الأربعاء 24 ابريل 2024

بطل من حرب العاشر من رمضان لـ«دار الهلال»: بـ«عين واحدة وذراع واحد» حاربت الصهاينة وهزمناهم

المقاتل اسماعيل بيومي

تحقيقات22-4-2021 | 11:25

أحمد رشدي

- الجندي المصري مفتاح نصر أكتوبر 1973.

أقول للشباب حافظوا على النصر الذي لم يأتِ إلا بدماء الشهداء وعزم الرجال.

- الرئيس السادات أطلق عليّ «قاهر خط بارليف» ومنحني نوط الشجاعة.

- أقول للرئيس السيسي "الله يعينك وأطالب معالي الوزير محافظ الإسماعيلية بنادي للمحاربين" .


كل عام تحديدا في ذكرى العاشر من رمضان نتذكر ونستحضر سيرة ومسيرة رجالا صدقوا ما عهدوا عليه، منهم من قضى نحبه ومن ينتظر وما بدلوا تبديلا، هكذا نظن في رجال حرب أكتوبر، أبطال الست ساعات الذين استعادوا الأرض والعِرض، وأعطوا إسرائيل والعالم دروسا لا زالت تدرس حتى الآن، ومن هولاء الرجال البطل إسماعيل بيومي، أحد أبطال أكتوبر يستعيد ذكريات العاشر من رمضان في حواره لـ«دار الهلال»، وإلى نص الحوار:

** بداية عرفنا بنفسك؟

أنا من أبناء مدينة الإسماعيلية، ومن مواليد 20 /1/1948، وفي طفولتي نشأت وسط المعسكرات التي كانت في الإسماعيلية من أيام معاهدة 1936،  مثل معسكر الجلاء، معسكر القرش، معسكر فيشة، والملاح كامب البوم.

** هل النشأة والتربية وسط المعسكرات أثرت في شخصيتك؟

طبعا لا شك في ذلك، تربيت على حب الوطن وأن مصر أغلى ما في الوجود، وفي معركة 56  كان عندي 9 سنوات، وكان نفسي أعمل أي حاجة لبلدي. 

** حدثنا عن الوالد؟

والدي رحمه الله، كان في المقاومة الشعبية، شارك مع أبطال بورسعيد في صد العدوان، وأثر في شخصيتي، كنت أره بطلا من أبطال المقاومة الذين ضحوا كثيرا من أجل صد العدوان على مدينة الإسماعيلية، لذلك كان نفسي أشارك مع الجنود المحيطين بنا.

وقبل 1967 كنا نوصل الجنود إلى القنال، إلى الجبهة، فجأة عاد الجنود منكسرين ومهزومين بعد ما سمي وقتها بالنكسة، واحتل اليهود الأرض، كانوا على بعد 2 أو 3 كيلو من الإسماعيلية، اقتربوا من منازلنا، انضممت للمقاومة الشعبية، كنت أبحث مع زملائي عن سلاح للدفاع عن بلدنا، أخذنا السلاح من المركز، كان سلاحا آليا أو نصف آلي، واليهود كانوا مسلحين بأحدث الأسلحة وقتها، ضربونا بالمدافع والطيران.

بدأت مع زملائي الشباب في المقاومة الشعبية، قضيت حوالي سنة ونصف، حاولت أدخل الجيش، وكل ما أتقدم إلى الجيش لم يحالفني الحظ، كنت أنتظر الفرز، سني وقتها 19 عاما، ولم أكن مقنع بالدفاع عن النفس أوالمقاومة الشعبية فقط، لكن أريد الانضمام للجيش بشكل رسمي، وهنا يحضرني موقف لا ينسى للأبطال 
الفريق محمد فوزي، والفريق عبدالمنعم رياض، الذين قاموا بإعادة تنظيم الجيش مرة أخرى، وقضوا على مقولة الغرب: «أمام مصر 50 سنة حتى تقوم وتنهض وأن الجيش المصري لن تقام له قائمة بعد نكسة 1967»، لكن بفضل الله تم إعادة تنظيم وإعداد الجيش في فترة وجيزة، أصبح لدينا الجيش الثاني والثالث

** متى انضممت إلى الجيش بالضبط؟

دخلت الجيش في 15/2/1967، وللأسف تم استبعادي من الجبهة، وذهبت إلى المنطقة المركزية، وهنا كانت المفاجأة أن القادة كانوا يعدون للمعركة الكبرى في 1969، إعداد وتدريبات للحرب، تدريبات شاقة، جعلت من الحرب وقتها أمرا ليس صعبا مقارنة بما تدربنا عليه.

** كنت في أي سلاح؟

التحقت بسلاح المهندسين  في 15/2/1969 بقيادة العميد أحمد حمدي قائد أحد ألوية الكباري، والمقدم مهندس زكي باقي، كنت في أول مجموعة استلمت مضخات المياه، وقمنا بأول تجربة في منطقة حلوان، بدأنا في عمل مشاريع، في أماكن مختلقة حتى جاءت المعركة الكبرى، معركة 6 أكتوبر.

** هل كان هناك علامات أو مقدمات إن هناك حرب؟ 

الأول جاءت الأوامر بالمشروع والتدريبات على مضخات المياه، ثم ظهرت العلامات، وتم سحب «المخلة» والكارنية، وتسلمنا قرص يتم تعليقه في الرقبة والإيد، ثم انطلقنا وأحضرنا القوارب والفلنكات ومضخمات المياه.

** صف لنا ما حدث في العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر؟
الساعة ٢ ظهرا وجدنا قواتنا الجوية نسور السماء، تدك حصون ونقاط العدو، ومن ورءاها رجال المدفعية يزلزلون الأرض، وصيحات «الله أكبر» تزلزل الدنيا، ورأيت الصول عطية المسيحي يكبر «الله أكبر، الله أكبر»، كنا وصلنا إلى منطقة الشلوفة وتوجهنا إلى القناة، تحرك أبطال المشاة بالقوارب، وصلنا الساتر الترابى «خط بارليف»، جاء دور سلاح المهندسين.

وبدأنا فتح ثغرات فى الساتر الترابى، لفتح خطوط لقواتنا المسلحة للعبور، والبدء في عمل الكباري، أول معبر، مرت الدبابات تحت قصف الطيران ومدافع اليهود من النقط الحصينة في الضفة الشرقية، كانوا يضربوننا بمدافع الهون، لكن بفضل الله عبرت دباباتنا وقواتنا.

وفي يوم 7 أكتوبر أثناء العبور جاء صاروخ ودمر القارب الذي أعبر به، استشهد زملائي، عدت إلى الضفة الغربية بعد إصابتي في الوجه والذراع وحروق في الجسم، وجلست في «قناية» مياه حتى وجدت القادة ومجموعتي فوق رأسي فجر 8 رمضان، حاول القادة «يخلوني» حتى أذهب إلى المستشفى العسكرى لتلقى العلاج، رفضت بشدة، كان لدى إصرار وصبر على استكمال المعركة، لذلك قرر العميد الشهيد أحمد حمدي بقائي استجابة لرغبتى، عدت مع زملائي لتأمين المعابر من التسلسل وملاحقة قواتنا من قبل اليهود.

وبعد انتهاء المهمة الأولى، علمنا أن قوات إسرائيلية قادمة من الدفرسوار، بعد أن تمكنت من فتح ثغرة الدفرسوار، واشتبكنا معهم ودمرنا 17 دبابة للعدو فى يومي 23، و24 أكتوبر، وكان لي الشرف في تدمير دبابة للعدو بقذيفة «آر بي جى»، وفى عصر يوم 24 أكتوبر أطلق سلاح الطيران الإسرائيلى صاروخا على وحدتى وأصاب خندقى، وتمكنت من فتح الخندق بيد واحدة، نظرا لتهشم عظام يدى اليمنى، ورفضت التوجه إلى المستشفى العسكرى في السويس، وكانت تحت الحصار، وبقيت مع زملائى أشد من عزيمتهم للقتال حتى أصبت، بعد ساعات، بنزيف حاد فى ذراعى، وتوجهت إلى قناة السويس وسبحت إلى الضفة الشرقية للوصول إلى كتيبة طبية فى الشرق، وتقرر نقلى إلى مستشفى عيون موسى، وبعد أيام وصلت إلى مستشفى السويس العسكرى.

** ماذا حدث يوم ٢٢ أكتوبر بعد إعلان وقف إطلاق النار؟

يوم 22 أكتوبر كنت في مدخل السويس «الجناين»  مع زملائي نقوم بتأمين المحاور، الفرقة 7 والفرقة 19، وتقرر وقف إطلاق النار، لكن اليهود بطبعهم لم يلتزموا، وعلمنا أن قوات العدو الإسرائيلي قادمة من الدفرسوار، بعد أن تمكنت من فتح ثغرة الدفرسوار، اشتبكنا معهم ودمرنا 17 دبابة فى يومى 23، و24 أكتوبر، وكان لى الشرف فى تدمير دبابة للعدو بقذيفة «آر بى جى»، أرسل العدو طائرات أمريكية، ضربتنا بـ«المستودع أو المقبرة» هكذا كنا نطلق عليه، وحاولت قوات العدو دخول الإسماعيلية، لكن تصدى لهم رجال الصاعقة بقيادة إبراهيم الرفاعي، وأيضا في السويس تم صدهم.


** ما هو المستودع ؟
المستودع صاروخ يحمل  50 قنبلة، قنابل محرمة، 7 طائرات أمريكية كانت تقذفنا بالمستودع، طائرة من السبعة أطلقت صاروخا في اتجاهي، أصيب ذراعي، بعد قليل حضر زملائي، وأصرروا أن أذهب إلى المستشفى العسكري، لكن رفضت، ربط أحد زملائي ذراعي بـ«فانلته الداخلية»، جلست في حفرة أكثر من 3 ساعات، كنت في وضع الاستعداد، ومع شدة النزيف والتعب، أخدت قرار العبور إلى الضفة الشرقية حتى أعالج في الوحدة الطبية، في طريقي عند المعابر سقط ذراعي، على الفور وبدون تفكير قمت بدفنه في الحفرة بعد أن قرأت بعد الآيات من القرآن الكريم، وسبحت إلى الصفة الشرقية بذارع واحد، كنا بشر غير البشر.

** حدثنا عن هذه اللحظة الصعبة وأنت تدفن ذراعك؟
كما قولت لك كنا بشر غير البشر، كل همي وقتها نسترد أرضنا من اليهود، ونرفع روؤسنا في السماء عالية، لم أفكر في شيء آخر، ذراعي وعيني فداء بلدي وتراب بلدي، مصر ستبقى ونحن جميعا سنرحل، سبقني ذراعي الذي دفنته بيدي الأخرى في تراب بلدي ليكون شاهدا على نصر أكتوبر واسترداد الأرض والعِرض.

** هل سبحت بدراع واحد؟
بالفعل سبحت إلى الضفة الشرقية بذراع واحد، وكما قولت لك أنا ابن مدينة الإسماعيلية وكنت رياضي وبطل كمال أجسام، أجواء وفرحة النصر تنسيك أي متاعب ولا تشعر بشيء، عبرت تحت قصف طيران رهيب، كان الطيران اليهودي يرمي القنابل في القناة، يحدث غليان في المياه، وبعد الغارة، وصلت الضفة الشرقية.

** كيف كانت رحلة العبور إلى الضفة الشرقية؟
فى عصر يوم 24 أكتوبر أطلق سلاح الطيران العدو الإسرائيلى صاروخا على وحدتى وأصاب خندقى، وتمكنت من فتح الخندق بيد واحدة، لإصابة يدي الأخرى، ورفضت التوجه إلى المستشفى العسكرى فى السويس، وكانت تحت الحصار، وبقيت مع زملائى أشد من عزيمتهم للقتال حتى أصبت، بعد ساعات، بنزيف حاد فى ذراعى.

وتوجهت إلى قناة السويس وسبحت إلى الضفة الشرقية للوصول إلى كتيبة طبية، واجهت مشكلة التيار المائي الذي سحبني بعيد عن معبر الخروج، وبسبب الشعب المرجانية والطحالب، لم أستطع أن أصعد الشاطىء، كنت أصارع التيار خوفا من أن يسحبني بعيدا ولا أستطيع المقاومة، صراع مع التيار والنزيف المستمر، قولت هذه نهايتي، أصبحت جثة هامدة، مع المقاومة وصل زملائي، وأخرجوني بحبل، خرجت وتقرر نقلي إلى وحدة طبية في عيون موسى، لازالت أذكر الرائد دكتور سيد في ك 2 ، حاول علاجي يوم 7 أكتوبر ورفضت وقتها العلاج، ولكن رفضت العلاج وقررت أن أكمل مع زملائي.

وعندما وصلت عيون موسى وشاهدني قال لي: «أهلا بالبطل» قام بعمل الاسعافات الأولية، وتم تحولي إلى مستشفى السويس، التي كانت تحت الحصار، مكثت فيها 22 يوما، وفي يوم  17 /11/1973 تقرر نقلي إلى مستشفى المعادي ومكثت فترة للعلاج والمتابعة.

** هل أكملت العلاج في مستشفى المعادي؟

سافرت يوغسلافيا لاستكمال العلاج، وبدأت رحلة العلاج، وفي يوم تفاجئت بالرئيس السادات ومعه بعض المسئولين، جاء لزيارة وتكريم الجرحى والمصابين.

** حدثنا ماذا حدث بالضبط وما شعورك وأنت تلتقي الرئيس السادات؟
كنت سعيد جدا، لأن زيارة القائد والرئيس كان لها أثر طيب، رفعت معنويات كل المصابين والجرحى، خاصة أننا كنا في بلد آخر وليس في مصر، الرئيس جاء للاطمئنان ورفع معنويات أبناءه من المقاتلين، سألني عن سلاحي، فقولت له سلاح المهندسين، فقال لي أنت قاهر خط بارليف، قال للحضور من طاقم المستشفى والمسئولين: الجندي المصري قنبلة نووية، أزال ودمر الساتر الترابي خط بارليف.

Dr.Randa
Dr.Radwa