السبت 20 ابريل 2024

السياسة الأمريكية بعد الخروج من أفغانستان!

مقالات13-10-2021 | 16:24

لم تأخذ الإدارة الأمريكية قرار الانسحاب من أفغانستان بعشوائية، بل قد كان قراراً مدروساً، ويخفى ورائه سياسات، واستراتيجيات، جديدة للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة المقبلة، بهدف ضمان السيطرة الأحادية على العالم، وعدم السماح بتواجد قطب آخر، يتحكم فى مصير العالم، أو حتى يشارك الإدارة الأمريكية فى ذلك، وأن النظام العالمى الجديد الذى تبلورت ملامحه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، يجب أن يستمر محكوماً بالسياسات الجديدة التى وضعتها الإدارة الأمريكية!

 

فقد حدث تحول كبير فى السياسات، والاستراتيجيات، الأمريكية خلال السنوات الماضية، ولكن بدأت هذه السياسات تتغير فى الفترة الحالية، خوفاً من حدوث تحول عالمى، قد يؤدى إلى ظهور نجم دولى آخر، ونشأة نظام عالمى جديد، لا تعرف الولايات المتحدة أسسه، أو قواعده، وماذا سيحدث لخريطة العالم فى ظل وجوده؟! وإلى أين سيكون المصير الأمريكى؟!

 

فإذا كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد اتبعت سياسات، واستراتيجيات معينة، بعد أحدث الحادى عشر من سبتمبر 2001، تهدف من وراء اتباعها، إعادة الهيبة الأمريكية التى سقطت مع سقوط برجى التجارة العالمية، فإن ذلك قد ترتب عليه حدوث العديد من الخسائر للولايات المتحدة الأمريكية، حيث قد تم إنفاق تريليونات الدولارات على غزوها للعراق، وأفغانستان، وتمويل بعض الحركات، والأشخاص، بغرض إحداث خلخلة فى النظام العالمى، والتأكيد على أن أمريكا فقط هى مَن تملك مفتاح الاستقرار العالمى!

 

فقد خاضت القوات الأمريكية، وبمساعدة بعض الحلفاء، حروباً طويلة، ضد جيوش بعض الدول، وضد بعض التنظيمات، بهدف خلق نظام عالمى آخر، لا يعترف بأى قوى أخرى فى العالم، سوى القوة الأمريكية، ولكن قادت هذه السياسات إلى استغلال بعض الدول الكبرى لها، وخاصة الصين وروسيا، وأخذت كل دولة من جانبها، تركز على عمليات الإصلاح الاقتصادى، وتحقيق التنمية فى شتى المجالات، مما أدى إلى وجود الصين كقوة اقتصادية كبرى، تأتى بعد الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة فى الترتيب العالمى، مما قد يُشكل خطراً كبيراً على المستقبل الأمريكى!

 

ففى الوقت الذى تنشغل فيه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بمواجهات متفرقة فى شتى مناطق العالم، نجد الصين وروسيا، وغيرهم من الدول العظمى، يتصاعد نجمهم فى سماء الاقتصاد، وفى سماء القدرات العسكرية الفائقة، والمتطورة، وفقاً لأحدث التقنيات، وبما قد يؤدى إلى وجود أقطاب أخرى، لا تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بأن تحكم العالم بمفردها، وأن الوقت قد حان لإعادة رسم ملامح النظام العالمى من جديد!

 

وهو ما أحدث قلقاً فى الأوساط الأمريكية، وبدأ الشارع الأمريكى، بل العالم كله، يتحدث عن قطب آخر قوى قادم للسيطرة على المشهد الدولى، وهى الصين، التى حققت تنمية اقتصادية عظيمة، كما أنها حققت تقدماً عسكرياً لا يستهان به، ورصدت مئات المليارات، لتحسين قدراتها، فى كل المجالات، وبات وشيكاً إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية من المقدمة، مما أدى إلى حتمية إعادة النظر من قبل إدارة جو بايدن فى كافة السياسات، والاستراتيجيات، المتبعة فى السنوات الماضية، وضرورة اتباع سياسات، واستراتيجيات مختلفة، تضمن عدم مزاحمة الإدارة الأمريكية فى حكم العالم!

 

فلم تعد مسألة نشر قوات أمريكية فى مناطق مختلفة من العالم، أمراً جوهرياً، وخاصة إذا كان لا يأتى من وراء ذلك، تحقيق أية مكاسب للولايات المتحدة الأمريكية، أو تحقيق مصالحها، كما أن محاربة الإرهاب، والقضاء عليه، لا يكون مسئولية الإدارة الأمريكية وحدها، بل يقع أيضاً على عاتق الصين، وروسيا، وغيرهما من الدول، المسئولية المشتركة فى استئصال الكيانات الإرهابية من جذورها، وإعادة الاستقرار لكل مناطق العالم!

 

ولذلك، قررت إدارة جو بايدن الانسحاب من أفغانستان، وترك مقاليد الحكم على طبق من ذهب لحركة طالبان، وقد برر جو بايدن ذلك الخروج المخطط له من أفغانستان، بأن الجيش الأفغانى هو المسئول عن حماية مقومات دولته، وليست القوات الأمريكية، كما أن التواجد الأمريكى فى أفغانستان، فى هذه الفترة، لم يحقق المصالح الأمريكية، بل قد يؤدى استمرار القوات الأمريكية فى أفغانستان إلى ازدياد التراجع الاقتصادى الأمريكى، وعلى النقيض من ذلك تزداد القوة الاقتصادية فى الصين وروسيا.

 

كما أن الإدارة الأمريكية قد أعلنت أن تهديد حركة طالبان للمصالح الأمريكية، ليس خطيراً فى الوقت الحالى، بل قد تكون تهديدات الكيانات الإرهابية الموجودة فى العراق، واليمن، والصومال، وسوريا، أكثر خطورة على هذه المصالح، وأن الأفضل للصالح الأمريكى هو الانسحاب من أفغانستان، وإعادة النظر فى السياسات، والاستراتيجيات، بما يتناغم، ويتماشى، مع هذا الصالح دون سواه!

 

وأعتقد أن الخروج الأمريكى من أفغانستان، قد يحقق العديد من النتائج الإيجابية، والتى تصب فى دائرة المصالح الأمريكية، فمن زاوية قد يكون سيطرة حركة طالبان على الحكم، أمراً مقلقاً لروسيا، وإعادة ذكريات الجهاد الأفغانى ضد السوفييت، كما أن الإدارة الأمريكية قد تستخدم كافة الأدوات التى تزج بطالبان فى صراع مع روسيا، مما يعنى وجود تهديد للاستقرار الروسى، واجبار الإدارة الروسية على اتباع سياسات معينة، لمواجهة حركة طالبان، مما قد يؤثر بالسلب على عملية التصاعد الاقتصادى، والتنموى فى كل القطاعات!

 

ومن زاوية أخرى، قد تستخدم الإدارة الأمريكية، سيطرة طالبان على الحكم، وتعمل على حدوث التقارب بين طالبان والقاعدة، وبينهما وبين داعش، لاستغلالهم فى تهديد المصالح الصينية فى منطقة الشرق الأوسط، وغيرها، وتهديد أيضاً بعض الدول التى تتعاون مع الصين، بهدف إجبارها على العدول عن أية سياسات تتعلق بتنمية العلاقات مع الصين.

 

وبعيداً عن أفغانستان، لعل ما حدث من تحالف بين أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، بشأن تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، لتمكينها من القيام بدوريات فى المحيطين الهندى، والهادى، يؤكد وبوضوح ضرورة الحد من تدخل الصين المتزايد فى هذين المحيطين، كما يؤكد وجود سياسات، واستراتيجيات، جديدة، للولايات المتحدة الأمريكية، تستهدف الصين فى المقام الأول، وبعض الدول الأوربية التى تراها الإدارة الأمريكية مقلقة ويمكنها منافسة أمريكا على زعامة العالم.

 

فالخروج الأمريكى من أفغانستان، لم يكن اعتباطاً، بل قد كان بداية حقيقية لسياسات جديدة للإدارة الأمريكية، تتطلب منها وضع الاستراتيجيات المناسبة للمرحلة الراهنة، لمواجهة الدول الكبرى، وخاصة الصين، وروسيا، حتى يتم البقاء على النظام العالمى الذى وضعت قواعده الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات، وعدم إتاحة الفرصة، لأى دولة أياً كانت، فى إسقاط هذا النظام.