الجمعة 19 ابريل 2024

فوبيا (الإسلاموفوبيا) !

مقالات14-9-2021 | 12:32

وطأت قدماى بلاد الغرب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، وشهدت أول ظهور لمُصطلح (الإسلاموفوبيا) أو الكره والخوف من كل ما هو مُسلم أو مُرتبط بالإسلام وبالأخص عند النظر للإسلام كقوة جيوسياسية أو كمصدر للإرهاب؛ فوجدنا الغرب يُعامِل المُسلم المتشّدد أو المُنتمى لجماعات الإرهاب مُعاملة طالب العلم أو المُهاجر الذى جاء بحثًا عن فرص للحياة.

وبالبحث الدقيق نجد أن (الإسلاموفوبيا) مُصطلح ليس بجديد؛ بل تعود جذوره إلى قرون بعيدة تعكس الصراع بين الإسلام والمسيحية وعهود الحرب الصليبية والاستشراق ثم الاستعمار وهو ما أثبتته الأدبيات الغربية التى تتحدث أغلبها قديمًا وحديثًا عن الصراع مع الإسلام كدين أو عن مُعتنقيه من العرب والمسلمين -حيث لازال يشبههم الغرب- بالبربر المُتخلفين!،ولا نتعجب إذا عرفنا أن أول من تزعم (الإسلاموفوبيا) فى الغرب كان المُفكر (ڤولتير) Voltaire رمز فلسفة عصر الأنوار وأكبر مُتناقض فى تاريخ الفكر؛ حيث تأرجحت آراؤه بين الإطراء -بدايات أفكاره- على الإسلام كأروع دين جاء من الرب فى كتابه عام 1763، وسرعان ما وجه آراءه وفكره للحرب على الشرق فى تحول مفاجئ ومُغرض؛ فألف كتابا أهداه للبابا يحمل عنوان ( مُحَمد أو المُتعصْب) وجُسْد الكتاب كمسرحية كُرِّسَت فصولها للإساءة للإسلام ورموزه.

 ويأتى السؤال، هل نحن كمُغتربين ونعانى من الإسلاموفوبيا فى حياتنا اليومية ظُلِمنا بيد الغرب أم بيد المسلمين من رافعى لواء الإسلام السياسى؟ وبالتحليل والتدقيق نجد أننا أهدينا الغرب سلاحًا قويًا فى الحرب ضدنا؛ فهذا المُصطلح ما كان سيُفَّعل  بتلك القوة لولا  قيام الثورة الإسلامية /الإيرانية 1979 بعنفها رافعة شعارها الأساسى ألا وهو (لعن  الله الغرب)، وتبعتها الصحوة الإسلامية السُنية المُنافسة بكل تطرفها تجاه كل ما هو غربى، ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر عام 2001 والتى مَكنْت الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها من إعلان الحرب جهرًا على الإسلام ؛على الرغم من عدم استطاعتها وأد العمليات الإرهابية على أراضيها ليومنا هذا، إلا أنها اتخذت من 2001 ذريعة لنقل أدوات حربها خارج نطاق حدودها حتى قسمت العالم إلى حروب عديدة ومُستنقعات إرهاب كما هو الحال فى أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن.

وسواء أن كان استخدام الغرب للمُصطلح للنيل من الإسلام كدين أو للخوف من اللاجئين والمُهاجرين الذين تفاجأت بهم أوروبا فى ميادينها وساحاتها يشاركون أهلها الحياة مما أشعل خوفها من هاجس (أَسَلَمة المُجتمع) فاستلزم  منها إظهار العدائية لكل ما هو مسلم؛ إلا أن الغرب قد وجد حُجته بسبب ما حدث السنوات الأخيرة؛ حيث كثف التنظيم الدولى للإخوان المسلمين استثماره لهذا المصطلح ولعبت الجماعة على وتر الحريات فى الغرب ومعاناة الجاليات بعد نشوب أعمال العنف والإرهاب فى الترويج لأيديولوچيتها وهو ما عدته جماعات الإرهاب- داعش والقاعدة - مرجعية لها ولمنهجها واتخذ الغرب حائط صد للدفاع؛ بصدور كتاب هام فى باريس عام 2019 مُعنون ( استراتيچية الفتح والتسلل الإخوانى فى فرنسا) وتناول بدقة الأسس التى شكلت جسم الإسلاموفوبيا وهو جزء يتحمله الغرب باحتوائه للمهاجرين - مما عاد بأسوأ الأثر على كل عربى مُسلم مُهاجر- والجزء الآخر يتحمله التيار الإسلامى والذى فضل (العُزلة العدائية) فى تلك المجتمعات خصوصًا فرنسا، واتخذ من أحيائها المُهمَشة بؤر تطرف له.

 وعول مؤلفو الكتاب على خطاب (يوسف القرضاوى) للمُغتربين بضرورة الانفصال عن الأوروبيين وحياتهم الأوروبية ليحث المسلمين على تكوين مجتمعاتهم الصغيرة ضمن المجتمع الكبير؛ عارضًا النموذج اليهودى التاريخى والذى حافظ على خصوصيته اليهودية طيلة قرون بعيدة؛ ونستنتج من هذا أن سياسة الانطواء الإسلامى-وهو مشروع متطرف مُغترب-وأحد أدوات الإسلام السياسى؛ كان هذا السلاح الذى حاربنا به الغرب وأخذ به الجانى بالمجنى عليه.

كل عام وفى نفس التوقيت 11 سبتمبر، وعلى مدى عشرين عامًا يطل علينا مُصطلح (الإسلاموفوبيا) من الغرب دون الالتفات لأى عملية إرهابية تمت تجاه المسلمين أو أى عنف أو اضطهاد تعرض له مسلم فى أى بقعة من بقاع العالم؛ بل تتجه النيات الغربية بعنف عامٍ بعد عام تجاه المُهاجرين المسلمين وتعلو أصوات التوعد والتشكيك وتضائل الحقوق لكل ما هو مُسلم ؛ذريعة لا نجد لها مبررًا سوى التاريخ؛ الذى يخدم نية أوروبا حروبًا واستعمارًا ضد الشرق ولعله منذ 2011 قُدِم لها على طبق من فضة من جماعات الإرهاب وأعضاء الإسلام السياسى ونجد المحصلة أن من يدفع الثمن هو المُسلم المقيم على أراضى الغرب والذى يصبح ويُمسى يعانى من فوبيا (الإسلاموفوبيا).

بقلم...دكتورة / شيرين الملوانى