الجمعة 26 ابريل 2024

30 يونيو.. ثورةُ شعبٍ وجيش (9)


د. شريف درويش اللبان

مقالات25-7-2021 | 13:59

عجيبٌ أمرُ من يُطلقون بين الحين والآخر دعوات المصالحة مع جماعة «الإخوان» الإرهابية متجاهلين كل حقائق التاريخ البعيد والقريب والمعاصر الماثلة للعيون على أرض الواقع والتي لا يراها سوى مَن يفتقدون البصر والبصيرة السياسية ويعتقدون أن المياه لا تجري في البحر مرتيْن وأن إخوان اليوم غير إخوان الأمس؛ فالتاريخ يقول إنه بعد قيام الجماعة باغتيال محمود فهمي النقراشي (باشا) رئيس الوزراء مصر والقاضي أحمد الخازندار في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حدث نوعٌ من المصالحة بين عبد الناصر وقادة ثورة 23 يوليو 1952، وأصبح لهم صوتٌ مسموع لدى مجلس قيادة الثورة، وظنوا أنهم قادرون على أن يفرضوا على قادة الجيش الثائرين رؤاهم وسياساتهم في التعامل مع الأمور، وعندما تصدى لهم عبد الناصر، فما كان منهم إلا أن حاولوا اغتياله في حادث المنشية الشهير بالإسكندرية عام 1954 للتخلص منه والوصول إلى قمة هرم السلطة في البلاد.

وبعد هذا الحادث، تم القبض على مئات الإخوان، إلا أن عبد الناصر خفف قبضته عليهم مرةً أخرى عسى أن ينصلح حالهم، فما كان منهم إلا أنهم كانوا يخططون لإسقاط الدولة من خلال مخطط رسمه سيد قطب بُغية الاستيلاء على السلطة وإبعاد عبد الناصر ورفاقه من قادة ثورة يوليو من على قمتها، وهو ما أدى إلى الزج بعدد كبير منهم في السجون والمعتقلات جراء ما ارتكبته أيديهم، وهو ما تسبب في الخصومة التاريخية بين الإخوان وناصر، وهو ما ظهر جليًا حين قال محمد مرسي في خطاب تنصيبه رئيسًا بميدان التحرير: "الستينات وما أدراك ما الستينات".

وعندما تولى الرئيس الراحل أنور السادات رئاسة البلاد، ومع علمه بكل التاريخ الأسود للإخوان إلا أنه كان يواجه أوقاتًا صعبة وعصيبة مع اليساريين والناصريين في النقابات العمالية والجامعات؛ فتصالح مع الإخوان وأخرجهم من السجون ليتصدوا لمعارضيه باسم الدين، فما كان منهم إلا أن أمرهم قد استفحل، وقاموا بتفريخ تنظيمات أخرى متطرفة، وتم اغتيال الشيخ الذهبي، بل انتهى الأمر باغتيال السادات نفسه الذي تصالح معهم ومنحهم فرصة لم يكونوا يحلمون بها بالخروج إلى النور والعمل العام.

ولم يحصل الإخوان على مكاسب مثلما حصلوا عليها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فقد استولوا على النقابات وأنشأوا المستشفيات والمستوصفات ليستقطبوا عامة المصريين ليوم قد يحتاجون فيه إليهم لكي يصلوا إلى سُدة الحكم في مصر، ودخلوا مجلس الشعب مرة تحت عباءة حزب العمل ومرة تحت عباءة الوفد ومرة ثالثة كمستقلين عام 2005، وهى المرة التي حصلوا فيها على أكبر عدد مقاعد في البرلمان في تاريخهم حتى ذلك الحين، ولم يكونوا يمانعون مع كل هذه الامتيازات التي سمح لهم مبارك بها في أن يورث مبارك الحكم لابنه جمال، ورغم ذلك كله فإنهم انقلبوا على مبارك عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011، وخاصةً عندما أيقنوا بسقوط نظامه يوم جمعة الغضب، حيث أعلن مكتب الإرشاد الانضمام إلى الثورة واللحاق بها بعدما أعرضوا عنها عند الدعوة إليها.

وعندما تصالح ثوار يناير مع الإخوان وقبلوهم كفصيل وطني وسمحوا لهم بالانضمام إليهم في ميدان التحرير، فما كان من الإخوان إلا أن انقلبوا عليهم وباعوهم على مائدة المفاوضات مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وقتها مقابل أن يكون لهم حزبٌ سياسي واعتراف الدولة بهم وعدم ملاحقة محمد مرسي ورفاقه الذين فروا من سجن وادي النطرون، بل إن مرسي نفسه جلس على مائدة المفاوضات مع اللواء عمر سليمان ممثلاً لجماعة الإخوان، واستمر الإخوان في خِسَتهم ونذالتهم ومضوا في تأسيس حزبهم السياسي، وسحبوا الشرعية من الثوار بعد حصولهم على الأغلبية في الانتخابات لتصبح "الشرعية للبرلمان وليست للميدان". ولم يكتفِ الإخوان بخيانة الثوار بل أراقوا دماء الثوار بدمٍ بارد على أسوار قصر الاتحادية ومرسي يقبع في مَكْمَنِه داخله، رغم أنهم كانوا شركاء الثورة بالأمس القريب؛ الثورة التي امتطوها ليصعدوا إلى قمة السلطة في مصر..!.

وعندما حاول الإخوان أن يقنعوا الشعب المصري ويتصالحوا معه بعد ثورة يناير، وقالوا إنهم لمصلحة هذا الشعب لن ينافسوا على الانتخابات الرئاسية ولن يقدموا مرشحًا رئاسيًا وعزلوا عبد المنعم أبو الفتوح لإعلانه الترشح دون رغبة الجماعة ومكتب إرشادها، وأنهم لن ينافسوا سوى على ثلث مقاعد مجلس الشعب، بل إنهم تصالحوا مع الأحزاب السياسية وكونوا ما يسمى بـ "التحالف الديمقراطي" لإتاحة الفرصة لمختلف القوى السياسية للانضمام إليه بحجة أن مصر تحتاج إلى تكاتف جميع أبنائها، وعندما جد الجد انقلب الإخوان على الشعب والأحزاب ونسوا كل وعودهم بالتوافق وشعار "مشاركة لا مغالبة" الذي أطلقوه وقتها، فقدموا مرشحيْن للانتخابات الرئاسية وليس مرشحًا واحدًا، وعند توزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية على أحزاب "التحالف الديمقراطي" تراجعوا في وعودهم مع معظم الأحزاب السياسية التي انسحبت من التحالف الديمقراطي دون أن يكون لديهم الوقت للدعاية الانتخابية مكتفين بالدعاية للتحالف الديمقراطي الذي أنشأه الإخوان، وقاموا من خلاله بأكبر عملية نصب سياسي في التاريخ، وقدموا مرشحين على كل مقاعد المجلس، ليضمنوا عدم وجود فرصة للأحزاب المختلفة للدعاية الانتخابية، ليحققوا الأغلبية المرجوة في المجلس بعد الانتخابات.

ورغم التقارب بين الإخوان وقادة الجيش الذين قاموا بـ "حركة الجيش" في 23 يوليو 1952، وإطلاقهم كلمة "المباركة" على هذه الحركة عقب قيامها، وسعيهم لحكم البلاد بعد عودة الجيش إلى ثكناته، إلا أنهم انقلبوا على عبد الناصر وحاولوا اغتياله، وعقب ثورة يناير وتولي "المجلس العسكري" بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق إدارة المرحلة الانتقالية أعاد الإخوان الكَرَة مرةً أخرى، حيث كان الإخوان يتقربون من المجلس العسكري ويحرصون على التفاهم معه في كل صغيرة وكبيرة في تفاصيل المرحلة الانتقالية، وتجسد ذلك بجلاء في هتاف الإخوان للمجلس العسكري وللمشير طنطاوي في ميدان التحرير "يا مشير .. أنت الأمير"، ثم سرعان ما انقلب الإخوان على المشير والمجلس العسكري بل والقوات المسلحة المصرية برمتها عندما بدأوا يهتفون ضدها "يسقط .. يسقط .. حكم العسكر"، لكي يُسرعوا الخُطى بالمرحلة الانتقالية ليستولوا على السلطة، غير آبهين بأنه لولا القوات المسلحة المصرية لسقطت البلاد في براثن الفوضى والانفلات مثلما حدث في دولٍ عربية أخرى، وأنه لولا القوات المسلحة المصرية وانحيازها إلى الشعب لم تكن لتنجح الثورة في إزاحة مبارك عن سُدة الحكم ووقف مشروع التوريث الذي كان قد أوشك على وصوله إلى مرحلته الأخيرة.

إن خيانة الإخوان للشعب والجيش والثوار والقوى السياسية لها تاريخٌ طويل .. كما أن حنثها بالوعود ونكوصها على تعهداتها ، ونقض مصالحاتها مسألةٌ تجري منهم مجرى الدم .. وفي الأسبوع القادم نستكمل قراءتنا المعاصرة للمبادرات الإخوانية للمصالحة.

إن "المصالحة" لُعبة إخوانية لا تلجأ إليها الجماعة إلا وهى في أشد حالات ضعفها، أو إذا كانت تستشعر الخطر المحدق بها، أما إذا كانت الجماعة تستشعر في نفسها القوة فلا تلجأ لهذه اللعبة بل تقوم بالتمادي في التهديد والوعيد وفرض الشروط التعجيزية لأنها في موقف تعتقد أنه موقف القوة. وقد لاحظنا تطبيقًا فعليًا لهذه الاستراتيجية الإخوانية أثناء اعتصاميْ "رابعة" و"النهضة"؛ فعديدٌ من الوساطات الأمريكية والأوروبية والقطرية والإماراتية بل وبعض العقلاء من المصريين تدخلوا للوساطة بين الدولة والجماعة لفض الاعتصام بطريقة سلمية، ولم تأبى الدولة ذلك، بل رحبت بكل وساطة تستهدف حقن الدماء، لأن الدولة المصرية دائمًا ما تسعى لعدم التفريط في قطرة دم واحدة مصرية أيًا كان صاحبها، ما دام وُلد على هذه الأرض وتُظلله نفس السماء وشرب من ماء النيل.

وقد فهمت جماعة "الإخوان" خطأً أن ترحيب الدولة بهذه الوساطات هو انعكاسٌ لضعفها وخوفها من الجماعة وأنصارها واعتصامها المسلح والإرهابيين الذين استدعوهم للمشهد وبدأوا أعمالهم الإرهابية في سيناء بالتنسيق مع الجماعة، فاستبد بها غرور القوة المُتَوَهَمَة، وصارت تُملي شروطها على الدولة من خلال الوسطاء، وكانت شروطًا ثلاثة لا تتغير: عودة الرئيس المخلوع مرسي إلى قصر الاتحادية، عودة مجلس الشورى الإخواني، عودة دستور الجماعة الذي تم إعداده بليلٍ في غيبة ممثلين عن مختلف فئات الشعب المصري الذين قاطعوا جلسات إعداده.

ولم تبدأ أول دعوة إخوانية للمصالحة إلا حينما انقطعت سلسلة الوساطات وامتناع الوسطاء لتعنت الإخوان وصلفهم، وعندما استشعر الإخوان أن الفض قادمٌ لا محالة أرسلوا وسيطًا للمصالحة، إلا أنه ويا للعجب طرح الشروط نفسها للمصالحة، التي سبق أن رفضتها الدولة لأنها شروط تتجاهل المواقف على أرض الواقع، وتتعامى عن ثورة المصريين في 30 يونيو ضد الجماعة ورئيسها. ويبدو -من وجهة نظرنا- أن هذه المصالحة الصورية التي طرحتها الجماعة، جاءت من قبيل إبراء الذمة لكي تقول إنها عرضت المصالحة لفض الاعتصام سلميًا إلا أن الدولة أبت ولجأت إلا فض الاعتصام بالقوة لكي تضع الدولة في موضع الاتهام، وهى لُعبة أخرى تجيدها الجماعة تدعى لُعبة "المظلومية".

والدليل على صِدق مقولتي أن الجماعة لم تطرح أية مصالحة بعد فض الاعتصام، بل آثرت المواجهة المسلحة مع الدولة المصرية، من خلال عدة آليات للمواجهة منها تصعيد الأعمال الإرهابية في سيناء من خلال قطعان الإرهابيين الذين جلبهم مرسي وجماعته من كل حدبٍ وصوب لرفع السلاح في وجه الدولة إن تم إبعادهم عن الحكم، ومنها الدعوة إلى المواجهة المسلحة مع الدولة يوميْ 31 أغسطس و6 أكتوبر 2013، وهما الحدثان الأكبر في المواجهة مع الدولة، حيث شارك فيهما إرهابيون من دولٍ شتى، تم ضبطهم في أحداث مسجد "الفتح"، وتم توزيع الرشاشات الآلية التي تحملها السيارات نصف النقل في ميدان وشارع رمسيس، ومنها استهداف ضباط الشرطة والجيش والقضاة والأكمنة، ومنها تدمير أبراج الكهرباء وامتناع أعضاء الجماعة عن دفع فواتير الماء والكهرباء والغاز، ومنها استهداف مديريتيْ أمن الدقهلية والقاهرة واغتيال النائب العام، ومنها المظاهرات المستمرة ضد الدولة والرئيس، ومنها نشوء الحركات الإخوانية المسلحة مثل حركة "حسم" .. لقد قررت الجماعة الانتقام من الرئيس والدولة والشعب والجيش والشرطة والقضاة وكل من اعتقدت أنه كان سببًا في إزاحتها عن الحُكم الذي حلمت به لمدة 83 سنة وأرادت أن تمكث فيه 500 سنة..!.

وبعد أن انكسرت الجماعة أمام قوة الدولة المصرية ووعي الشعب المصري الذي لم ينضم إليها يومًا في مظاهرة ولم يلبي نداءاتها المتكررة بمقاطعة مشروع "قناة السويس" الجديدة أو مقاطعة الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية، وبعد أن وصلت الجماعة إلى أوج ضعفها بانتخاب المصريين الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية جديدة بأغلبية غير مسبوقة، بدأت الجماعة في ممارسة اللُعبة التي تجيدها "لُعبة المصالحة".

فقبل أن يمضى أسبوعٌ على إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية –كما يقول الأستاذ ياسر رزق- أطلق كمال الهلباوي القيادي الإخواني «السابق»، ما أسماه مبادرة للمصالحة، تبناها إبراهيم منير القيادي الدولي، بتشكيل مجلس حكماء، اختار الهلباوي أعضاءه من شخصيات عربية ومصرية لـ«إنقاذ ما يمكن إنقاذه»، وكأن مصر دولة على شفا الانهيار، لن ينقذها إلا عودة الإخوان للحياة السياسية وربما السلطة ..!.

ومن عجبٍ أن يتم عنونة مبادرات الجماعة أو مبادرات بعض أذرعها السياسية بعناوين عجيبة توحى بأن الدولة هي التي تقبع في موقف الضعيف وأنهم يعتلون موقف القوى، وكأن الدولة مأزومة والجماعة والمصالحة معها هو الذي سيقيل الدولة من عثراتها وسيخرجها من أزماتها، ومن بين هذه العناوين "الخروج من النفق المظلم"، ولا نعلم يقينًا أي نفق وأي ظلام، هل الذي تعبره الدولة أو ذلك النفق الذي سقطت فيه الجماعة إلى الأبد.

إن المعلوم بالضرورة لكلِ ذي عينيْن أن الدولة المصرية خرجت من النفق المظلم يوم ثارت على الإخوان، وأزاحتهم من على كرسي السلطة التي لم يستخدموها سوى في جلب الإرهابيين وتمكين الإخوان من كل مفاصل الدولة في مشروعهم الذي لا يمتلكون غيره وهو "الأخونة"، وكان كشف إنجازاتهم في عام حكمهم صفرًا كبيرًا لا يسر الناظرين من المصريين، وعندما خرجنا من النفق وعبرنا المرحلة الانتقالية وانتخبنا الرئيس السيسي كانت الإنجازات الكبرى التي لا يمكن إحصاؤها في الاقتصاد والإسكان وشبكة الطرق والغاز والبترول والكهرباء والزراعة والمزارع السمكية والسياحة والتصنيف الائتماني والتعليم.

إن الدولة المصرية التي خرجت من النفق المظلم الذي عبرته بعد عام أسود مظلم من حكم الجماعة لن تعود إليه تارةً أخرى، إن المصريين يعشقون النور والحياة وكرهوا ظلامية الجماعة الإرهابية بأفكارها المنغلقة، وظلامهم الذي أعادهم إلى عصر ما قبل اختراع الكهرباء. إن الجماعة عاشت جُلَ عمرها الطويل كجماعة سرية تحت الأرض في ذلك النفق المظلم الذي يتحدثون عنه والذي يقبعون فيه، ولن يستدرجوا مصر إلى هذا النفق المظلم مرةً أخرى .. إن مصر انطلقت إلى فضاءاتٍ مفتوحة رحبة على الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، وليس لديها وقتٌ تُهدره في ألاعيب "المصالحة" الإخوانية، ولاسيما أن هذه "المُصَالحة" لُعْبَةُ  خَطِرَة لا تُؤمَنُ عَواقِبُهَا.

ومن أسوأ دعوات المصالحة مع الإخوان ما أطلقَه عماد الدين أديب بعد الانتخابات الرئاسية الماضية؛ لأن دعوته جاءت في توقيتٍ يقول إن مصر جددت الثقةَ في رئيسها وقائدها وانتخبته لفترةٍ رئاسية ثانية بأغلبيةٍ كاسحة، ولم تُفلح كلُ دعواتِ جماعة «الإخوان» وأذرعها الإعلامية في مقاطعة المصريين للانتخابات، وهو ما يشى بحالِ الجماعة على الأرض من ضعفٍ وهَوَان، وتآكل مصداقيتها لدى الشعب المصري، وتلاشى قدراتها في الحشد لدعوات المقاطعة، وهو ما يعنى أمرًا واحدًا أن الجماعة قد ماتت وأصبحت نَسْيًا منسيًا.

إن عَرَابَ المصالحة الجديد الذى ينضم إلى عَرَابي المصالحة مع «الإخوان» الذين لا ينفك أحدهم عن المغيب حتى يظهرَ عَرَابٌ آخر جديد يبحث عن دور في ظل الدولة الجديدة التي تحاول أن تخلق منظومة مختلفة في مجال الإعلام بعيدًا عن عَرابي النظام المباركي السابق، لقد أثار الحوار الرائع الذى أجرته ساندرا نشأت مع الرئيس السيسي قبيل الانتخابات الرئاسية ذكريات البعض بذلك الحديث الذى أُجرى مع الرئيس الأسبق مبارك قُبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2005، فشعر أنه بعيد عن بؤرة الصورة، ولكن العودة إلى بؤرة الصورة بهذه الدعوة إلى المصالحة مع «الإخوان» على حسابِ دماءِ الشهداء من رجال الجيش والشرطة والمصلين من المسلمين والمسيحيين هي عودةٌ مغموسةٌ بالدم، ولا تُفيد أحدًا سوى جماعة «الإخوان» التي ترغب في العودةِ إلى الحياة مرة أخرى من عَبَاءة الليبراليين الذين طالما وصفتُهم بأقذعِ الصفاتِ والألقاب.

لقد كتبَ الشعبُ المصري بكلتا يديْه شهادةَ وفاةِ جماعةِ «الإخوان» حينما ثار ضدهم فى 30 يونيو 2013، وانحاز جيشُ الشعب إلى الثورة ولم يسمح لأيٍ كان أن يمسّ شعرةً من مواطنٍ مصري أو يلمسَ طرفَ ثوبٍ لمواطنةٍ مصرية خرجت للتعبير عن رأيها، وهى حريةُ التعبير التي حبسها «الإخوان» في صناديق الموتى الانتخابية.. وصدقوا الصناديقَ الصامتة ولم يُنصتوا لصوتِ الشارعِ الهادر ضدهم.

وبعد دعوتيْ القيادي الإخواني السابق كمال الهلباوي والصحفي عماد الدين أديب أتت ثالثةُ الأثافي، وهى مبادرة معصوم مرزوق للمصالحة مع الإخوان، والتي تشتم في كل بند من بنودها رائحة الإخوان ولون الدم الذي أسالوه وصوت طلقات الرصاص التي أطلقوها وتفجيرات القنابل التي قذفوها في وجوهنا، إن المبادرة التي كُتبت بليل بمِدَادٍ إخواني أسود تدعو في أولى بنودها إلى الدعوة إلى إجراء استفتاء على السياسات التي يتبعها الرئيس عبد الفتاح السيسي بحجة تأثير هذه السياسات السلبي على الطبقات الشعبية، وهو أمرٌ عجيب قي ظل إجراء انتخابات رئاسية مصرية تتسم بكل معايير النزاهة والشفافية، ولم يدعِ إخواني واحد بأنها مزورة، ولم تجرؤ أية دولة أو نظام مناصر للجماعة أن يطعن في نزاهة هذه الانتخابات، التي حصل فيها الرئيس على إجماع المصريين، ألم تكن هذه الانتخابات استفتاءً غير مباشر على مجمل سياسات الرئيس في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.

كما أن فكرة العزل السياسي التي طرحتها المبادرة لمن شاركوا في السلطة والبرلمان منذ عشر سنوات وحل الأحزاب المؤيدة للسلطة إذا كانت نتيجة الاستفتاء سحب الثقة من الرئيس، هي في حد ذاتها فكرة حمقاء رفضها الإخوان أنفسهم إبان حكمهم، بل وزادوا على ذلك عندما مدوا أيديهم لرموز النظام السابق الذي ثار المصريون عليه وجاءوا بهم في مناصب الوزراء والمحافظين وغيرها من المناصب القيادية بالدولة، كما أن العزل السياسي لا يجوز أن يُطبق على جماعات وأحزاب بأكملها، لأنه لا يجوز العزل السياسي إلا بحكم قضائي على كل حالة على حدة.

ولعل أغرب ما طرحته المبادرة العفو النهائي عمن يُحاكمون في قضايا تتصل بالسياسة من عشر سنوات، رغم أن الإخوان يعلمون جيدًا أن قضيتهم مع الدولة ليست سياسية على الإطلاق، فمَن يتخلى عن المعارضة السلمية ويرفع السلاح في وجه الدولة والوطن فإن قضيته ليست سياسية. إن الإخوان كانوا يريدون استلهام الحالة السورية في تطبيق مفهوم "المعارضة المسلحة" لإشاعة الحرب الأهلية في البلاد، وهو ما حمى الله مصر منه بفضل تماسك الشعب والجيش والشرطة في وجه أعداء الوطن.

لا أعلم كيف طاوعت معصوم مرزوق نفسه، وهو الذي قاتل في صفوف القوات المسلحة المصرية في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، في التغاضي عن حمامات الدماء التي أسالتها جماعة الإخوان الإرهابية في ربوع الوطن، كيف طاوعته نفسه في التسامح مع الذين رفعوا السلاح في وجه القوات المسلحة المصرية وزرعوا العبوات الناسفة في طريق مدرعاتها وآلياتها التي تسير على تراب هذا الوطن، كيف طاوعته نفسه في غض البصر عما فعلته الأجنحة العسكرية لجماعة الإخوان الإرهابية في مهاجمة أكمنة الجيش والشرطة بطول البلاد وعرضها .. إن قطرةَ دمٍ واحدة من جندي أو ضابط جيش أو شرطة أو قاضٍ أو مواطن يُصلي لله في المسجد أو الكنيسة لأعزُ عند الله من جماعةِ الإخوان بأكملها.

إن إعادة دمج الإخوان في الحياة السياسية هي فكرة مجنونة لا يطرحها عاقل، لأنه في كل الدول في مرحلة ما بعد الثورات يوجد ما يسمى بقوانين العدالة الانتقالية، وهى التي تُعاقب كل من ارتكب جريمة أو حرض على الدولة وجيشها وشرطتها وقُضاتها، واستهدف منشآتها، لكن العجيب أن تطرح هذه المبادرة عودة إرهابيي الجماعة مرةً أخرى إلى الحياة السياسية مع إخلاء الساحة لهم لكي ينفردوا بجموع المصريين الذين ثاروا ضدهم يوم 30 يونيو 2013 لكي يذيقوهم صنوف العذاب جراء ما ارتكبته أيديهم ضد الجماعة ومرشدها ورئيسها.

 والأدهى والأمر في المبادرة الدعوة لاجتماعٍ جماهيري لمناقشةِ المبادرة بميدان التحرير باعتباره ميدانَ الثورة، الثورة التي خانَها الإخوان بحرقِهم أقسامَ الشرطة واقتحامِهم السجون لكي يشوهوا الثورةَ والثوار، الثورة التي سقطَ فيها 840 من أطهر شباب مصر ليس بينهم شابًا إخوانيًا واحدًا برصاصِ قناصةٍ لا يعلمُ ماهيتهم سوى جماعة الشر وسفك الدماء، الثورة التي تركَهَا الإخوان في الميدان وذهبوا ليتفاوضوا مع عمر سليمان نائب الرئيس الأسبق مبارك لإنشاءِ حزبٍ سياسي يخوضوا به الانتخابات، الثورة التي أنهى الإخوانُ شرعيتَها بعد استيلائهم على مجلسِ الشعب بحجة أن الشرعيةَ للبرلمان وليس للميدان، الثورة التي خانَها الإخوان وأراقوا دماءَ الثوار على سور قصر الاتحادية ورئيسهم يقبعُ داخلَه.

إن ميدانَ التحرير محرمٌ على جماعةِ الإخوان أربعينَ سنةً يتيهون في الأرض، وعندما يعودُ الإخوان من أرض التيه سوف نسمحُ لهم بدخول الميدان أذلةً مطأطئي رؤوسِهم، وليس كما دخلوه أولَ مرة، لكي يُحَاكموا أمام الله وأمام الشعب على كل ما اقترفوه في حق هذا الشعب وجيشه وشرطته وقضاته ومسلميه ومسيحييه ومساجده وكنائسه لكي ينالوا جزاءَهم العادل بما اقترفتُه أيديهم التي يَقْطُرُ منها دماءُ الشهداء.

Dr.Randa
Dr.Radwa