الجمعة 19 ابريل 2024

قُل مواطنًا ولا تَقُل لاجئًا

مقالات21-9-2021 | 18:01

تلك التوصية فُعلت عمليًا على أرض مصر، ولم تأخذ بها أغلب دول العالم على الرغم من الشعارات الرنانة؛ خاصة دول العالم المُتقدِم التى تعاملت مع ملف اللاجئين أو النازحين نتيجة لصراعات سياسية فى بلادهم أو تطهير عرقى أو ظواهر خراب طبيعية؛ تعاملت بمعايير مُقولَبة داخل نموذجين لا ثالث لهما، برفض هؤلاء النازحين استنادًا لمَبْعث الخوف من الإرهاب (حتى لو مَبَعث تَكهُنى) والثانى استضافتهم من باب المنفعة الاقتصادية لزيادة عدد العمالة التى تعانى دولة المَضيف عجز فيها.

وباستعراض الدول الأوروبية الأعلى استضافة للاجئين فى ظل أزمة عالمية لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، نجد اليونان مثال بعدما حدت من دخولهم بل وأعزت أزمتها المالية لكثرة النازحين وتلتها المجر التى اعتلى حكمها التيار المُتشدد فرفض السياسة السابقة لاستقبال اللاجئين، بل وشَرعت فى بناء سياج مع سيبيريا للحد من النزوح، أما النموذج المُخزى فى استضافة اللاجئين، كانت بريطانيا بتقبلها لعناصر وقادة الإرهاب العالمى فى أراضيها ولأعضاء جماعة الإخوان المسلمين كأدوات لتأجيج نار الإسلام السياسى فى الشرق الأوسط.

وبالنظر إلى نموذج اللاجئ الأكثر شيوعًا فى العالم منذ 2012، نجد النَموذج السورى الذى اختار وجهته فى البدايات ألمانيا، التى قامت  بدورها التوعوى من خلال الوزارة الاتحادية للشئون الخارجية حيث بَصَرت اللاجئ بظروف الاستقبال والإقامة، ثم تلتها بتفعيل مصلحتها الشخصية حين قَصرت الاستضافة على الأيدى العاملة فقط، وهَمشت أصحاب المؤهلات والخبرات، مُعزية ذلك إلى حاجتها لدماء جديدة فى مجتمع يعانى الشيخوخة فى الأيدى العاملة، بل فَعلت الكارت الأزرق وربطته بإنهاء إقامة اللاجىء عند استغناء رب العمل عنه، واحتفظت بأغلب المناصب لأصحاب العِرق الأوروبى والألمانى خاصة.

فى الوقت الذى نرى فيه النازح السورى إلى مصر جاء ملتجئًا ومتكئًا على تاريخ هجرتين الأولى فى القرن التاسع عشر وهجرة أخرى فى القرن العشرين انتهت بوحدة الجمهورية العربية المتحدة عام 1958، وما عضدّ قدومه بالإضافة لتلك العلاقة التاريخية  تعاطف الشعب المصرى معه وهو ما جاء فى صورة دعم مادى ومعنوى من أفراد ومؤسسات وجمعيات مصرية تجاه أى لاجىء سورى على الأراضى المصرية، وعومل الطالب السورى معاملة المصرى فى المدارس - عدا الدراسات العليا- ونال من العناية الصحية والخدمات ما يناله المواطن المصرى، بل إن أوجه الاستثمارات قد فُتحت أمامه فى مجالات عدة ( كالمنسوجات والمفروشات والمطاعم والألبسة)، ولم يقتصر وجودهم على القاهرة الكبرى بل امتد للإسكندرية ودمياط على الرغم من تمركز الغالبية فى السادس من أكتوبر والشيخ زايد ، حيث مركز خدمات مفوضية الأمم المتحدة.

ورغم حجم المشكلات الاقتصادية فى مصر من إلغاء منظومة الدعم البائدة، وتعويم الجنيه، ونزول سعر الفائدة ومحاربة التضخم، إلا أن المجتمع المصرى استوعب الملايين من السوريين فى انصهار كامل سواء المُسجل منهم أو غير المُسجَل، دون اللجوء إلى عزلهم خارج حدود المدن فى معسكرات الإيواء.

قضية اللاجئين مُعضْلة عالمية، سواء كان اللاجىء فارًا من الصراعات السياسية فى بلاده أو هو ذلك المُهاجر غير الشرعى الهارب من شظْف المعيشة، هى قضية من فعل الدول الكبرى سواء بسلبيتها كعضو فاعل صاحب رسالة لدرء الصراع فى دول الشرق الأوسط، وعدم تقديم حلول ناجزة حتى يومنا هذا أو بغربلة النازحين وقذفهم من على حدودها نحو الدول النامية عملًا بمنطق المصلحة الشخصية بعيدًا عن تفعيل الحِس الإنسانى على الرغم من التشدق بحقوق الإنسان على أراضيها بفزاعة التنديد بقهره فى دول العالم الثالث كل حين.

مصر بلد الأمن والأمان، مصر بلد الخير، وهى البلد القادرة على احتضان جميع الجنسيات والأديان، مصر هى بلد حقوق الإنسان التى تُفعل مصلحة الإنسانية فوق مصالحها، والتاريخ يشهد بهذا "فادخلوها إن شاء الله آمنين".

 

د. شيرين الملوانى