الخميس 25 ابريل 2024

الوقود النووي لا يهدد منظومة الطاقة الكهربائية كما يفعل البترول والغاز الطبيعي والفحم

مقالات19-10-2021 | 12:45

ما حدث فى أوروبا خلال الأسابيع الماضية، يجب أن يوضع فى اعتبار القائمين على منظومة الطاقة فى مصر.. فمع توجه منظومة الطاقة فى مصر إلى ركب التكنولوجيا المتطورة، ومواكبة كل ما هو جديد ومجرب، متمثلا فى اتباع منظومة خليط الطاقة، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وبنسبة تصل إلى 42% عام 2035، والاعتماد على الطاقة النووية، والسير قدما نحو الربط الكهربائى مع عديد من الشبكات الكهربائية المترابطة، إلا أن ما حدث فى منظومة الطاقة فى أوروبا وهى القارة التى تضم دولا متقدمة جدا، يمكن أن يحدث فى مصر.

شبكة الكهرباء فى الاتحاد الأوروبى، هى شبكة قارية للطاقة الكهربائية، وهى الأكثر ترابطا فى العالم. شبكة واحدة متزامنة من التيار المتردد.. حيث تكون جميع الدول الأعضاء مسؤولة عن الحفاظ على توازن الشبكة، أى مطابقة لإجمالى الطلب على الطاقة مع إجمالى العرض فى جميع الأوقات.

تجارة الكهرباء بين دول الاتحاد الأوروبى تتم فى أسواق البيع بالجملة، حيث يتم تلبية الطلب على الطاقة لكل ساعة من اليوم التالى. السعر النهائى للكهرباء لليوم التالى مرتبط بسعر أغلى وقود مطلوب لتلبية الطلب المتوقع.. يقوم منتجو الكهرباء بالمزايدة فى السوق، ويبدأ العطاء من الأرخص إلى الأغلى، حيث يتم شراء أرخص الكهرباء أولاً، ثم يتم شراء العروض التالية فى السعر.

عندما يتجاوز الطلب المتوقع على الطاقة قيمة العروض القادرة على توليد طاقة نظيفة (طاقة رياح وطاقة شمسية وطاقة مائية)، يتم استخدام "الوقود الأحفورى" (غاز طبيعى وفحم وبترول) المكلف لتلبية الطلب، وسعر الطاقة مرتبط بهذه القيمة.

أسباب كثيرة أدت إلى أزمة الطاقة فى أوروبا، وأهمها النقص الذى حدث فى الغاز الطبيعى، كما كان للحظ دور فى تفاقم هذه الأزمة.

ارتفعت الأسعار بشكل مخيف، فمع بداية شهر سبتمبر 2021، ارتفعت أسعار الكهرباء بالجملة فى فرنسا بنسبة 48٪ وفى ألمانيا بنسبة 36٪، وتعتبر أرقاما قياسية. كما ارتفع سعر الميجاوات ساعة فى بريطانيا وأصبح الآن أغلى سعر فى أوروبا.

لو نظرنا إلى أسباب هذه الأزمة، نجد أن إمدادات الغاز الطبيعى أحد هذه الأسباب، فمن روسيا يأتى ثلث إمدادات الغاز الطبيعى لأوروبا، ومن النرويج يأتى خمس إمدادات الغاز الطبيعى لأوروبا.

لعب الحظ دورا فعالا، أولا، الشتاء الماضى، عانت أوروبا من شتاء بارد وطويلا، وأدى إلى استهلاك كميات إضافية من مخزون الغاز الطبيعى وصلت إلى 25 ٪ من المخزون. ثانيا، انخفضت إمدادات الغاز الطبيعى من روسيا والنرويج نتيجة حدوث مشاكل فى منظومة الغاز الطبيعى، مثل حدوث حريق فى مصنع لمعالجة الغاز فى سيبيريا. حتى أن ألمانيا وجدت أنه من الأرخص حرق الفحم (ألمانيا تمتلك مخزونا كبيرا من الفحم البنى فى مناجمها) بدلاً من استخدام الغاز الطبيعى باهظ الثمن لتلبية الطلب على الطاقة.

كان من المفترض فى مثل هذه الظروف أن تلجأ أوروبا لتعويض نقص الغاز الطبيعى، عن طريق شراء غاز طبيعى مسال من السوق، ولكن سوق الغاز المسال تحتكره الصين واليابان. ولسوء الحظ أيضا، فخلال الفترة بين يناير ويوليو، انخفضت واردات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا بنسبة 15٪ عن العام الماضى.

فى ظل الأزمة التى أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى، يكون الحل هو اللجوء للبديل وذلك من خلال زيادة استخدام الفحم. لكن فى ظل احتياج الصين الشديد لاستخدام الفحم فى الصناعة وتوليد الكهرباء، فقد وصل سعر الفحم فى السوق العالمى إلى مستويات قياسية.. بالإضافة إلى أن تصاريح الكربون وصلت إلى مستويات قياسية، بل وأصبحت باهظة الثمن، فقد ارتفع سعر طن الكربون من 42 دولارا فى منتصف مارس إلى 64 دولارا فى بداية أكتوبر، والذى بدوره أدى إلى زيادة سعر الكهرباء.

الاعتماد على طاقة الرياح كان عاملا مهما جدا فى مثل هذه الظروف، عموما متوسط مشاركة طاقة الرياح فى أوروبا 10% من إنتاج الكهرباء، لكن المشاركة فى دولة مثل ألمانيا مرتفعة، نجدها بنسبة 27% من إنتاج الكهرباء، وفى بريطانيا المشاركة مرتفعة، نجدها بنسبة 24% من إنتاج الكهرباء. لكن الحظ كان له دور، ففى الآونة الأخيرة، كانت الرياح ساكنة بشكل غير عادى. فخلال الأسبوعين الأولين من شهر سبتمبر، قل التوليد من طاقة الرياح فى ألمانيا بنسبة 50٪ من متوسط الخمس سنوات السابقة.

كلنا سمعنا عن أزمة الطاقة الطاحنة فى بريطانيا، وذلك لعدة أسباب، منها، أولا:: أن بريطانيا أقل ارتباطا من جيرانها بالشبكة الأوروبية للكهرباء، فهى تستورد 10% فقط من كمية استهلاكها من الطاقة الكهربائية، ولسوء الحظ، حدث حريق فى خط الربط الكهربائى بين بريطانيا وفرنسا، مما أدى إلى زيادة حدة الأزمة، وتفاقمت المشكلة.. ثانيا: بريطانيا تعتمد بشكل خاص على الغاز الطبيعى وطاقة الرياح.. طاقة الرياح تشارك بنسبة 24% من إنتاج الكهرباء، منها 11% من توربينات على الشاطئ، و13% من توربينات بحرية، والغاز الطبيعى يشارك بنسبة 36% من إنتاج الكهرباء، وبذلك فإن الغاز الطبيعى وطاقة الرياح يمثلان 60% من توليد الكهرباء. ولذلك أصبحت بريطانيا تعانى الأمرين، من نقص فى الغاز الطبيعى، ومن سكون الرياح، بالإضافة إلى محدودية اعتمادها على شبكة كهرباء أوروبا.

محاولات أوروبا للاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة لتلبية الطلب على الطاقة، سيجعل الأسعار أقل تقلبا، بالإضافة إلى أنه فى حالة توفر كميات من الطاقة من المصادر المتجددة "ذات التكاليف المنخفضة فى توليد كهرباء"، بحيث توفى احتياجات السوق، يكون سعر الطاقة منخفضا، وهذا ما حدث خلال شهور مارس وإبريل ومايو من عام 2020. لكن عندما يتجاوز الطلب على الطاقة حدود قدرات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة، تلجأ الدول الأوروبية إلى استخدام الوقود الأحفورى المكلف لتلبية الطلب، وفى هذه الحالة يظل سعر الطاقة مرتبطا بهذه القيمة.

إلى أن تتخلص دول الاتحاد الأوروبى تدريجيا من استخدام المصادر الأحفورية فى توليد الطاقة، والاعتماد التدريجى على مصادر الطاقة النظيفة، وحتى يتم تطوير بطاريات كبيرة الحجم لتخزين الطاقة المتجددة، فالتوازن بين العرض والطلب على الطاقة سيكون متقلبا، ولا يمكن التنبؤ به، وستستمر دول الاتحاد الأوروبى فى التعامل مع مواقف مماثلة.

التقلبات الحادة فى أسعار البترول والغاز الطبيعى والفحم، تؤدى إلى أزمات عالمية، ولا يمكن التنبؤ بها مسبقا. فى المقابل بالنسبة لسوق اليورانيوم نجد أنه لا توجد تقلبات حادة ومتكررة فى الإنتاج أو فى الأسعار.

إنتاج المناجم العالمى السنوى من خام اليورانيوم 54224 طنا، دولة كازاخستان تنتج 22808 طنا (يمثل 42٪ من الإنتاج العالمى)، وكندا تنتج 6944 طنا (13٪)، وأستراليا تنتج 6613 طنا (12٪)، وناميبيا تنتج 5103 طنا (9٪)، وأوزبكستان تنتج 3500 طنا (6٪)، والنيجر تنتج 3053 طنا (6٪)، وروسيا تنتج 2900 طنا (5٪)، والصين تنتج 1600 طنا (3٪)، وأوكرانيا تنتج 750 طنا (1٪)، والهند تنتج 400 طنا (1٪)، ودول أخرى تنتج 553 طنا (1٪).

قبل تشغيل أول محطة نووية للطاقة عام 1956، كان إنتاج اليورانيوم مخصصا بشكل أساسى لتلبية المتطلبات العسكرية.

مع بداية عام 2020، غطى إنتاج المناجم 74٪ فقط من متطلبات المفاعلات النووية لخام اليورانيوم، لكن المصادر الثانوية "المخزون العسكرى من اليورانيوم" قد ملأت الفجوة بين العرض والطلب، ومن المتوقع أن يستمر العجز فى سوق اليورانيوم من المناجم حتى عام 2022. وهذا يرجع إلى أنه خلال الفترات السابقة، ونظرا لأن الجدوى الاقتصادية لليورانيوم تعتمد غالبا على سعر السوق، فقد انسحبت العديد من البلدان المنتجة لليورانيوم من السوق بسبب انخفاض أسعاره.

لكننا نجد أنه وخلال أكثر من 70 عاما من إنتاج اليورانيوم من المناجم، لم تحدث أزمة عالمية واحدة فى تشغيل المفاعلات النووية نتيجة نقص فى توريدات اليورانيوم.

القفزات الحادة فى أسعار اليورانيوم لم تحدث إلا مرتين خلال هذه الفترات. المرة الأولى، بعد أزمة البترول فى عام 1973، حين ظهرت الطاقة النووية كبديل قابل للتطبيق للوقود الأحفورى، وتضاعف سعر اليورانيوم ثلاث مرات بين عامى 1973 و 1975.

المرة الثانية، كان فى منتصف عام 2007. فقبل عام 2007 كان متوسط سعر الرطل أقل من 20 دولارا، ثم بدأ السعر يزداد، وفى منتصف 2007 قفز السعر إلى 130 دولارا للرطل. لكن مع بداية عام 2008، بدأ السعر ينخفض واستمر السعر عند متوسط 33.5 دولارا للرطل.

أدت التطورات الأخيرة فى سوق اليورانيوم إلى رفع أسعار كعكة اليورانيوم الصفراء، ووصل السعر  يوم 17 سبتمبر 2021 إلى 50.8 دولارا للرطل، لكن السعر هبط إلى 40.2 دولارا للرطل يوم 13 أكتوبر 2021.

الطاقة النووية هى طاقة نظيفة، وتتماشى مع قرارات مؤتمر باريس عام 2015، للمحافظة على المناخ. والمحتوى الحرارى من ناحية الوزن لها عال جدا، فالطاقة الناتجة من انشطار كيلوجرام واحد من اليورانيوم يعادل الطاقة الناتجة عن حرق ثلاثة ملايين كيلوجرام من الفحم. بالإضافة إلى أن معايير الأمان فى المفاعلات النووية من الجيل الثالث مرتفعة جدا. وأخيرا نقول :: الوقود النووى وهو مصدر من مصادر الطاقة، لا يهدد منظومة الطاقة الكهربائية كما يفعل البترول والغاز الطبيعى والفحم.

Dr.Randa
Dr.Radwa