الخميس 25 ابريل 2024

مشافهة الحلم فى العالم الأزرق: الغربة ونوازع الحنين

مقالات20-10-2021 | 15:27

تعتبر رواية "في حضرتهم.. فضاءات"، بأسلوبيتها المبتكرة واحدة من الروايات التي تمت كتابتها شراكة، مابين روائيين أن الصافي، عبدالواحد إستيتو، بعد تجربة رواية "عالم بلا خرائط"، التي كتبت مناصفة بين الروائيين جبرا إبراهيم جبرا، عبدالرحمن منيف، وإن توفر مجالًا للمقارنة بين هاتين التجربتين السردتيين نورده في نقاط على النحو التالي:

 

1. عمل الكاتبان في رواية "عالم بلا خرائط" على تنمية أحداث النص وشخصياته إنطلاقا من تعريف ماهوي مسبق لمن تكون هذه الشخصيات مما جعلهما أكثر إلتصاقا بالزمان والمكان دون أن تحدث أي فجوات "زمانية".

2. تميزت رواية "عالم بلا خرائط" بوضوح بنيتها الرئيسية واتساق بنياتها الصغرى مع حركة تنامي الأحداث التي جاءت متلاحقة ومفعمة بروح الحكاية التي تستند على رمزية المكان بما يحمله إسم مدينة عمورية من دلالات على المستوى الثقافي العربي والإسلامي وهذا ما يمكن أن نصفه بسيادة المكان على النص وفرض ثقافته عليه.

3. لم يتخطى الكاتبين جبرا، منيف حدود المكان الذي جاء مكرسا لحالة من حالات الاعتراب الاجتماعي ومناهضا لخطاب العزلة والإقصاء الذي يقارب لحدما السيرة الذاتية لكليهما، ويبقى الإختلاف المرجأ في الكيفية التي تم بها بناء النص وكتابته سرديا في الجزء الذي يتعلق ببصمة كل واحد منهما في تكييف الأحداث وقياس مدى انفعاله، بما تمت إثارته من مكامن ضغط اجتماعي: وجودي في هذا النص الذي يوحي اسمه ومنذ الوهلة الأولى إلى تلاشي الحدود، على الجغرافيا مع استدعاء صريح للتأريخ.

رواية في حضرتهم

وفي رواية "في حضرتهم" التفاعلية والتي إرتبطت بمتلقى يومي يتعاطي معها، وهي مسلسلة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يختلف الأمر كثيرا وربما يقود إلى أن ندون بعض الملاحظات التي تقابل ما دوناه في تجربة جبرا، منيف في رواية عالم بلا خرائط:

1. كتب نص رواية (في حضرتهم ) على أساس الثنائية مابين الروائيين (أن ، ستيتو ) وليس الشراكة بالمعنى الحرفي لها ، بمعنى أن هذا النص جاء كحوارية مطولة بين ( شخصين ) تماثلت ظروفهما في لحظة ما وتحقق بينهما فعل ( الإتصال ) بإعتبار أن (الرابط الموضوعي ) حتى على مستوى (التخييل السردي ) هو مفاتيح وأدوات الدخول إلى العالم الأزرق (فيسبوك ) ، وهي مصادفة نادرة لا أصل لها في ذهن المتلقي (أفق الإنتظار ) كما يحدث في الرواية التقليدية .

2. جرت أحداث الرواية خارج أطر (الزمان الكرونولوجي ) وتبعثرت بين الأمكنة الإفتراضية التي أفلت منها بطليّ الرواية من مسببات (فردية ) هي أشبه بالحيلة السينمائية ، فكانت شبهة  التعرض لتأثير محدر لدى بطلة النص هي المقابل لحالة التسمم التي تعرض لها بطل النص ، لتبدأ رحلة (الإنحلال ) من سيطرة (الزمان والمكان ) الطبيعيين في موقعين مختلفين من العالم (جنوب إفريقيا ، الأمارات العربية ) مع وجود تحديد ماهوي مسبق لكليهما ( المغرب ، السودان ) .

2.أضفت واقعة الإفلات (اللا إرادي ) التي تعرض لها بطليّ الرواية جوا من الترقب والتشويق لدى المتلقى الذي أصبح نهبا لسلسلة من الأسئلة التي لا يقدم النص لها إجابات في حينها إلا من خلال (التأويل الفلسفي ) للرموز والعلامات التي إشتغلت عليها هذه الرواية ، وتتناسل الأسئلة من هذه العلامة الكبيرة : غياب الأم عند الطفلة وفقدان الأب عند البطل (رفيق القط ) ..ماهي دلالة ذلك ؟.

وبالإشارة إلى حالة التيه (الغيبوبة ) التي تعرض لها بطلىّ الرواية والتي كانت مدخلهما (القدري ) إلى التعرف على بعضهما البعض ، نجد أن رمزية فقدان (مفتاح الشقة ) وكسر الباب وخلو هذه الشقة من (أسرة البطلة ) التي كانت موجودة قبل أن تهب (الريح الصفراء ) والتي هي المقابل الموضوعي لفكرة الفناء ( تهديد أمن كوكب الأرض ) وهي الفكرة التي عملت (هي ) على تطويرها طوال فصول الرواية ، كيف تحولت الأزمة الوجودية الفردية التي عانى منها بطليّ الرواية إلى حالة كونية ، وهل كان متسقا من حيث السياق أن يغرق العالم داخل (دوامة إليكترونية ) لا متناهية لتتحقق رؤية بطلة الرواية للمستقبل ؟!.

وما دفعنا به فيما يختص بثنائية الحكي والخطاب في هذه الرواية يأتي من كون أن خاصية الكتابة السردية التفاعلية التي تعنى بتعدد الأصوات في داخل النص بصيغة ( كتب هو ، كتبت هي ) يجعل من الصعب أن تتطابق أو تتماهي (وجهات النظر ) بينهما حول ( رؤية العالم ) أو واقع الحياة حتى على مستواها الإفتراضي ، إنفردت بطلة الرواية بعوالمها المتجذرة في سينما ( هوليوود ) كحلقة أصيلة في بناء (عالمها الإفتراضي الأول ) قبل أن تدخل في مرحلة (التيه ) مما إستدعى حضور (ناسا ) بمفرداتها الفيزيائية والفنية الدقيقة .

وفي غمرة إنفعال الكاتب عبدالواحد ستيتو بحاجته إلى العودة إلى الجذور (الثقافية ) والإنسانية التي تجسدت في (مدينة طنجة ) مسقط رأسه كانت صورة الروائي المغربي محمد شكري تطل برأسها دون أن نلحظ ذلك في لحظتها ، وكانت بطلة الرواية في الضفة الأخرى تنصب خيمتها في (مقرن النيلين ) في الخرطوم ، فتجلى مضمون (العودة إلى الوطن ) كحلم أو كابوس ثقيل كان يقض مضجعيهما ظاهرا ، إلا أن بطلة الرواية (التي جاءت في النص بلا إسم ) كانت تشير إلى (هوية ثقافية ) أخرى لها تأثيرها (البنيوي ) عليها ( تذكيرا وتخيلا ) : الأمارات العربية وتطورها التكنولوجي والعلمي وما تملكه من أدوات وأليات للبقاء في المستقبل ( معامل ، طاقة ، مراكز بحوث علمية ) وغيره .

لتكون علاقة بطل الرواية بكيب تاون في جنوب إفريقيا عابرة وسطحية من حيث إرتباطه بالمكان ثقافيا وماديا ، فقد كان سخطه على سكن الطلاب كناية عن تخليه عن علاقته غير المحددة بالسائحة البيضاء التي لم تظهر مرة أخرى في نص الرواية ، ولتقابل (الريح الصفراء ) حالة القطيعة على مستوى الذاكرة بالنسبة لعلاقات المغترب بالمكان ، فكانت رحلته القارية من كيب تاون إلى الخرطوم التي كانت هي الأخرى محطة سيتركانها إلى (أبوظبي ) ، ترى كيف تحققت على مستوى السرد تلك الرحلات الإفتراضية ما بين دول ومدن تفصل بينها ألاف الأميال ، وإن بدت بعض ملامح (أدب الرحلة ) إلا أنها لم تكن كذلك لغياب عنصر الوصف الحي للناس والأمكنة نتيجة للإنقراض أو الفناء مما حتم على الكاتبين أن يتحدثا عن ( عالم خالي ) من الوجود البشري تماما وبالنتيجة يكون هذا العالم بلا جغرافيا محددة .

وفي قراءة أكثر إتساعا لما يمكن أن يحتوي عليه نص هذه الرواية (في حضرتهم ) نجد أن (الحلم الشفاهي ) الذي تم تسريده بواسطة (أن الصافي ، عبدالواحد ستيتو ) نجد أن :

- أن عملاق التواصل الإجتماعي (فيسبوك ) هو المنطلق والأرضية التي إنطلقت منها حيثيات هذا الحلم الذي يستشرف بصورة ما مستقبل العلاقات الإنسانية في مرحلة ما بعد ثورة الإتصالات (رقمنة الحياة ) لتكون كتابات (هي ) أقرب إلى ما تكون قد إستغرقت في حالة تناص (نسبي ، مضموني ) مع (كافكا ) في تجسيده لحالة إنسان مابعد الحداثة وتقزمه أمام (الألة ، التكنولوجيا ) في الغرب الصناعي (مدن بلا روح ) .

- كشف نص رواية (في حضرتهم ) عن نوع من (الهويات الثقافية المتعددة ) بتعدد الأمكنة وتداخل الزمان في بناء الشخصية الروائية بمقابلها المادي في صورة (المغترب ، المهاجر ) ، وقد أظهرت ثيمة (الحنين للأم ، الأب ) لدى كاتبيّ النص ذلك النزوع النفسي (الكثيف ) إلى العودة إلى نقطة (البدايات ) في التخليق وتوزيع النوع والإنحلال من الفرضيات والأحكام المسبقة والتمرد على الطبيعة وإعادة تشكيلها (تقنيا ) بما يشبه الرفض لواقع الحياة التي لخصها (هو ) في مقلوب مقولة سارتر (الجحيم هو الأخرين ) بينما بقيت بطلة الرواية على موقفها الرافض لإقامة (علاقة إنسانية سوية بينها وبين الناجي الوحيد في الكوكب ) تعبيرا عن رفضها لإستمرار هاجس الغربة وتجلى ذلك من خلال توظيفها للتأريخ ( مشروع اللوتس ) في أرض الأجداد ( الخرطوم ) التي هي ( طنجة ) عند بطل النص ، لكن هل كان قبولها لخيار البحث عنه ( من خلال رواية القط أرض ) في طنجة إشارة لعودتها (أنثى ) خارج العالم الإفتراضي وهل تمكنت من الخروج من الحلم بما يكفي لأن تكون (إضاءة البطارية | النور ) في خاتمة الرواية إيذانا بإنقشاع الظلام والعودة إلى الحياة الواقعية في نهاية الحلم ؟!

Dr.Randa
Dr.Radwa