السبت 27 ابريل 2024

تغريدة الإرهاب.!

14-1-2017 | 22:40

من العسير جدًا أن تتابع مسلسلًا، ابتداءً من حلقاته الأخيرة، والأكثر عسرًا أن تصدر حكمك كناقد فنى على هذا المسلسل عبر مشاهدتك لتلك الحلقات، الأصعب على الإطلاق أن يكون من نوعية «الدراما البوليسية»، التى تتطلب متابعا دءوبًا من اللحظة الأولى لانطلاق الحلقات.. كل هذا يدخل تحت (باب الصعوبة)، أما ما يدخل تحت (باب الغرائب)، فهو أن تكون من ضمن المشاهدين، لكن هؤلاء المشاهدين يكتشفون - فجأة - أنك كنت ذاهلًا عما يدور فى كل الحلقات الماضية، ولم تنتبه إلا فى الحلقات الأخيرة، لاسيما إذا كنت رجلًا عاقلا مثقفًا بارزًا قياديًا، أنيقا ويبدو عليك الشباب، ولك صفحات لاينكرها إلا جاحد، فى سجلات النضال الوطنى.. !

أقول قولى هذا وقد أحزننى رد فعل «حمدين صباحى» على أحكام الإعدام الأخيرة، التى صدرت بحق الإرهابيين، وتلك التى قد تصدر قريبًا.. أكد صباحى نفوره من فكرة الإعدام قائلًا فى تغريدة على «تويتر» نصًا (يخطئ من يعتقد أن الإعدام هو الحل..) ليشتعل موقع التواصل الاجتماعى المذكورة، وموقع آخر «فيس بوك» بردود شديدة الغضب من صباحى وموقفه، الذى يرى أن الحل ليس فى الإعدام.. ! واشتعلت النخبة السياسية بردود أفعال ضد صباحى وصلت إلى حد مطالبته باعتزال العمل السياسى برمته.. !

والحق أن ثمة ما يحملنا على توجيه عدة أسئلة للأستاذ حمدين على تغريدته تلك على تويتر: من الذى أصدر الأحكام التى تعلق عليها؟ ومن هو «المخطئ» ومن الذى «يعتقد»؟ وإذا لم يكن الإعدام جزاء للقتل والإرهاب والدم المسال، فما العقوبة البديلة التى تراها؟ وهل لهذه العقوبة - إن وجدت - من الأساس - ظل من القوانين المصرية الراهنة أم هى محض خيال؟

والإجابة على هذه الأسئلة نتولاها نيابة عن الأستاذ حمدين، بوصفنا نفهم خلفيات الرجل السياسية، وبوصفنا ناصريين مثله، وإن كانت ناصريته تختلف كثيرا عن ناصريتنا.. فأما الذى أصدر الأحكام فهو القضاء المصرى الجنائى، المدنى ، المختص، الذى ارتضيناه منذ قامت ثورة ٣٠/٦ المجيدة، حكمًا بيننا وبين الإرهاب. أما (المخطئ) فهو - وفقًا لعبارتك على «تويتر» - هو نفسه (المعتقد) فى أن الإعدام هو الحل، وبوصف القضاء هو من أصدر هذه الأحكام، فإنه هو من اعتقد فى صحتها، ويكون هو «المخطئ»..! وأما العقوبة البديلة من الإعدام فلا وجود لها فى القوانين المصرية، من قتل يقتل.. إن كان عامدًا مترصدًا مصرًا على جريمته، وهذا - تماما - ماتم تطبيقه فى المحاكم المصرية، بشأن الأحكام التى قمت أنت بالتعقيب عليها.. !

لقد عانت مصر الأمرّين من أزمة «تسييس» الأحكام خلال السنتين اللتين أعقبتا ثورة ٢٥ يناير المجيدة، أقول عانت (مصر) ولم أقل (قضاء مصر)، لأن القضاء المصرى استمسك بحياديته وبنصوص القانون، وروح القانون، فعصم نفسه، وعصم الوطن.. وكم من تظاهرة حاشدة حاصرت دار القضاء العالى أو المحكمة الفلانية أو العلانية لإرغام قضاة أجلاء على إصدار أحكام بعينها، وكان وراء ذلك قوم إرهابيون، إخوان، أو حازمون، أو تيار سلفى، أو حلفاء لهم ادعوا انتماءهم لتيارات مدنية!

غريب - بل محزن - أن يتكلم حمدين صباحى بلغة تلك الأيام التى سلفت، وكأن القضاء أداة سياسية، أو أن أحكامه تصدر وفق أهواء القضاة، لا وفق القانون، أو لعله يريد أن يقول - عبر جملته القصيرة هذه - أن القضاء مسيس، حينئذ نغير فى إجاباتنا التى سبق أن أوردناها، فنقول له: القيادة السياسية لاتتورط فى مثل هذه الأعمال الصبيانية، ومشهود للرئيس السيسى وجميع من حوله بأنهم لا علاقة لهم بالقضاء من قريب أو من بعيد.. بل على العكس، لقد طالبنا الرئيس بإحالة قضايا الإخوان الإرهابيين إلى القضاء العسكرى، لكن الرجل لم يفعلها.. وترك للقضاء المدنى الحرية كاملة فى إدانتهم أو حتى فى تبرئة البعض منهم !

المحزن يا أستاذ حمدين.. أنك تتكلم - عبر «تويتر» - بنفس الطريقة التى تكلم بها ولايزال يتكلم بها وسيظل يتكلم بها الإخوان الإرهابيون وحلفاؤهم «مثل أبو الفتوح الذى غرد على تويتر تغريدة مماثلة لتغريدتك» .. لانشك لحظة فى أنك تملك من الفطنة والذكاء والوطنية ما يمنعك من التورط فى هذا المنطق الظالم الأعوج، فلماذا كتبت ما كتبت؟ أخشى أن تكون يا أستاذ حمدين قد فكرت فى «هوامش للمناورة» السياسية، سأسميها «مناورة» ولن أسميها بلفظ أقبح، أو أنك ترتب لنفسك سياسيًا ترتيبًا خاطئًا، لن تجنى منه إلا انهيار ما تبقى من شعبيتك.. فإن تكن مضحيا بهذه البقية منها، فأعتقد أنك يجب - على الأقل - أن تحافظ على احترامنا السياسى لك، ولا تتركنا نوجه إليك سؤالا كالسؤال التالى مثلا : لو كنت أنت الرئيس وأصدر القضاء هذه الأحكام، فماذا كنت ستفعل؟ هل كنت ستتدخل فى شأن القضاء وتضغط لتخفيف الأحكام؟ وإذا لم تكن ستفعل، فكم مرة ستحتاج إلى أن تقسم للشعب على أنك لم تتدخل لإصدار هذه الأحكام؟

الزعيم خالد الذكر «جمال عبدالناصر» أعدم كبيرهم «سيد قطب» ونفرا من الإرهابيين، وعبر محاكمات ثورية، لا «فصال» فى المسائل التى تتعلق بأمن الوطن، ولا تفاهم فى الأمور المتعلقة بمدنية الدولة المصرية، وبعد سنوات طويلة اعترف خصوم الناصرية - أخيرا - بأن ناصر كان على حق.. فهل يصح أو يليق أو يستساغ أن يأتى هذا الرأى السيئ، من رجل نعتبره واحدا من رموز التيار الناصرى فى مصر؟ والله يا أستاذ حمدين، إنك قد أقلقت جمال عبدالناصر - طيب الله ثراه - فى قبره .. والله إن الموتى لو كانوا يتكلمون لقال لك ناصر: اعتذر يا حمدين عما كتبت.. ولا تعد إليه مرة ثانية..! ونقول لك يا أستاذ حمدين، اقطع تغريداتك إن كانت على هذا النمط، الذى يفتت الصف الوطنى ولا يخدم سوى الإرهاب! مثل هذه التغريدات تفتح أبواب جهنم على كل الوطنيين، ووالله يا أستاذ حمدين إن هؤلاء الذين تلتمس لهم (حقوق الإنسان) ليس لهم من الإنسانية سوى الاسم، ونقول لك فى النهاية: (يخطئ من يعتقد أن الحوار مع الإرهاب هو الحل..)!

كتب : أحمدالنجمى

    Dr.Randa
    Dr.Radwa