الجمعة 19 ابريل 2024

ساويرس: ما أعرفش أمشي وجيبي مفيهوش فلوس! (2-2)

مقالات16-6-2021 | 11:46

عندما لم يرد المهندس نجيب ساويرس على اتصالاتي أكثر من مرة، قررت أن أترك له رسالة على الموبايل أدعوه فيها لحضور حوار الأسبوع بدار الهلال يوم السبت 5 أبريل 2007.
 
 وبعد أقل من ساعة، فوجئت باتصال من سكرتيرة مكتب ساويرس، أو بالأحرى مستشارته الإعلامية، تسألني: هل الهدف من وراء هذا الحوار هو الحصول على إعلانات من شركات آل ساويرس؟

قلت لها ما كان هو الحقيقة، وهدفنا من وراء عقد حوار الأسبوع مع ساويرس وهشام طلعت مصطفى: ذلك ليس هدفنا بالمرة.

 كنا وأولنا بالطبع الأستاذ عبد القادر شهيب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير المصور – في حينها- نفكر كثيرًا، ونبحث طويلاً في كيفية زيادة انتشار المجلة ورفع معدلات توزيعها في الأسواق والمكتبات، ولهذا استقررنا على دعوة الضيفين المليارديرين لحوار الأسبوع !

في يوم الحوار وقبل الموعد بساعة، تلقيت اتصالاً من المهندس ساويرس، لوهلة تصورت أنه سوف يعتذر وقلت لنفسي يادي النيلة، ولكن ضحكة ساويرس الشقية جعلتني أقول في سري: "الحمد لله.. الله حي.. ساويرس جاي".

" أنت عوزني أجي دار الهلال الساعة كام يا عم سليمان.. أوعى تزعل من عم دي.. أنا اللي بأحبه وأستريح له بأقوله يا عمي.. أنا أصلي سألت عليك ناس كتير وشكروا فيك.. وعرفت أنك نوبي وأنا بصراحة بحب النوبيين قوي قوي.. أنا باتصل لأني كنت في مشوار في باب اللوق وخلصته..يعني بقيت قريب منكم...أنا حابب أقعد شوية معاكم قبل الندوة ما تبدأ.. هي هتبدأ كام.. سبعة.. خلاص أنا جاي لكم الساعة ستة ونصف.. حلو كده.. قلت طبعاً بابتهاج: حلو الكلام.

قبل السادسة والنصف بـ5 دقائق نزلت لأكون في استقبال ضيف الحوار الكبير، وبمجرد أن نزل من سيارته الـB M W،  قال لسائقه: "اركن واطلع أشرب الشاي فوق الأستاذ سليمان نوبي زيك وأهل النوبة مشهورين بالكرم الشديد".

ولأنه مهندس وعاشق للجمال والمباني القديمة ذات الطرز البديعة، سألني ساويرس قبل أن يصعد سلالم الدار الشهيرة- اللي ياما طلعها عباس محمود العقاد  وفكري أباظة ود. طه حسين وكامل الشناوي وأحمد بهاء الدين وأم كلثوم وسعاد حسني ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، حينما كانت دار الهلال، في زمن فات، قبلة كبار المفكرين والفنانين والأدباء والسياسيين- برشاقة: هو فاروق حسني حط مبني دار الهلال ضمن قائمة المباني الأثرية والتاريخية ولا لسه؟ طنشت وعملت نفسي مش سامع. 

طوال المسافة ما بين دخول ساويرس باب الدار العتيقة، وحتى وصوله إلى مكتب رئيس التحرير، كانت عيناه تتحركان يميناً ويسارًا، تلتقط ما عبر عنه للأستاذ عبد القادر شُهيب حين قال: "طبعاً إنت محسود من زملائك رؤساء المؤسسات الصحفية بهذا المبنى التاريخي".

إليكم نص ما قاله لنا نجيب ساويرس الذي أثبت أنه في السياسة بيفهم تماماً كما يفهم في أمور المال والبزنس، وأن الاقتصاد شغلته ولن أقول لعبته!                            أترككم الآن تقرأون ما قاله لنا وكشف عنه ساويرس خلال ثلاثين دقيقة.


" أنا فاكر أنني عديت مع صحابي قصاد هذا المبني العتيق سنة 1971 لما كنت طالب في كلية الهندسة بجامعة القاهرة وبنعمل مظاهرات مع طلاب جامعة عين شمس، كنا أيامها ضد الرئيس السادات وسنة الحسم وعام الضباب، الكلام اللي كان بيقوله في خطبه وتصريحاته كل شوية حتى يبرر للشعب تأجيل شن حرب تحرير الأرض اللي احتلتها إسرائيل في حرب 1967".

كنت بأروح الكلية بسيارة فولكس فاجن (خنفسة) ولما كنت بأقعد مع زملائي الطلبة على الرصيف كان البعض منهم يتصور أنني عميل للمباحث وأتجسس عليهم، كانوا بيقولوا إزاي واحد ساكن في الزمالك يعارض السادات، ويشارك في هذه المظاهرات الضخمة ضد رئيس الجمهورية.. نجيب ده أكيد المباحث جندته عشان يكون عيناً علينا.

فضلت أشارك في المظاهرات عامي 1971 و 1972، وتعرفت على طالب ثورجي متحمس كان هو قائد وزعيم الطلبة آنذاك، وكان طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، واحتل الطلاب قاعة جمال عبد الناصر وكنت واحدًا منهم.. أكيد أنت طبعاً عارفه يا أستاذ عبد القادر، لأنك كنت قبلها طالباً بكلية الاقتصاد، أحمد عبد الله رزة، اللي حصل على درجة الدكتوراه من لندن من كام سنة ورجع مصر.

بيتهموني أني صديق لفاروق حسني، أيوه أنا صديق لوزير الثقافة ولو لقيته ماشي غلط مش هاسكت.. مش ها أسيبه لغاية ما يرجع للطريق الصحيح والصراط المستقيم.. صداقتي مع فاروق مش جريمة.. ياريت كل وزراء حسني مبارك يشتغلوا بهمة وذمة زي فاروق حسني.

 أيوه الحسد بأخاف قوي قوي منه.. لكن مش بأحط ده في بالي زي معظم المصريين، وعلى فكرة أنا ممكن أعرف الشخص الحاسد بمجرد أن أراه لأول مرة.
 
ما زلت حتي الآن أتذكر لما كانت أمي (السيدة يسرية لوزا) تأخدني صباح كل يوم جمعة أنا وسميح وناصف نزور منطقة الزبالين بأول طلعة المقطم ونفطر معاهم.. ليه؟ عشان نشكر ربنا على النعمة اللي إحنا فيها.

اثنان ممنوعان من دخول عمارتنا بالزمالك، الشيخ والقس، ده كان قرار أبويا أنسي ساويرس، ومشينا عليه ونطبقه حتى الآن.

أيوه أكتر ناس بيهاجموني بضراوة لما أتكلم في الصحافة أو الميديا هما إخوتي ناصف وسميح، بيقولوا لي أنت لما بتتكلم بتخسرنا كتير، ووزراء الحكومة بيزعلوا مننا لما بننتقد قراراتهم وسياستهم، بأحس إن إخواتي لسان حالهم يكاد يقول: اسكت شوية يا نجيب.. وبالبلدي كده نقطنا بسكاتك.

كنت بأسافر في أجازة الصيف إلى ألمانيا وسويسرا.. أبويا كان بيديني 50 دولار بس ويقول لي سافر وعيش حياتك، فكنت أعمل زي ما أي شاب مصري بيعمل.. غسيل السيارات وغسيل الأطباق في المطاعم.. كانت شغلانة حلوة وبتجيبلي فلوس كتيرة.. خاصة أن الدنيا هناك كانت بتمطر علي طول.

 أيوه أنا بقيت الحمد لله رجل أعمال إقليمي ودولي.. لكن إزاي أمشي وجيبي مفيهوش فلوس.. لازم يكون معايا في جيبي فلوس كاش.

أيوه نفسي أعمل حزب سياسي.. الأحزاب الموجودة أنا غير مقتنع بها.. لم ولن أدخلها أبداً.. أنا بفكر في تأسيس حزب جديد في كل حاجة.. في اسمه وهويته وتوجهاته وأهدافه.. إمتي يحصل ده.. الله أعلم .

كان أظرف ما قاله ساويرس خلال تلك الدقائق الثلاثين: أنا لا أعير عمري التفاتًا.. أنا جوايا طفل.. طفل وشقي.. أنا واقف عند سن الثلاثين.
 بكره الخميس الموافق 17 من شهر يونيو عيد ميلاد المهندس نجيب ساويرس الـ66، سنة حلوة يا نجيب.