السبت 20 ابريل 2024

حديث النفس.. لا تتركني وحدي!!

مقالات23-10-2021 | 16:04

نتمسك بمن هجرنا.. غير مصدقين أننا هنّا عليه!!.. نستعطفه أن يعود.. نلقى باللوم على أنفسنا أننا من ضيّعناه.. نقدم أنفسنا صيدا سهلا ليعودوا ليكملوا حكايتهم المأساوية معنا غير عابئين بقلوبنا المعذبة بعدما تعودت أنفسنا العذاب.. نجرح أنفسنا ونهينها بحجة السماح والعفو والصبر!! أي صبر على مكروه اخترناه بأيدينا.. نرفض نهاية قصة التعذيب من أناس جرحونا ونستعطفهم ليعودوا.. فنتغير ونتغير لنقدم البراهين على جدارة حب من هجرونا.. وأين جدارة حبنا لأنفسنا المجروحة.. نحطم أنفسنا ليرضوا عنا.. ننسى ونتناسى أن المهاجر لن يعود.. إنها نهاية قصة حب رفض أحدهما أن تستمر، وتمسك الآخر بالبقاء وحده في حب من طرف واحد !!

في معظم حكايات الحب لا يعرف كل منا طبيعة مشاعره وأحاسيسه أو فكرته الواضحة عن الحب، ولكنه ينجذب وراء الرغبة في علاقة حب مع طرف آخر يجد التجاوب بينهما قائما، ويظن كلا الطرفين أن العلاقة أبدية غير خاضعة للتغير والتقلب، ويتصرف كل منهما على هذا الأساس فسبحان مقلب القلوب حتى على الطاعة لله سبحانه وتعالى.. فتصاب العلاقات في أحيان كثيرة بتوترات وتحديات تفقدها بهجتها ونشوتها التي كانت في بدايتها.. وقد يتجاوز الطرفان هذه التحديات فتتعمق علاقة الحب وقد تنهار مع بدايتها ويفترق الحبيبان.

ويلعب اختلاف التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة دورا مهما في استمرارها.. فعادة يميل الرجل لإنهاء العلاقة بشكل أسرع من المرأة التي تميل بطبيعتها للاستقرار ما يجعل قرار الانفصال في الغالب من جانب الرجل.. لكن المثير للدهشة أنه رغم تعثر العلاقة واكتمال أعراض الفشل عليها إلا أن أحد الطرفين يميل لإبقائها حتى ولو وصل الأمر للتدمير النفسي وخاصة في العلاقات الزوجية فتجد مشكلات قوية تكون كافية بالعصف بالحياة الزوجية مثل الخيانة أو الضرب والسب وغيرها بين الطرفين، ومع ذلك تجد أحد الطرفين يصر على استكمالها.. وفي الغالب تكون المرأة التي جعل المجتمع مسئولية إبقاء العلاقة واستقرارها عليها وحدها وحملها بضرورة التحلي بالصبر والتغاضي والتحمل مهما كانت الأضرار النفسية التي تسببها خاصة إذا كان هناك أولاد بحجة أن الطلاق يؤدى لتدمير نفسية الأولاد لما يترتب عليه من تفكك أسري، على الرغم من أن استمرار هذا النوع من العلاقات الزوجية كفيل بتدمير نفسيتهم أكثر من الطلاق والفراق!!

وأحيانا كثيرة تخشى المرأة من الحصول على لقب مطلقة في مجتمع يحمل المرأة المسئولية في فشل العلاقة، ويتهمها بأنها غير صبورة حتى تعدل الأيام حال زوجها، وعليها النظر لمن حولها فهو النموذج المكرر.. فلا غضاضة في زوغان عين الرجل أو بخله أو حتى إهانتها فهو الرجل وصبر المرأة على مساوئه يجعله يتغير!!

وفي الحقيقة أنه ليس الصبر هو الذى يغير الرجل.. إنما هي الأيام والتقدم في السن وزحف الأمراض علينا الذى يهذب أي شخص، ويجعله لا يستطيع الانحراف والتهور مثلما كان يفعل في قوة شبابه، فنظن أن ربنا هداه وفي الحقيقة أن الأيام هدته وهذبته!!ولكن قوة التحمل والصبر غير موجودة عند الكل، بالإضافة إلى أن هذه النتيجة غير مضمونة مع مرور الأيام.. كلها خبرات تقدمها الأمهات والجدات حتى لا تتهدم البيوت وتتفكك الأسر!!

ومن الممكن أن يضحى الرجل أيضا بالاستمرار مع زوجة نكدية أو مسرفة غير مقتصدة في مصاريف الحياة المعيشية، فنحن لدينا عقيدة أن المرأة لابد ألا يكون لها أي متطلبات مالية وأن تعيش وتدبر أمور أسرتها بأقل التكاليف دون ضجر أو ملل حتى ولو كان زوجها متيسرا.

وحينما تختل العلاقة سواء كانت علاقات عاطفية أو زوجية ويفشل الطرفان في الجلوس بهدوء واتخاذ هذا القرار بشكل ثنائي حتى لا يتم جرح أحد الطرفين.. تأخذ النهايات أشكالا مختلفة.. فعلى الرغم من كون العلاقة خربة وليس بها أي بارقة أمل في استمرارها، في وقت تنعدم فيها كل أشكال التفاهم وحتى الأمل في الإصلاح، لكن فكرة انهيار العلاقة وإنهائها تظل غائبة عن أعين الطرفين لأننا نكره الفشل ونبحث دائما عن الأعذار والمبررات التي تجعلنا نستمر حتى ولو كنا معذبين.. باختصار اعتدنا على هذا النوع من الألم والحزن.. بل أكثر من ذلك فقد يكون ما يسببه الانفصال من الرغبة في عدم الفشل والخوف من الألم والوحدة عقابا أو سلاحا ضد الطرف الآخر يجعله يتغاضى بسببه عن الأخطاء والسلبيات، فيعمل على إحياء علاقة حكم عليها عمليا بالفشل، ويصل الأمر لاحتمالات أكبر من الصفح والتسامح فتهون علينا أنفسنا فيستهين بنا الطرف الآخر!!

فأصبحنا نادرا ما نفيق لمراجعة أنفسنا وخاصة مع طول العشرة، وقد يصل التعود لدرجة الإدمان التي لا يستطيع صاحبها التنازل عنها مهما حدث، بشكل يجعل استحالة في تقبل أحد الطرفين رغبة الطرف الآخر في الانفصال، فيسبب رحيل أحد الطرفين للآخر صدمة مثل تلك التي تحدث للإنسان بوفاة أحد المقربين تخلف معها حزنا وألما خاصة لو كانت هناك سنوات من العشرة بها مخزون من التجارب يصعب تجاهلها تسيطر على حياة الشخص ويصبح التعود حتى على السيء فيها أمرا واردا.

حتى وإن حدث تجد محاولات الاستعطاف والحنين لإرجاع العلاقة بفعل العمليات المعرفية التي تتكون في عقله عن الماضي، فتجعله يستنكر كل ما يؤلمه، ويتذكر فقط اللحظات والأيام الجميلة، فيحن إليها باستمرار أو لأنه تصور أنه أصبح لديه خبرة تجعله يتجاوز الفشل مرة أخرى إذا ما عاد كل منهما للآخر.

وقد يدفع شدة تمسك طرف بآخر أراد الانفصال عنه بنتيجة عكسية فتجعله لا يحسب له حسابا، فالرجل يعشق المرأة التي يجرى وراءها عشقه لدور الصياد الذي يطارد الفريسة.. وليست المرأة التي تقدم نفسها على طبق من ذهب أو فضة.

وفي حال طلبت المرأة الرحيل وهو نادر الحدوث، لكن نموذج الخلع يؤكد وجوده مهما كانت الأسباب وراءه في وقت أصبحت المرأة أكثر نضجا واستقلالية مالية وقدرة على اتخاذ قرارها، ومع ذلك تجد الكثير من الرجال يرفضون تطليق زوجاتهم حتى بعد إعلانهن كرهن لهم ورغبتهن في عدم الاستمرار، ليكون التمسك لأسباب عديدة منها المعلن وغير المعلن. البعض من باب التملك والأنانية والآخر للتعلق كما يتعلق الطفل بأمه وآخر اعتبار رغبة انفصال المرأة عنه أمرا يمس رجولته فلا يسمح لأي امرأة ترفضه حتى وإن كان مستحقا لسوء طباعه.. أو أنه يريد أن ينتقم منها باستمرار العلاقة لتعذيبها بسبب رفضها له!! أو يعتبرها خادمة في البيت له ولأولاده وإن غابت ينهار أو يفقد الشكل الاجتماعي الذي يضيف له.

وتشتد درجات الرفض للانفصال إذا ما كانت بسبب استبداله بشخص آخر يصل لدرجة الإنكار والتمسك به أكثر بالرغم من ارتفاع درجات الألم التي تقل مع حالات الفراق بدون أسباب.

وتصبح مشاعر الألم والحزن والخوف من الوحدة والغموض الذي يكتنف المستقبل بعد التعود على حياة معينة في ظل وجود شريك آخر، هي الدوافع الأساسية التي تجعل حتى صاحب قرار الانفصال يؤجل الفكرة مرات عديدة لأن طبيعتنا تميل للخوف من البدايات من الصغر والتمسك بما في أيدينا حتى ولو كان مؤلما.. وننسى أن ما نمر به في حياتنا تجارب تدفعنا لتجارب أخرى لا بد أن نكون فيها الأقوى، فلا يمكنك الاستمرار في علاقة مع شخص سيء أو غير مناسب بحجة أنك تحبه بأن نستمر في علاقات مؤلمة نعذب فيها أنفسنا.. فالحياة مليئة باختيارات أفضل تستحقها.

فلا ديمومة لحب ولا لهجر ودائما الجديد يحل محل القديم.. وحتى وإن عاد القديم حتما يصبح جديدا؛ لأننا أصبحنا جددا بالتجربة التي غيرت أفكارنا ومشاعرنا وأولوياتنا في الحياة.. فلا تكرار لفرح أو حزن.. فالزمن ونحن جعلناه جديدا حتى ولو استمررنا على قيد الحياة.

وتظل الدهشة من تمسكنا بأناس يرفضوننا أو يعذبوننا في هذه الحياة.. أو الاستمرار في علاقات بلا جدوى لا تضيف لنا شيئا.. إما لأننا لا نقدر أنفسنا حق تقدير.. أو لأن من تركونا لم يدركوا قيمتنا.. أو لأنه الحب الحقيقي الذى نقابله مرة واحدة مهما تعددت التجارب.. وقد لا نعلم به إلا بعد أن نفقده.. فلم يعد يجدي استعطافك بقولك لا تتركني فإن لم أكن حبك الحقيقي فقد تكون أنت لي هو الذي إن رحلت لن يعود إلينا.. وتوسلاتك بقولك لا تتركني وحدى فإني أخشى الحياة بدونك فقد تعودت عليك حتى ولو كرهتني.. وظني أنك ستعود لتحبني.. فلن تجد أكثر منى حبا ..لأنه إن عاد لم يجدك فالماضي لن يعود.