الجمعة 19 ابريل 2024

عندما قال لي والدي دول غلطوا في اسمك وخلوه سليمان سليم!

مقالات28-4-2021 | 11:48

قال لي الحاج عبد العظيم ـ الله يرحمه ـ عندما أعطيته جريدة الحياة اللندنية ليقرأ القصة الخبرية التي نشرتها: "كويسة كويسة يا ابني.. بس دول غلطوا في الاسم وكتبوه سليمان سليم"!

 

 "لا ما غلطوش.. أنا اللي سلمت شغلي لمكتب جريدة الحياة بالقاهرة بهذا الاسم يا حاج"..

 

هنا أحسست بغصة كبيرة تجتاح وجه الحاج وهو يقول لي فيما يشبه الرجاء: "ما تعملش ده بعد كده"..!

 

حدث هذا في  ثمانينيات القرن الماضي.. وساعتها شعرت بحسرة والدي على أنني كتبت اسمي غلط ..ولم أذكر اسمه!.

 

كان الحاج عبد العظيم يفرح بشدة عندما يمسك بمجلة المصور أربعاء كل أسبوع ليقرأ ما كتبه ابنه، وكان يعطي المجلة للجيران والأقارب ليقرأوا ما كتبته، ولسان حاله يقول وهو فرحان ومزقطط: "شوفوا ابني كاتب إيه"!.

 

 

للأسف كنت مضطراً لأن أنشر ما أكتبه في الحياة بهذا الاسم المستعار حتى لا يغضب الأستاذ مكرم رئيس التحرير و يثور ويحولني إلى مجلس تأديب وبعدها يصدر قرارا فصلي من مؤسسة دار الهلال..

 

كنت وقتها صغيراً وفي بدايات مشواري الصحفي.. ومش حمل غضب الأستاذ مكرم العارم الذي كان دائماً مكشر عندما يدخل من باب دار الهلال.. ولكن لم يكن أمامي حلاً آخر سوى الكتابة في الحياة وغيرها من الصحف العربية والخليجية باسم مستعار.. ويقيني أنه كان يعلم بما أفعله ويفعله مثلي زملائي في المجلة.. ولكنه يعمل نفسه مغمض.. مش عارف.. ومش شايف.. !..

 

 كان مبرر رفض الأستاذ أن نكتب بره المجلة: "هو أنا كل مأ أعلم صحفي ويبقي شاطر وواعد ييجي جرنال تاني يخطفه "!..

 

 وللحق فإن الأستاذ مكرم كان لديه الحق و معه المنطق في هذا الرفض المشدد للكتابة في الصحف الأخرى.. وكان يقول قولته الدائمة لكل صحفي عاوز يسافر دول الخليج: "مفيش إجازة ..قدم استقالة" !..

 

ولكن جيلي من الصحفيين الشبان كان منطقه قوياً: المرتب 95 جنيها لا يكفي.. وكلنا..اللي عاوز يخطب واللي على وش جواز ..يجيب فلوس منين ؟!..

 

طبعاً لم يستمر هذا الأمر طويلاً.. ورويدا رويدا بدأ الأستاذ مكرم يستوعب المسألة ويهضمها.. وتحول من معارض شديد ذو قلب قاسي إلى حد تاني خالص مختلف.. أصبح يكرر علي أسماع كل واحد منا الجملة الآتية: "ابقي هات لي القصة عجبتني نشرتها.. ما عجبتنيش روح أنشرها بره"!..

 

في سنوات رئاسته لدار الهلال ورئاسة تحرير المصور (1981--2005) لم يكن ممكناً أن نغطي مصاريفنا الشخصية (مش تكوين أنفسنا) بتلك الجنيهات المائة.. ومن ثم بصينا طبعاً بره.. أنا مثلاً كنت أسلم عم صلاح (صلاح عيسى) حين كان يراسل صحف و مجلات عربية موضوعين أو ثلاثة أسبوعياً فيعطيني 25 جنيها في الموضوع الواحد.. اضرب في 4 أسابيع يطلع200 أو 300 جنيه.. يعني ثلاث مرات مرتب دار الهلال !.. تتساب الفلوس دي.. لا طبعاً.. فيه حد عاقل يرفس النعمة برجليه !!..

 

بالمناسبة عرضت على الأستاذ مكرم في أكتوبر 1986 أن تنشر المصور مذكرات كشف لي فيها السيد علي صبري نائب رئيس الجمهورية تفاصيل وأسرار صراع الرئيس السادات مع مراكز القوي في أحداث 15 مابو 1971.. ولكن الأستاذ مكرم رد عليا باستخفاف لأسباب غامضة: "أعمل بيها إيه ؟!.. أنت جايب لي شبح من الماضي.. على العموم أبقى وريها لي" !

 

 الغريب أن الأستاذ محمود مراد رئيس وكالة الأهرام للصحافة التي أسسها نقيب الصحفيين الأستاذ إبراهيم نافع لتسويق ما يقدمه الصحفيون، أهراميين وغير أهراميين، نجح في الاتفاق مع جريدة الأنباء الكويتية والرأي الأردنية والأسبوع السودانية على نشر مذكرات علي صبري في 9 حلقات وعلى صفحات كاملة.. وتقاضيت مقابل مادي 13 ألف جنيه من خزينة الأهرام.. وعندما وقعت عينا الأستاذ مكرم عليها انتقدني وقال لي: "فضلت بره يا أستاذ علي جورنالك" !

 

لو كنت مكان الأستاذ مكرم كنت عملت زيه ويمكن أكتر..أربي صحفي وأعلمه وييجي جرنال تاني ياخده مني علي الجاهز..

 

و لو كان الأستاذ مكرم مكاننا نحن الصحفيين الشبان وفي نفس ظروفنا وأحوالنا المادية كان أكيد ها يعمل نفس اللي عملناه..ها يكتب باسم مستعار زي ما كنا بنعمل..

 

وأكيد أكيد كان والده ها يزعل ويتحسر إذا لقي اسم إبنه مكرم حسبو.. وليس مكرم محمد أحمد !!.