتنا الأذكياء وحدهم هم الذين يستطيعون أن يقفزوا وراء الظاهر لفك طلاسم غموضها.. وأخرون تقومهم الأيام بضربات وصدمات تأديبا وتهذيبا لهم حتى لا ننخدع ونجمد عقولنا في الانسياق وراء عاطفتنا في الحكم على الأشياء .. على الرغم أن العاطفة لها دور ولكن في ظني أنها تأتي بعد إعمال العقل الذي يعمل من أول وهلة فيعطي العاطفة إشارة المرور، هذا بالنسبة للأسوياء عادة. أما الذين ينساقون وراء أهوائهم فلا بد وأن تصيبهم عقوبة التهور وحسن النية إن صح التعبير ليفيقوا على عقاب قد يكون موجعا بخسائر كفيلة بالتعلم أما إذا كان عصي على التعلم فأنه يعيش حياته في سلسلة من العقوبات ما يلبث أن يخرج من عقوبة حتى تحل عليه عقوبة جديدة .. يتعافى ويدخل في أخري وهكذا لا يدرك ولا يتعلم.

ولا تتعجب فمعظمنا هكذا يميل لخداع المشاعر لأنه الأسهل في طريق الكسل للتصديق .. وترفض كل النصائح وكل إشارات الإنذار التي تأتي لك.. أردت التجربة وفرضت على نفسك ثمنها .. ما أغلاها النصيحة التي توفر عليك عناء ومشقة تمزيق مشاعرك وجروح تصيبك جراء الفشل لكننا جبلنا على المكابرة فلا تجهد نفسك مع أشخاص يلقون بها وراء ظهورهم لأن إدراكهم مصر على فعل ما ترتاح إليه أنفسهم حتى ولو كان فخ الخديعة الذي يريح النفس.. وكم منا سار في تجربة وهو يعلم أنه مخدوع ولكنه يتلذذ بهذه الخديعة .. وأخرون على يقين كامل ولكنهم يؤكدون أن الأمور تحت السيطرة ولا يستطيع أحد أن يخدعهم ولديهم القدرة على التحرك في الوقت المناسب !! وينسون أنها قد تكون لحظة يخسرون فيها كل شيء.. فكثير من الخسائر لن تعوض كتجارب نطلق عليها غلطة العمر مع أشياء لا يمنحنا القدر في كثير من الأحيان فرصا جديدة أو دورا ثاني أو فرصا لتحسين المجموع ولا حتى مددا إضافية لنعوض ما فاتنا .. وقد تحكم عليك بقضاء عقوبة باقي عمرك .. تخيل نفسك قضيت النصف الأول في تجربة والنصف الثاني في أداء العقوبة وأنت لا تعلم موعد الإفراج!!

القدر حينما يمنحك الفرصة لا يقول لك هذه فرصتك بل يلقيها في طريقك وعليك أن تكون في كامل لياقتك الذهنية والعقلية لكي تلتقطها وتستفيد منها وتحرص عليها وتتمسك بها ومتي غفلت ولم تقتنصها ستذهب لغيرك .. لكن القدر لا يتوقف عند ذلك لابد وأن يجعلك تتحسر على غباءك لتعلم أنك من ضيعتها فيمنحها لقريب منك حتى تقضي عقوبتك بالتحسر عليها وتنتظر وتنتظر أن يأتي بغيرها .. وتنسي أنه لا جدوي من الانتظار فتتوهم أن الفرص عديدة وتنسي أنها نادرة.. وقد تأتي إليك ولا تحسن التصرف معها بأن تقابلها بشيء من الجحود والتعالي والافتراء وتنسي أن الله يبلونا بالخير والشر فتنة لننظر أنشكر أم نكفر .. فلا نرض الفرصة والنعمة ونتعامل معها بالتقليل من شأنها والاستهانة بها.. حتما ستزول لتكون عقوبتك الندم على فواتها وتعيش تتحسر عليها .. وسأضرب لك مثلا على أبسط النعم التي نحيا فيها كم هي عظيمة مثل الصحة وغني النفس فلا نشعر بها إلا إذا أصابنا مرض .. حتى في كفاحنا ومكابدة الحياة في سعينا اليومي على أرزاقنا نعمة من المولي حتى ولو أصبنا بالمعاناة في حياتنا اليومية المعتادة فنشكو ونشكو من كل شيء .. من غلاء الأسعار.. من ازدحام المواصلات .. مشاكل الأبناء.. وفجأة قد تصاب بأمور تجمد هذا العناء اليومي فنشتاق إليه ونتمنى عودته بل وبعد مرور الزمن وتقدمنا في العمر نذكرها بأيام جميلة ومضت !!.. وننسي المعاناة ونتذكر فقط أننا كنا نسير على الطريق الصحيح في كفاح مستمر له مقدمات من العمل ونتائج وثمار.

ودائما نتساءل لتفسير ما يدور في أنفسنا وما يدور حولنا وكأن التساؤلات غريزة إنسانية دائما تبحث عن التفسير للوصول لليقين لنتحمل كل تضاريس الحياة .. ولكننا نريد دائما إجابات واضحة من المستحيل أن نصل إليها فقد تحال أنفسنا إلى فوضي عارمة من الشكوى من القسمة والنصيب والتطلع الدائم لما هو أفضل وأحسن والذي قد يصل لما في يد غيرنا بأن نصل لقناعة أنهم غير مستحقين وأننا الأولي بهذا الفضل لأننا دائما نري أنفسنا الأمثل والأحسن حتى وإن لم نكن كذلك وهنا قد تكون التساؤلات البائسة مفاداها أننا فعلنا ما علينا ولماذا لم نأخذ حظوظنا التي ذهبت لغيرنا ؟! وقد تصل لليأس ويتوقف الأمر عند حكمة الحظ الذي يمنح.. وقد تتطور معك لحكمة جديدة بمحاولات التجديد والتعايش ولكن تبقي نقطة فاصلة تختلف من شخص لآخر هو الصبر والجهاد في الوصول لتحقيق الأهداف.. وعلي فكرة كثير منا لا يكون لديه أهداف محددة، وقد يكون هناك هدف واحد ولا يوجد أولويات أو أهداف احتياطية تخضع للتغيير والتبديل حتى تتعايش في صورة سيناريوهات ودلائل تمنح لك التأقلم.. فكثير منا تتوقف الحياة لديه عند هدف معين ولا يقوم بإعادة تدوير حياته إن عاندته.. وآخر يتحايل ويقوم بتحويل مسار حياته وقد يكون أفضل حتى يكمل مسيرة حياته .. ولكن يخضع الأمر لعدد من العوامل إن لم تكن الإرادة أهمها .. فلابد من إستجلاء البيئة المحيطة من الأشياء والأشخاص مهما على اعتبار أنك لست مالكا لكل الخيوط .. فأنت ترس ضمن مجموعة من التروس الموجودة في الحياة .. فقد تكون ترسا صغيرا أو معطلا أو أصابه الصدأ أو صالحا لا يجد ما يكمله من خانة ليعمل ويدور بكفاءة.. ولكن لا تتوقف عن حديثك مع نفسك في تساؤلات ومقدمات ونتائج واذا كان هذا الحديث من الصدق ما يجعلك محايدا حتما ستصل لفك طلاسم وغموض أمورك الحياتية وهذا يتطلب رحلات من التأمل والتحليل لتصل لنهايات صادقة وإذا كنت ممن ينكرون فكرة الوقوع في الخطأ وتحملك للمسؤولية، فلا إجابات للأسئلة المطروحة عندك أو عند غيرك ستظل هكذا وتحظي بالفشل في النهاية وتعيش حياتك على أمل صدفة تنقذك مما أنت فيه !! وهنا تتوقف والحياة تستمر وكثير منا من هم كذلك وقد يستسلموا لهذا الأمر وقد يصابوا بالحقد على غيرهم لإخفاقهم في رسم خريطة أهدافهم وخطة تحقيقها.

وكثير منا ما يسأل نفسه هل أسير على الطريق الصحيح ؟! هل سأحقق ما أريد في يوم من الأيام ؟! .. وإذا قطع شوطا في حياته ولم يعد يتبقى من عمره الكثير بوصوله لمنتصف المنحني ولم يحقق شيئا أو حقق اليسير في الوقت الذي سبقه من هو أقل منه أو أصغر سنا منه فيفيق على صدمة بسؤال هل من الممكن أن أحقق حلمي ؟!.. وقد يكتشف أن هدفه حلما لم يتبلور بعد لأمر عمليا .. ولكنه واجه نفسه بسؤال هل ما يتبقى من العمر كاف لتحقيقه أم أنه سيختم حياته هكذا.. وتطلق هذه الأسئلة في لحظة من التشتت الروحي والعقلي التي أصابت قلبك فتريد أن تسمع إجابات تؤكد لك أن الذنب ليس ذنبك.. وقد نتوقف ونحاسب أنفسنا .. هل نحن نصعد الجبل أما زلنا في السفح تائهين في الوديان ؟! .. ونتساءل أين نحن ؟! وقد نلجأ لصديق مقرب لعله يصبرنا بأننا من الكفاءة والنباهة لكن الحظ عاندنا.. ونغفل أننا كنا مقصرين في حق أنفسنا فلم نفعل الكثير لنتجاوز أعمارنا ونصبح في بؤرة المشهد على الرغم أنه في كثير من الأحيان قد يكون المشهد عبثي يفتقر لمهارات حقيقية ولكنه المشهد المعتمد الذي على أساسه تقيم الكفاءات ويغيب معه إجابات لتساؤلات عديدة قد ترتبط بنا أو بغيرنا.

وقد نسأل عن أسباب رغم وضوحها وتحليلها وتجليها لكن حذار أن يواجهنا أحد أننا مقصرون، فنحن لا نتقبل هذا الأمر أبدا ونعود من حيث بدأنا لحكاية الحظ وهي الحكاية الأسهل والأكثر تقبلا لتصديقها !!

فنجيب أنفسنا بإجابات أن الآخرين سلكوا طرقا لم نستطع أن نسلكها وما زلنا ليست لدينا القدرة على مسلكها ولو عاد بنا الزمن لن نسلكها.. وليس معني ذلك أن كل الناجحين سلكوا طرقا مشكوكا فيها هذا أمر غير مقبول .. وتذهب أنفسنا للعبة القدر التي لا يعلم أحد ماذا يخبئ ويدخر.. الذي لا يكافئ سوي المجتهد حقا وهنا الحديث عن المكافأة وليس ما يحصل عليه الفرد بالاحتيال .

ونتساءل ونتساءل ونقارن بين أنفسنا وغيرنا حتى وإن أخفينا ذلك.. أسئلة مريرة نرفض سماع إجاباتها المؤلمة .. وأسئلة إجاباتها مجنونة لكنها حادثة في واقعنا وأسئلة مخجلة ولكننا نتلذذ بالحديث الغريزي عنها وأسئلة لأنفسنا.. وأخري لأصدقائنا .. وأسئلة خبيثة نود سماع إجاباتها.. وأسئلة محرجة لإجابات مؤسفة .. لكن في النهاية كلنا من يسمح بها .. ومن يرفض مجرد إطلاقها ليظل القدر صاحب الكلمة الأخيرة في إجابات واضحة قاطعة ليلملم شتات اللوحة المبعثرة ويعيد تنسيقها رضينا أم أبينا!!

Dr.Randa
Dr.Radwa