الخميس 25 ابريل 2024

«بتشوف أستاذك يوسف بطرس يا دكتور محمود؟»

مقالات20-10-2021 | 17:48

كل ما تيجى سيرة الدكتور محمود محيى الدين أبتسم وأضحك وأكركر! ليه بس يا عمنا بتضحك وتكركر ده بقى اسمه زى الطبل، وكل دول العالم خاصة النامية الفقيرة الغلبانة بتحلف بحياته إنه مكرس لها كل وقته فى منصبه الدولي الحالي كممثل لمصر والمجموعة العربية بصندوق النقد الدولي؛ لإيجاد حلول ناجعة لمشاكلها الاقتصادية المستعصية على كل حكومات هذه الدول، السابقة واللاحقة.

 

 أقولك ليه.. لأننى كنت من أوائل من استبشروا وتنبأوا بمستقبل باهر ومقام واعد لهذا الشاب الموعود ( اللى مالى هدومه) عندما رأيته وسمعته عام 1997 يتكلم ويقول آرائه في كيفية خروج مصر من أزمتها الاقتصادية وكيف تتجنب الحكومة المصرية أن تتأثر بالأزمة الاقتصادية التي داهمت كل العالم عام 1997.

 

 

 ما زلت أتذكر تماماً ما قلته لهذا الأستاذ الجامعي الشاب (34 عاما) الذى فضل أن يترك عمله كمدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ليكون ضمن كوادر الحكومة.

«أنت هتكون في القريب العاجل وزيراً يُشار له بالبنان» هذا ما قلته له بالنص بعد أن استمعت إلى إجاباته الذكية وتعليقاته اللماحة ورؤيته الحكيمة فى ندوة الحوار الرائعة التي دعا فيها الأستاذ مكرم محمد أحمد ستة من أكبر الشخصيات السياسية والحكومية ورجال الأعمال والبزنس لوضع خريطة طريق بحيث تتجنب الدولة المصرية الوقوع فريسة للأزمة الاقتصادية التى شهدتها كل دول العالم في عام 1997.

 

لم أقل ما قلته على مائدة الحوار.. قلته للدكتور محمود عقب انتهاء الندوة.. قلته بصوت هادئ ولم يكن معنا أحد حيث كنا منفردين.. مؤكد أنه شعر بخطر كبير وربما بخوف شديد لاحظته آنذاك بمجرد أن انتهيت من العبارة التالية : "أنت هنا بصفتك مساعد وزير الاقتصاد وسوف تكون حتماً وخلال زمن وجيز وزير الاقتصاد الذى يخلف د. يوسف بطرس غالي. "

 

انتهى رئيس التحرير من توديع رجل الصناعة البارز محمد فريد خميس والمهندس نجيب ساويرس، ولكنه لاحظ بعينيه ما يجري في الركن البعيد الهادئ داخل قاعة الاجتماعات الذى انفردت فيها بالدكتور محمود، اقترب منا الأستاذ مكرم وسأل: إيه فيه إيه.. مالكم؟ ليتبرع الأستاذ يوسف القعيد قائلاً: "أصل الدكتور محمود منزعج بشدة لأن سليمان قاله إنت هتكون وزير قريب جداً وهتخلف د. يوسف بطرس غالي في منصبه"، ليعلق الأستاذ مكرم "سليمان ما غلطش بس سولم اوعى الكلام ده يطلع بره القاعة دي".

 

 

 يبدو أن الدكتور محمود كان بكل هذا الحجم الكبير من الانزعاج لأنه يعرف جيداً وحافظ صم القاعدة الأساسية المطبقة فى مصر عند اختيار الوزراء والمسئولين: "مفيش حد بيحب يشوف خليفته".

 

 كان الدكتور محمود واحدًا من كبار الشلة التى تحيط بالسيد جمال مبارك فى بداية مشوار تصعيده سياسياً ليتولى تنفيذ حلمه القاتل وراثة حكم أبيه الرئيس حسنى مبارك.. لكنه كان مختلفاً تماماً عن كل هذه الشلة.

 

 لم يكن الدكتور محمود مثل الدكتور يوسف بطرس.. ولم يكن مثل رشيد محمد رشيد.. ولم يكن مثل المهندس أحمد عز.. كان مختلفاً أشد الاختلاف عن كل هذه الشلة التى كانت تستعجل أن يرث جمال مبارك  والده في رئاسة البلاد.

 

 صحيح أنه تولى في عام 2004 مسئولية إدارة ملف الاستثمار فى البلد ولكنه كان يثبت للرأى العام فى كل يوم قضاه فى هذا المنصب الحيوى الخطير أنه مختلف تماما، لدرجة أنه داخلياً لم يكن موافقا بنسبة مائة فى المائة عن مشروع قانون صكوك الدولة عندما طرح للنقاش فى مجلس الشورى.. وكانت لديه كوزير للاستثمار تحفظات عديدة، ولذا عبر عن نفسه وعن آرائه بشأن هذا القانون المقترح بمواقف عديدة، كان أبرزها أنه أظهر عدم حماسه لخروج هذا القانون إلي النور بعد أن أبدى نواب البرلمان تحفظات شتى أثارت مخاوف جموع الرأى العام  المصرى.

 

 أنا هنا لا أدافع عن الدكتور محمود، بقدر ما أكشف بعض مواقف بارزة تؤكد أنه كان مختلفاً عن باقى شلة التوريث.. ولعل مصدر اختلافه عنهم أنه تربى داخل جدران بيت عائلة سياسية شهيرة هى عائلة محيى الدين بكفر شكر في القليوبية.. هذه العائلة الوطنية الأصيلة التي خرج منها سياسيون عظام مثل خالد محيى الدين عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952.. والدكتور فؤاد محيى الدين الذى رحل عن الدنيا داخل مكتبه عام 1984 عندما كان يتولي رئاسة مجلس وزراء مصر.. وعمه الدكتور عمرو محيى الدين أستاذ الاقتصاد الشهير.. ووالده صفوت محيى الدين نائب كفر شكر فى بداية حكم الرئيس مبارك.

 

 ولأنه كذلك، ولأنه كان معجون سياسة منذ صغره وليس كمثل الباقين كانت له مواقف بارزة تحسب له، وكلنا نتذكر اللحظات الصعبة التى تعرض لها الدكتور محمود عندما أرادت شلة التوريث أن يرشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب ضد الأستاذ خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع ونائب كفر شكر الشهير .

 

 

وما من شك أن رفض الدكتور محمود دخول الانتخابات ضد عمه الأستاذ خالد كان موقفاً حكيماً.. لكنه لم يكن الموقف الذى يريده من كانوا يديرون العملية الانتخابية آنذاك خاصة القيادات الحزبية الجديدة بالحزب الوطني.

 

 استمر الدكتور محمود فى منصبه كوزير للاستثمار حتى عام 2010، ولكنه كان يستشعر فى أواخر سنوات توليه مسئولية وزارة الاستثمار  مواقف عدائية من بعض كبار الشخصيات المسئولة عن إدارة ملف التوريث، الأمر الذى ساعد على زيادة الفجوات بينهم وبينه، لتزداد شقة الخلاف بحيث أصبح الدكتور محمود يفكر كثيراً وطويلا طيلة 15 شهراً التي سبقت استقالته من الحكومة فى طريقة الخلاص من خلافاته العميقة وخصوماته غير المعلنة مع شلة التوريث التي كانت تنظر إليه باعتباره قد تحول ليصبح واحداً من دعاة الإصلاح السياسى داخل الحزب الوطني، حتى وإن كان لم يفصح أو يكشف علناً عن ذلك مثلما فعل الدكتور حسام بدراوى !

 

 هناك من قال إن الدكتور محمود قد استشار كبار عائلته قبل أن يقدم استقالته من منصبه.. وأولهم بالطبع الأستاذ خالد محيى الدين رئيس حزب التجمع وكان سؤاله المباشر لكبار عائلة محيى الدين: كيف أتصرف.. ما هى نصيحتكم لي؟

 

 لم يكن الدكتور محمود في عام 2010 باحثاً عن آلاف الدولارات التى سيجنيها من منصبه الجديد بالبنك الدولي.. فلديه والحمد لله ثروة في كفر شكر لا حدود لها، ورثها عن أبيه الدكتور صفوت محيي الدين، الذي ورثها عن أجداده.. ولكنه كان يبحث عن مخرج آمن من الصدامات العنيفة والضربات تحت الحزام التى كان يتلقاها سراً وعلنا من كبار المتحمسين بشدة لنقل سلطة حكم مصر من حسني مبارك إلي ابنه جمال.. وأولهم بالطبع المهندس أحمد عز، الذي وصف جمال مبارك في مؤتمر الحزب الوطني بأنه مفجر ثورة الإصلاح في مصر والحزب الوطنى .

 

 لم يكن هناك مفر أمام الرجل من قبول المنصب الدولي رفيع المستوي والاستقالة من الوزارة.. تلك كانت حقيقة ظروف اللحظة التي قرر فيها الدكتور محمود أن يستقيل ويقبل العمل بالبنك الدولي.

 

أبداً أبداً، لم تكن المسألة كما زعم البعض أنه "نط من المركب" قبل أن تجرف ثورة 25 يناير 2011 كل نظام مبارك إلى السقوط المدوي الذي جرى، بقدر ما كان ما يتم من استعدادات سرية في وزارة الداخلية وداخل كواليس الحزب الوطني لانتخابات مجلس الشعب 2010 أمراً مزعجاً للغاية ساعد على اتساع شقة الخلاف أكثر وأكثر بين الرجل من ناحية وبين كل رجال أو بالأحرى شلة جمال مبارك .

 

 لا أتذكر أنني رأيت هذا الرجل يوماً غاضباً من سؤال صحفي، بل على العكس كان دائما ما يبتسم قبل أن يجيب أو أثناء الإجابة أو بعد أن تنتهي إجابته على السؤال، وربما لذلك لم يتخذ رجال الصحافة والإعلام موقفاً عدائيا من هذا الرجل الذي كان كثيراً ما يقول: "كلي فخر بأنني ولدت في 15 يناير نفس اليوم الذي ولد فيه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر".

 

 لا يطيق الدكتور محمود البعد عن البلد.. كثيراً ما ينتهز الفرص ليركب الطائرة إلى مطار القاهرة ومنه مباشرة إلى بيته بكفر شكر، في يوليو الماضي سأله مندوب إحدى الصحف القومية بالمطار حول تولى رئاسة الوزراء.. فرفض الإجابة، وكان لرفضه أكثر من معنى.

 

 لا تتعجب إذا رأيت الدكتور محمود جالساً بجوارك في مطعم كشري أبو طارق بشارع شمبليون بمنطقة وسط البلد، فهو ابن بلد صحيح تعلم من كبار عائلة محيي الدين أن يكون دائما بين الناس ومع الناس.

 

 للدكتور محمود طقوس خاصة حينما يكون في مصر.. فهو يذهب مباشرة من المطار إلي كفر شكر.. بيت العيلة، يكره الإقامة بالفنادق، يقول : "كفر شكر مسقط رأسي هي بلدي وبيتي والمكان المفضل لي بين أهلي وناسي وأرضي حيث دفن أبي وأمي".

 

في القاهرة لا يلتقي أو يتصل إلا بعدد من أهل الصحافة والإعلام لا يزيدون عن أصابع اليد الواحدة.. وكثيرا ما أحسد صديقي الصدوق مصباح قطب المحرر الاقتصادي البارز علي صداقته العميقة مع الدكتور محمود.

 

ليتني كنت واحداً من تلك القلة القليلة التي يلتقيهم الدكتور محمود، ولكن ياريت صديقي مصباح يسأله سؤال الناس وسؤالي: بتشوف أستاذك الدكتور يوسف بطرس غالي في لندن ولا في أمريكا.. والنبي لو شفته قوله: "مصر ما وحشتكش ولا إيه!".

Dr.Randa
Dr.Radwa