السبت 20 ابريل 2024

رسائل من كتاب الحب لـ«الشهيدة المقدسية»

مقالات19-5-2022 | 14:09

يغيب الجسد، وتبقي الروح، يذهب الحدث، وتظل الفكرة، تتبدل المرادفات في اللغة ويبقي المعني ثابت راسخ، هكذا هي قصة كل شهيد وشهيدة، كم من أجساد توارت خلف تراب القدس لأجل وطن حر مرفوع الهامة، كم من دماء تروي شجر الزيتون في كل بقعه من أرض الأنبياء مهد المسيح عليه السلام ومسري الرسول- صلي الله عليه وسلم- كم من قاتل خسيس ونخاس مغتصب لأرض الأنبياء، يخرج للعالم مبررًا لجريمة قنص لشهداء فلسطين! 

ترحموا على الشهداء، ترفعوا عن جدال يفرق الأمة، يغرس سكين في قلوب مواطنيكم، تذكروا أننا نحيا جميعا في وطن واحد، عندما قرر القاتل الأجير اغتيال الكلمة لم يفكر في ديانة الشهيدة، إنما أراد إسكات صوت الحقيقة، فكر في طمس هويتكم جميعا مسلمين ومسحيين جميعا هدف في مرمي نيران القاتل، رصاصة القناص لا تفرق بين مسلم و مسيحي، فقط تحاول محو آثار الجريمة بجريمة أخرى. 
آلمني هؤلاء القابعين خلف شاشات أجهزة الحواسب والتليفونات متلبسين عباءة الدين، مرددين فتوي دون علم، وكأنهم مبعوثي العناية الإلهية، لديهم علم دخول الجنة والنار، يحكمون على بشر مثلهم من خلق الرحمن، إن الكلمة شرف، لكنها سلاح أشد فتكا من رصاص القناص. 
شيرين أبو عاقلة الشهيدة المقدسية، عاشت حياتها تذوب عشقا في فلسطين ومدينة الصلاة، لم تخرج منها إلى بلاد المهجر أو ناضلت من خلف منصات التواصل الاجتماعي، بل واجهت القتلة، وبنادق القنص، بالميكرفون الذي نقل آنين الشعب الفلسطيني، وكاميرا نقلت صور الشهداء، ومذابح ارتكبتها عصابة مجرمة لا تملك ضمير حتى باتت هي نفسها شهيدة تلك المذابح. 
تذكروا معي مقولة مولانا جلال الدين الرومي، حينما قال "ليس العاشق مسلما أو مسيحيا، أو جزءًا من أي عقيدة.. دين العشق لا مذهب له لتؤمن به أو لا تؤمن". 
شرين أبو عاقلة الشهيدة المقدسية، هي فصل جديد من كتاب الحب، هي رسالة الشعوب  للعالم، نعم ما نزال أحياء نعم لدينا قضية اسمها فلسطين تعيش في قلب كل عربي حر لن نترك قدسنا. 
المشهد في نقابة الصحفيين المصريين وهم يودعون شهيدة القدس ويضيئون الشموع كان مهيبا واضحا قاطعا لمن يعرف المصريين، يدرك أننا لا نفرط في هويتنا ومقدستنا. 
لقد خطت الشهيدة المقدسية، من مرقدها النوراني، رسالة حب مكتوبة بدماء شهداء لم تجف، كأنها تقول للعالم نحن نقف في مربع واحد مهما اختلفت معتقدتنا لدينا هوية عربية واحدة يتوارثها الأبناء في كل بقعه من المحيط إلي الخليج، فقد رحلت عن أهلي وأحبائي لكن هناك من يخرج من تلك الأرض كل يوم من أجل تحرير الوطن، فالأجساد تذهب إلى خالقها في موعدها، والفكرة تحملها الأرواح لن تستطيعوا قنصها واغتيالها.  
رحمة الله على الشهيدة المقدسية، رحمة الله على من تجمع على حبها أهل الأرض من مشارقها إلى مغاربها، لم ألتق يوما شيرين أبو عاقلة، لكنها منحتني شرف كتابة ما تيسر عن فلسطين الحبيبة وأبنائها رجالا ونساء هم فخر لأمة العرب، لقد علمتني الشهيدة المقدسية، أنك لا تكتب الكلمة وتمضي فقط بل ذكرتني أن كلماتك جزء من كتابك إما ان يكون كتب حب يذكرك الناس به أو كتاب نار قد تتلقي اللعنات بسبب ما خطته يداك، ذكرتني أننا جميعا لدينا قضية يجب أن تظل أمانة في أعنقنا و أعناق من يرثنا من أبناء و أحفاد. 
ادعوا لـ"الشهيدة المقدسية" بالرحمة، أشعلوا الشموع ترحما على رمز من رموز الأمة، وعلموا أولادكم أن الأوطان عرض، علموا أولادكم أننا واحد، علموا أولادكم أن الدين لله والوطن لنا جميعًا.. سلاما على المرقد النوراني وثراه الطيب وساكنيه.