الثلاثاء 23 ابريل 2024

ذكرياتي مع المُشير طنطاوي

مقالات21-9-2021 | 17:13

ودعت مِصرُ اليوم ابنًا بارًا لها وهب حياته من أجل الوطن والشعب، وقام بأدوار حاسمة في لحظات مصيرية من تاريخها المُعاصر. حارب في معارك 1956، و1967، و1969، وصولًا إلى نصر أكتوبر في 1973. قاد القوة المِصرية التي شاركت في حرب تحرير الكويت عام 1991. وشغل مناصب قائد الحرس الجمهوري ورئيس أركان القوات المُسلحة ووزير الدفاع. وإلى جانبِ قيادته العسكرية الفذة، امتلك قُدرات رجل الدولة الذي تولى قيادة سفينة البلاد خلال الفترة ما بين فبراير 2011 ويونيو 2012، وعبر بها وسط أمواج مُتلاطمة وأهواء مُتصارعة داخلية وخارجية. واستطاع أن يحمي وحدة الدولة والمُجتمع في ظروف جد صعبة. 

عرفته في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكنتُ وقتها عميدًا لكُلية الاقتصاد والعلوم السياسية وشاركتُ بشكل مُنتظم في الندوات الاستراتيجية التي نظمتها القوات المُسلحة والتي حرص الرجُل على حضورها. التقيته أكثر من مرة أيضًا في إطار أنشطة كُلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العُليا، وأذكُرُ أنه حضر جلسة مُناقشة رسالة الدكتوراه للواء مُحمد البادي، رئيس أركان جيش دولة الإمارات وقتذاك، والتي أشرف عليها بالتعاون مع اللواء عبد الستار أمين. أتاحت لي هذه اللقاءات التعرف على جوانب أُخرى من شخصية المُشير طنطاوي، وأتت الفُرصة الأكبر عندما تزاملنا في مجلس الوزراء خلال الفترة 1999-2004. فتوثقت العلاقة وكُنتُ أزوره من آن لآخر في مكتبه بوزارة الدفاع. 

كان المُشير طنطاوي شخصية وطنية بامتياز اتسم بالاستقامة في الفِكر والسُلوك والتمسُك بالمصالح الوطنية المصرية. ظهر ذلك بجلاء في مُناقشته لأي اقتراحات لبيع أصول القطاع العام وبالذات إذا كانت من الأصول المُربحة. وأذكُر أنه عندما طُرح على مجلس الوزراء فكرة بيع "بنك القاهرة"، أعترض بشدة وأدى اعتراضه إلى إرجاء النظر في الموضوع. ووقتها نشرت جريدة الأسبوع التي رأس تحريرها الأستاذ مُصطفى بكري هذا الخبر دون تحديد اسم الوزير الذي اعترض على المشروع وأثار ذلك وقتها ضجة سياسية واسعة. وكان يُردد أحيانًا بأسلوب يجمع بين الجد والدُعابة "مش كفاية اللي بيعتوه". 

 أذكر أيضًا أنه في عام 2002 عندما عرض وزير النقل مشروع إقامة ورصف طريق القاهرة-العين السُخنة الجديد، وتبين أن شركة إسبانية سوف تتولى هذا العمل مُقابل مبلغ مُعين إضافة إلى إعطائها رُخصة الانتفاع بالأراضي على جانبي الطريق لعدة كيلومترات لمُدة 25 سنة، فقد اعترض المُشير طنطاوي لارتفاع التكلُفة من ناحية وللمخاطر الأمنية المُترتبة على إعطاء هذه الرُخصة من ناحية أُخرى. 

لم يكتف بالاعتراض وذكر أن الإدارة الهندسية بالقوات المُسلحة تستطيع القيام بهذا العمل مُقابل نصف التكلفة، وطلب مُهلة زمنية يعودُ فيها إلى المُختصين في وزارة الدفاع. وبالفعل بعد ساعتين تقريبًا، أخبر المُشير مجلس الوزراء بأن القوات المُسلحة تستطيع القيام بهذا العمل بأجهزتها وبشركات المُقاولات المصرية. وهكذا، تم إقامة هذا الطريق بطول 120 كيلومتر والذي يُعتبر من أول الطُرق التي التزمت بالمعايير الدولية في مصر. 
تابع المُشير طنطاوي -باعتباره رمزًا للمؤسسة العسكرية- أوضاع الصناعات الاستراتيجية في مصر للتأكُد من وجود دور للدولة فيها وضمان إمداداتها. ومن ذلك تدخله لدعم صناعة الكلور والشبه.  كما تجلى في دعمه لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للتوسع في أنشطته القائمة ودخوله في مجالات جديدة كالصناعات البترولية، والأنواع المُتقدمة من البلاستيك، والبناء ومد الطُرق، والصناعات الغذائية، والاستصلاح الزراعي خصوصًا في شرق العُوينات. 

شاهدت المُشير طنطاوي مُدافعًا عن الفُقراء والبُسطاء، ومُحذرًا من الاحتكار، ومؤكدًا على أهمية وجود الإنتاج الوطني وأن يكون للدولة إسهام في ذلك، وكانت عيناه دائمًا على حياة عموم الناس في المُدن والقُرى. وأخفت صرامته الظاهرة وحرصه على الضبط والربط، شخصية إنسانية وديعة ومُتواضعة لا تعرفُ الغرور أو الكِبر.

هذا بعض مما يُمكن البوح به.   
رحم الله المُشير مُحمد حُسين طنطاوي رحمة واسعة.

Dr.Randa
Dr.Radwa