الجمعة 19 ابريل 2024

الرسالة وصلت يا ريس

مقالات18-7-2021 | 13:56

لأنه يدرك قيمة الصدق ومعناه، وكم هو صعب أن تمارسه فى هذا الزمان الذى عز فيه الشرف، لم يستطع الرئيس السيسى أن يغادر منصة الاحتفال بإطلاق المبادرة الأضخم إنسانيا حول العالم "حياة كريمة" إلا بعد أن يعالج مخاوف وقلق المصريين حول تطورات أزمة سد النهضة.

 

ولأنه يدرك جيدا فارق المسافة بين إدراك الأزمة وأبعادها لدى العامة ولدى الدولة ومؤسساتها تحدث الرئيس السيسى مطمئنا المصريين أنه مثلهم تماما يدرك هذا القلق المشروع حول حقنا فى مياه النيل، لكن قلقه لم يتحول كما تحول لدى البعض إلى منغص للحياة أو باعث للإحباط أو اليأس أو جلد الذات أو محاولة للاصطياد فى الماء العكر لأجندات خبيثة، بل وقد تعلمنا معه منذ بيان الثالث من يوليو، الذى كان فرقانا بين فسطاط الفوضى وفسطاط استعادة الوطن والهوية وتجاوز التحدى، تعلمنا منه آنذاك أن الكلمة حين تصدر من قائد يمتلك أدواته تكون كحد السيف تقطع الشك باليقين وتؤسس لحركة حقيقية على الأرض، فحين أطل الرئيس السيسى ليعلن انحياز القوات المسلحة لنداء الجماهير التى طالبته بإنهاء حكم الإخوان لم يكن متفاجئا، بل كان مبصراً لذلك اليوم مبكراً وأعد النداء ما يلزم لإجابته وإنفاذه، كان يدرك الرئيس على أى شيء يقدم وعلى أى مسار يضع أقدامه ليس هو ومؤسسة القوات المسلحة وحدهم بل وطن بأكمله استجاب له الرئيس ووضع بصدق أمام تبعات إنفاذ إرادته، بل وضع أيضاً الخطط اللازمة للتحرك لحماية هذه الإرادة وإنفاذها، لم يتركنا عبثا فى مقامرة تصيب أو تخطئ بل رسم خارطة طريق تمتلك من مقومات النجاح ما يمكّن سفينة الوطن من الرسو على بر الأمان بعدما تلاطمتها الأمواج العاتية.

 

وهكذا أيضاً أطل علينا فى السادس والعشرين من يوليو، وهو يوم التفويض، حيث كان مبصرا للمخاطر وكيف أن قوى الإرهاب تتأهب لجولة من العنف لإخماد ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو، أو على الأقل إدخالها فى نفق مظلم قادر على عرقلة مسيرتها، وبالتالى نجح فى قطع يد الشر قبل أن تطال إرادة المصريين أو تحاول إسقاطها.

من كل ما سبق يتضح لنا أن الرئيس السيسى لم يلجأ يوما إلى عهد دغدغة المشاعر بالجمل القديمة التى كان البعض منا يستمتع بسماعها على الرغم من إدراكه أنها نوع من تطييب الخاطر ليس أكثر ولا أقل وأنها تخفى وراءها ضباب كثيف لا آخر له.

لم يخرج الرئيس السيسى ليطيب خاطرنا بكلام معسول بل خرج ليذكرنا بأن العنتريات لم تبن يوما وطنا أو أسست لأمان زائف وأن العصر اليوم ملك للأقوياء بمدى إدراكهم لزمانه وأدوات التحرك فيه.

خرج الرئيس علينا بعبارة جامعة مانعة وهى "عيشوا حياتكم" وهى عبارة دالة تبعث برسالة مفادها أن مخاوفكم التى تعيشونها اليوم نعلمها جيدا من سنوات وتجاوزت الدولة مرحلة القلق التى تعيشونها اليوم إلى مرحلة الإعداد لإزالة هذا القلق ومحو آثاره وأننا على درب أسسته خطوات للتعامل مع الأزمة بعضها مرئى ومسموع والآخر لا ينبغى التحدث به علنا لكن هذا المسار ليس له إلا عنوان واحد عريض ولافتة كبيرة كتب عليها أن أمن مصر المائى خط أحمر لا يمكن تجاوزه.. إذن لا يغرنكم من خطوات يتخذها عدونا تجاه أمننا المائى فكما محيت خطوات مشاها الإخوان والأتراك وأسيادهم ومن لف لفهم فى أحداث 25 يناير لفرض أمر واقع على المصريين ستمحى أيضاً خطوات عدائية أخرى جديدة ولن تتوقف يتخيل البعض أنه باستطاعته أن يفرض على المصريين ما لا يرضونه.

هكذا وببساطة يتجلى الفارق بين عبارة "كبر مخك" التى أطلقها الرئيس الراحل مبارك فى مجلس الشعب فى سنته الأخيرة فى الحكم وبين عبارة "عيشوا حياتكم" فالاولى تنم عن تجاهل مدمر لضوء أحمر ينذر بالخطر، أما الثانية فهى إشارة اطمئنان بأن قائد الدولة يدرك الخطر وحجمه بل يملك لتجاوزه أكثر من حل وفق ما تقتضيه الظروف والأحوال.

 

إن الرئيس السيسى وهو يطلق الجمهورية الجديدة التى كانت مجرد أحلام تداعب المواطن وصانع القرار فى عقود مضت يؤسس لها قانونا جديدا وهو ضرورة اعتزال منظّرى المنصات وبائعى الوهم عبر مواقع التواصل، وأن مكانتنا وقدرنا بين الأمم صنوان للعمل الدءوب ولا شيء غير ذلك، فلنهجر عصور "الهري" وزعماءه ونحن نتطلع إلى تغيير الواقع على أرض مصر ليليق بشعبها وبما صبر طوال السنين لنمارس حياتنا ونحن على يقين بأن النيل باق وأن حقنا فى مياهه باق إلى يوم يبعثون وكما دشن الرئيس السيسى الجمهورية الجديدة بانحيازه لأمنيات شعبه فى حياة كريمة سيأتى علينا يوم نتذكر فيه كم كنا متسرعين فى قلقنا حول مياه النيل وكم كان لدينا قيادة عظيمة كانت سابقة لقلقنا بالتخطيط وإعداد العدة ليحلو لنا العيش ويحلو المستقبل لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا ليتسلموا راية الوطن أبية عزيزة عصية على أعدائها.. حفظ الله مصر وقائدها ووفقنا وإياه إلى ما فيه خير البلاد.