الخميس 25 ابريل 2024

مكافحة الفساد.. والحفاظ على مستقبل الوطن

مقالات29-7-2021 | 12:34

دأبت مصر في السنوات السبع الماضية على تبني سياسات جديدة من شأنها إعلاء قيم النزاهة والشفافية بالتوازي مع المضي قُدما في رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030 وذلك في ظل الارتباط الوثيق بين الجانبين وهو ما تجلى في حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة على إيلاء أولوية قصوى لمسألة مكافحة الفساد وحمل مهمة مكافحته بكافة السُبل والوسائل على عاتقه بكل مؤسسات الدولة ودون أي محاباة لأي شخص مهما كان وضعه مطلقا شعار "لا أحد فوق القانون".

 وفي سبيل تحقيق ذلك دعا سيادته - خلال الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر عام 2014 بمقر هيئة الرقابة الإدارية-  إلى تبني استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد وهو ما تجسد على أرض الواقع في إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بمرحلتيها الأولى (2014-2018)، والثانية (2019-2022).

وتقوم اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد والتي يرأسها مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء تحت إشــراف هيئة الرقابة الإدارية، بتنســيق الإشــراف على الاســتراتيجية وتنفيذها وتطوير ممارسات لمنع الفساد، كما أنها مسـئولة بين أمور أخرى عن إجراء تقييمات دورية للقوانين واللوائح المتعلقة بمنع ومكافحة الفســاد لتحديد مدى ملاءمتها وتوافقها مع الاتفاقيات الدولية التي صــدّقت عليها مصــر.

هذه الإرادة السياسية لمكافحة الفساد في الممارسة، جاءت بالتوازي مع وتطبيقا، لإطار قانوني ودستوري، يجعل من مكافحة تلك الآفة أحد الأهداف والواجبات الرئيسية للدولة المصرية، إذ نصت "المادة 218" من دستور مصر على أن "تلتزم الدولة بمكافحة الفساد، ويحدد القانون الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بذلك، وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها في مكافحة الفساد، تعزيز قيم النزاهة والشفافية ضماناً لحسن أداء الوظيفة العامة والحفاظ على المال العام، ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية وذلك على النحو الذي ينظمه القانون".

من هنا شاهدنا الرئيس عبد الفتاح السيسي يوجه في كثير من كلماته في مناسبات مختلفة رسائل شديدة اللهجة للفاسدين والمفسدين محذرا من محاولة العبث بمستقبل الوطن، كما أنه تم الكشف خلال فترة السبع سنوات الماضية عن عدد كبير من قضايا الفساد، وصدرت قرارات بإحالة مسئولين في أجهزة حساسة إلى القضاء لاتهامهم بالفساد، وأُقرّت العديد من التشريعات الموجهة لمكافحة الفساد، ولم يكن ذلك ليحدث ويُعلن لولا حرص القيادة المصرية الواعية والمخلصة على كشف الفساد في أي مكان.

كما يعكس هذا الاهتمام من قبل القيادة السياسية بشأن مكافحة الفساد الخطاب السياسي للرئيس السيسي بما يتضمنه من كلمات وخطب وحوارات وتصريحات في العديد من المناسبات، والذي تتضمن مفرداته توجيه العديد من الرسائل التحذيرية ضد أي جرائم فساد، ومنها على سبيل المثال.. جلسة "اسأل الرئيس" على هامش المؤتمر الوطني السادس للشباب، الذي عُقد في يوليو 2018، حيث أثار الرئيس عبد الفتاح السيسي القضية الخاصة بفساد رئيس مصلحة الجمارك، موضحًا أن القضية متكاملة الأطراف، وأمام النيابة الآن وهي جهة قضائية مستقلة منفصلة لا أحد يستطيع فرض رأيه عليها... والفساد لن يحارب بالخواطر ولا بالتوعية، الفساد يحارب بمنظومة كاملة لمجابهته بما فيها تحييد العامل البشري"..  كما أكد الرئيس على أن الإسراع في تطبيق منظومة الميكنة الحكومية يقلل من فرص الفساد في الدولة، لافتا إلى أن الدولة ستعمل على وضع خطة حقيقية للقضاء على الفساد والفاسدين.

وأمام الجلسة الافتتاحية للمنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد والذي أقيم في يونيو 2019 بمدينة شرم الشيخ، أكد الرئيس السيسي أن مصر قطعت شوطاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة في مجال مكافحة الفساد بمختلف صوره، واهتمت بإجراء البحوث والدراسات واستطلاعات الرأي بهدف تعقب أسباب الفساد والوقوف على قياسات حقيقية له، كما أكد علي ذلك أيضا في  "المؤتمر الوطني الثامن للشباب" الذي عُقد في سبتمبر 2019.  

وعلى الرغم من الشوط الطويل الذي قطعته الدولة المصرية في مكافحة الفساد وتعزيز قيم النزاهة والشفافية فيما تشهده من خطوات ومشروعات تنموية كبرى في العديد من المجالات، فلايزال هناك بعض التحديات والعقبات التي تقف عائقا أمام هذا الأمر من جانب بعض المؤسسات والأجهزة التي يفتقد مسؤولوها إلى تطبيق المعايير الصارمة للشفافية والنزاهة في أعمالها ومشروعاتها التنموية لخدمة المواطنين.

المثال الواضح على ذلك ما يحدث في مدينة القاهرة الجديدة-  مقر إقامتي- فمنذ عدة أشهر وجد سكان القاهرة الجديدة أنفسهم أمام البدء في عمليات توسعة لعدد كبير من الشوارع والمحاور المرورية المحيطة،  ولا أعتقد أن أي عاقل يعترض على التنمية والعمران ولا علي أن يعيش في مكان جميل ونظيف... إلخ - وسوف أتحدث هنا عن نموذج يجري العمل به - قد يتكرر في مناطق أخرى بأنحاء مصر - وهو منطقة آرابيلا وميدان آرابيلا وغرب آرابيلا بالتجمع الخامس.

 قبل عيد الأضحى ظهرت الجرافات والشاحنات واللوادر وتم وضع كرفانات في المنطقة، وقام العمال التابعون للمقاول المسئول عن المشروع بتكسير الأرصفة والإنترلوك الذي تم تركيبه منذ ما يقرب من عامين، وكان قاطنو المدينة في انتظار أن تبدأ عملية زراعة المنطقة بعد أن تم تركيب مواسير مياه الري والتي تم العمل بها وتوصيلها بعد الانتهاء من تركيب البلدورات والانترلوك، وقد لاحظت مثل كل سكان المنطقة أنه خلال تركيب الانترلوك تم الاعتماد على عدد من الصبية ممن ليس لديهم أي خبرة في هذا المجال، وبالتالي كانت هناك عيوب عديدة في عمليات التركيب التي كانت سيئة جدا.

 ومما زاد الطين بلة أنه تم الاعتداء على البنية الشجرية الخضراء وتحميلها على مركبات النقل لإلقائها في أكوام القمامة خارج القاهرة الجديدة، مما يُعد إهدارا للمال العام وضياع ملايين الجنيهات، التي أُنفقت على تنسيق تلك الحدائق، والتي هي من جيب دافعي الضرائب، وللأسف تم ذلك دون أي رقابة أو محاسبة.

المشهد الثاني الذي أزعجني هو إقامة ميدان (صينية آرابيلا) والذي مساحته أكبر من ميدان التحرير نفسه.. وبالتالي بعد فترة يتم هدمه وتكسيره لتصغير مساحته بحجة توسيع الطريق، وكذلك بحجة إقامة شبكة صرف صحي لما تعانيه القاهرة الجديدة من خسائر فادحة عند هطول الأمطار، ومن هنا أتساءل عن المنطق والفائدة وراء القيام بإقامة ميدان كبير أمام مول تجاري ضخم يشهد صعوبات كبيرة في المنطقة المحيطة به، وزحاما شديدا بجواره؟ وما الجدوى من إقامة ميدان آخر كبير  بمنطقة غرب آرابيلا؟ .

للأسف الشديد الإجابة على تلك التساؤلات تدل على أن التنفيذ يتم بدون رؤيه واضحة للأعمال التي يجب تنفيذها - بالمخالفة للقانون - أي أن التنفيذ يجري بدون خطة واضحة للأعمال في المنطقة وبدون تنسيق مع باقي الأجهزة - وكان يجب أن توضع الخطة للمنطقة قبل تنفيذ أعمال المرافق - وكل هذا يمثل جرائم إهدار للمال العام، ما يجعل الخسائر تتراكم وتتعاظم تماما كما كان يحدث منذ عقود عندما كان يتم تركيب شبكة التليفونات الأرضية، فيبدأ الحفر وبعد الردم وسفلتة الطريق بأيام، يُعاد الحفر مرة أخرى لتجديد أو تأسيس شبكة الكهرباء، ثم تتكرر المأساة لشبكة المياه وكأن القدر قد ابتلى البلاد بأدمغة غير قابلة للتطوير والتنسيق، إن لم يكن بعضها متهما بالفساد والإفساد بغرض التربح من وظيفته بالتعاون مع شبكة مقاولي القطاع الخاص القائمين بأعمال الهدم والحفر، وتوريد الأشجار الجديدة وبلدورات الأرصفة والبلاط.

رأيت هنا ضرورة أن أوضح وجهة نظري لما هو مذكور من تنفيذ الشيء وهدمه ثم إعادة تنفيذه مرة أخرى، ناهيك عن الإهمال الذي تتعرض له المنطقة من قبل المسئولين، وذلك في إطار دور كل مواطن إزاء ضرورة كشف الفساد والحفاظ على المال العام، وليس هناك شك أن في كل مكان بعالمنا الذي نعيش فيه يوجد الخير والشر، فلم يعرف العالم يوما مجتمعا مثاليا إلا في "مدينة أفلاطون الفاضلة" وكالعادة يتصارع الخير والشر معا بشكل دائم، لكن المشكلة تكبر وتتعقد إذا كان المطلوب هو مكافحة الشر، ويمثله في حالتنا "الفساد" في دولة ناهضة يصل عدد سكانها إلى أكثر من 100 مليون نسمة .

باختصار، نحن أمام مهمة صعبة ومتشابكة وجسيمة، لكن حرص القيادة السياسة والحكومة المصرية يؤكد أن مصر قادرة بقيادتها وشعبها على القضاء على الفساد والمفسدين .

أحمد سلام.. المستشار الإعلامي الأسبق في بكين

Dr.Randa
Dr.Radwa