الجمعة 19 ابريل 2024

المشير طنطاوي.. رحيل القائد الفذ الذي قال لا لـ«شلة جمال مبارك»

مقالات22-9-2021 | 12:20

 إلى رحاب الله، رحل المشير محمد حسين طنطاوي، وما زالت في جسده بعض شظايا نيران معركة المزرعة الصينية الباسلة خلال حرب أكتوبر 1973 التي قاد فيها المقدم آنذاك محمد حسين طنطاوي كتيبته.. الكتيبة 16 مشاة، لصد قوات العدو الإسرائيلي بنجاح كبير والعبور إلى الضفة الشرقية.. ليكون جنود الكتيبة 16 أول من رفعوا العلم المصري في سيناء.

 

سبحان الله .. رحل المشير  حسين طنطاوي، في نفس اليوم الذي رحل فيه الزعيم الوطني الكبير أحمد عرابي.

من حق المشير طنطاوي الآن أن نستعيد ما شهد به قادة العدو عن تلك المعركة الباسلة.. معركة المزرعة الصينية التي نجح فيها الرجل في قيادة الكتيبة وعبور قواتها إلى سيناء قبل أن يتحقق العبور العظيم بكامل قوات الجيشين الثاني والثالث ليتحقق في النهاية نصر أكتوبر العظيم.

 

من حق المشير طنطاوي، الذي أصبح الآن بين يدي الله، أن نذكر في هذا المقام الحزين بعض المعلومات غير المتداولة التي تعتبر حتى الآن أسرارا كبرى، سيما أنها تفسر وتكشف إلى أي مدى كان هذا القائد العسكري الفذ رجلاً وطنياً شجاعاً مقاتلا، يدافع طول الوقت عن الوطن وحق المصريين في بقاء وطنهم وحفظ استقرار وأمان الدولة.

 

 

كثيرون كانوا، وما زالوا، يعتقدون أن العلاقات بين الرئيس مبارك والمشير طنطاوي كانت طوال الوقت.. طيبة للغاية.. سمن علي عسل.. لكن الحقيقة أن هذه العلاقات لم تكن كذلك .

 

ربما يكون في العودة قليلاً إلى الوراء متسعا لشرح حقائق ملتبسة، سيكون في الكشف عنها إجابات دقيقة وشافية حول كيف كانت نظرة مبارك إلى مواصفات الشخص الذي يجب أن يتولي منصب وزير الدفاع بعد إقالة المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة من وزارة الدفاع عام 1989.

 

نعم كانت إقالة المشير أبو غزالة صدمة ومفاجأة كبرى بكل المعايير، كانت لها ردود أفعال شتى.. سواء داخل مصر أو خارج الحدود.

 

لقد كانت شعبية المشير أبو غزالة تزداد وجماهيريته تتسع.. وكان الكل في الدولة كل الوزراء يعملون له ألف حساب وحساب.

 

ويبدو أن ذهن وعقل الرئيس مبارك أراد الاستفادة من هذا الدرس.. ففكر في إضعاف منصب وزير الدفاع.. فماذا فعل ؟

 

 

عندما قرر إعفاء المشير من منصبه استدعي اللواء يوسف صبري أبو طالب -محافظ القاهرة آنذاك- وعينه قائدًا عاما للقوات المسلحة وزيرًا للدفاع والإنتاج الحربي.. وعرف الناس كل الناس جيدا وعلى بلاطة ما الذي يقصده الرئيس مبارك من وراء هذا القرار الذي فاجأ به كل الدنيا وليس مصر وحدها !

 

الرئيس شال فجأة المشير أبو غزالة.. تخلص منه ومن شعبيته التي كانت تزداد يوما وراء يوم. .واستدعى غريمه في سلاح المدفعية اللواء يوسف صبري أبو طالب الذي كان يدير أمور محافظة القاهرة ورقاه إلى رتبة الفريق أول، وأبقى على الفريق صفي الدين أبو شناف رئيس الأركان كما كان رئيسًا للأركان.

 

 كل هذا حصل في عام 1989.. واستمر هذا الحال حتي انتهت حرب تحرير الكويت.. في عام 1991 اختار الرئيس مبارك اللواء محمد حسين طنطاوي رئيس هيئة العمليات ليكون وزيراً للدفاع ورقاه إلى رتبة الفريق.

 

وأتذكر أنه في عام 1991، كلفني رئيس التحرير بصفتي محرر عسكري وقتها بتفريغ وصياغة حوار أجراه مع وزير الدفاع الجديد الفريق طنطاوي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر.

 

 

وعندما سلمني الأستاذ مكرم محمد أحمد مقدمة الحوار دخلت مكتبه لأخبره أن هناك جملتان غير صحيحتين يجب أن تحذفا من المقدمة.. ولما سألني ما هما قلت حضرتك كاتب ( وزير الدفاع والإنتاج الحربي).. وكاتب كمان (القائد العام للقوات المسلحة).. والحقيقة أن الفريق طنطاوي وزير للدفاع وبس.. ولو تلاحظ يا أستاذ مكرم أنك عندما سألته عن الإنتاج الحربي رد عليك وزير الدفاع: بلاش يا مكرم بك نتكلم دلوقتي عن الإنتاج الحربي.

 

وعندما عدت إلى صديقي اللواء أحمد فؤاد مدير إدارة الشئون المعنوية آنذاك حسبما طلب رئيس التحرير وألح، أكد لي نفس المعلومات التي قلتها لرئيس التحرير!

 

 لقد أراد الرئيس مبارك في تلك اللحظة تحجيم مسئوليات واختصاصات من سوف يتولى وزارة الدفاع بعد ظاهرة ازدياد وانتشار شعبية المشير أبو غزالة.. ولذا لم يعين الفريق طنطاوي ليكون مسئولا عن الإنتاج الحربي،  ولم يعينه قائداً عاماً، وظل هذا هو الحال لفترة.

 

 بقي وزير الدفاع برتبة الفريق عدة أشهر ثم تمت ترقيته إلى رتبة الفريق أول.. حتى جاء يوم في عام 1992  تلقيت فيه فاكس من الشئون المعنوية تضمن خبراً تضمن التالي (أكد  الفريق أول حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي) أن........

بسرعة اتصلت باللواء أحمد فؤاد للتأكد من أنه ليس هناك أي خطأ في الخبر.. فقال لا مفيش أي خطأ.. إحنا فضلنا لما يطلع هذا القرار لا نعلنه ولكن نمشيه ضمن سياق الأخبار دون أن نتوقف ونعلن أن السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة أصدر قرار بتلك الترقية التقليدية في حالة كل وأي وزير دفاع سابق.

لا أريد القول بأن الرئيس مبارك كان يكره المشير طنطاوي بدليل أنه رقاه في عام 1993 إلى رتبة المشير.

 لا أريد القول بأن الرئيس مبارك كان يكرهه بدليل أنه اختاره بنفسه عام 1988 قائدا لقوات الحرس الجمهوري نظراً لنبوغه وطلاقته وحسن تقديره للأمور عندما كان يناقشه ذات يوم في مقر قيادة الجيش الثاني الذي كان يقوده .

 لكن عقدة الرئيس مبارك من شعبية المشير أبو غزالة ظلت طاغية ومترسبة داخل أعماقه من أي وزير دفاع.. خاصة أن المشير طنطاوي لم يكن سعيداً ولا راضياً عما كانت فرقة جمال مبارك وجوقته من لجنة السياسات تخطط سراً لبيع أصول الدولة وبنوكها ومؤسساتها وشركاتها بأرخص الأسعار.. ولكل من يريد .

لقد عبر المشير طنطاوي -رحمات الله عليه- داخل أحد اجتماعات مجلس الوزراء عن غضبه العارم من مجمل سياسات بيع القطاع العام التي كان ينفذها وزراء حكومة د. عاطف عبيد بقوله: العيال دي ها تودي البلد في داهية.. وكان يقصد شلة جمال مبارك .