الجمعة 19 ابريل 2024

ومنين نجيب الصبر يا أهل الله يداوينا!

مقالات21-5-2022 | 14:48

عندما حللت ضيفًا على البرنامج الإذاعي الشهير "أغاني وعجباني" الذي يقوم الضيف فيه باختيار مجموعة من الأغنيات التي ترتبط معه ببعض الذكريات ويقدمها على موجة "صوت العرب" العريقة، اخترت بعض الأغنيات من بينها مقطع من أغنية "حاول تفتكرني" للعندليب الأسمر - عبد الحليم حافظ - وكان ذلك الاختيار مرتبطًا بمناسبة الحلقة التي كانت في "عيد الحب" وما تعبّر عنه كلمات هذه الأغنية التي كتبها الشاعر الغنائي محمد حمزة وقام بوضع ألحانها الموسيقار المبدع بليغ حمدي من معانٍ تتناسب مع مشاعر الحب الذي يحتفل الناس به في عيده كل عام في السنوات الأخيرة

 

وبالفعل، تتميز هذه الأغنية بالكثير من الجُمل الرقيقة والكلمات العذبة مع الألحان العبقرية والأداء المتميز للفنان عبد الحليم حافظ والتي كلما سمعناها استعذبناها وتمايلت قلوبنا على نغماتها

 

وكم كانت المفاجأة والاندهاش عندما صادفت مقطعًا مُصورًا من لقاء للموسيقار الجميل والمبدع الذي أحبه كثيرًا - سيد مكاوي - وهو يتحدث عن تلك الأغنية (حاول تفتكرني) عندما سُئل عن فن عبد الحليم حافظ الذي لم يسبق له التعاون معه حيث كان كلاهما ملء السمع والبصر في الموسيقى والغناء، فعبد الحليم حافظ نجم الشباك الأول وسيد مكاوي الموسيقار المخضرم صاحب لحن "يا مسهرني" لسيدة الغناء العربي - أم كلثوم - و" أوقاتي بتحلو" التي كانت ستغنيها أيضًا لولا أن القدر لم يمهلها ورحلت قبل تسجيلها بصوتها فغنتها المطربة "وردة"

 

وقد كان تعليق الموسيقار الكبير سيد مكاوي مدهشًا حقًا عندما أشاد بفن وصوت عبد الحليم حافظ ودوره في تقديم أجمل الأغنيات والفن الجميل، ثم استطرد قائلا: "لكن عبد الحليم حافظ لا يتعامل إلا مع مجموعة مُعينة من المؤلفين والملحنين لا يخرج عنهم، وهو ما يجعله يقوم في بعض الأحيان بتقديم بعض الأعمال التي ليست بالمستوى المنتظر من هذا النجم الكبير"، ثم ذكر جُملة من أغنية "حاول تفتكرني" قائلا: "كيف لمطرب بحجم وقيمة عبد الحليم حافظ أن يقف على المسرح ويغني (ومنين نجيب الصبر يا أهل الله يداوينا… اللي انكوى بالحب قبلينا يقول لينا؟!) ما هذا الكلام الذي لا يحمل معنى؟ وما هذه الطريقة التي يغنيها بها؟ يجب علينا دائمًا أن نقدم للجمهور كلمات راقية ذات معنى لنرقى بالذوق العام"

 

أعرف أن البعض سيُعيد قراءة المقطع السابق من هذا المقال مرة أخرى، وربما يحاول اختبار قوة إبصاره!

 

إن ما قرأتموه حقيقي، وهذا ما قاله الموسيقار سيد مكاوي عن أغنية "حاول تفتكرني"، فهذا كان مستوى النقد والفهم لدور الفن واحترام ذوق الجمهور في ذلك الزمن، كل كلمة، بل كل حرف بحساب، ولا أحد فوق مستوى النقد، طالما كان الغرض البناء والارتقاء بالذوق العام والثقافة والوعي

 

وهنا يمكننا أن نتساءل ماذا كان عساه أن يكون تعليق الموسيقار سيد مكاوي على مستوى الكلمات التي تُغنى في هذا الزمن؟

 

كيف كان سيُعلق على ما يطلقون عليه "أغاني المهرجانات الشعبية"؟

 

هل كان سيتحمّل سماع كل هذا الإسفاف؟

 

حقًا لقد نجا هؤلاء العمالقة من زمن الكلمات الرديئة والفن الهابط الذي نعيشه الآن

 

ومنين نجيب الصبر يا أهل الله يداوينا!