الخميس 18 ابريل 2024

200 جنيه.. تجربة سينمائية مدهشة

مقالات12-9-2021 | 16:35

بعد ثمانى سنوات من الغياب منذ آخر افلامه (فبراير الاسود) عام 2013 يعود المخرج المتميز محمد أمين بأحدث أفلامه (200جنيه) الذى يعرض حالياً فى دور العرض بنجاح، ويقدم فى هذه التجربة على شىء مختلف فى مسيرته وهو أن يقوم بإخراج فيلماً ليس من تأليفه، إذ أن جميع الأفلام السابقة له وهى (فيلم ثقافي) (ليلة سقوط بغداد) (بنتين من مصر) (فبراير الأسود) كانت جميعا من كتابته، ويتعاون لأول مرة مع الكاتب الكبير أحمد عبد اللـه الذى يعود للسينما بعد غياب طويل نسبياً هو الآخر منذ آخر أفلامه (شنطة حمزة) عام 2017.

 

يحكى الفيلم حول ورقة نقدية فئة مائتى جنيه تنتقل بين أشخاص من مختلف طبقات المجتمع فمرة تكون ورقة يعطيها طالب لمدرس فى سنتر دورس خصوصية ومرة نقطة تلقى على إحدى الراقصات ومرة تكون سبب فى إسعاد فتاة على يد أبيها ومرة ثانية جزء من ثمن بين خاتم ألماظ لأحد الأغنياء، وهكذا إلى أن يصل الأحداث إلى نهاية منطقية لكنها غير متوقعة بالمرة.

 

على مستوى السيناريو فإنه كان هناك إحكام شديد فى تصميم القصص والمواقف التى نستعرض من خلالها رحلة الورقة النقدية، وكان هناك سلاسة شديدة فى الإنتقال بينها وبين بعضها فكل موقف وكل شخصية تبدأ رحلتها فى الفيلم وتنتهى بشكل شديد البساطة والرقى دون إخلال، وإن كنت لم أميل بشكل قوى لعمل فوتومونتاج مرتين داخل الأحداث فكنت أتمنى ربط جميع الشخصيات ببعضها.

جاء الحوار البديع الذى كتبه أحمد عبداللـه مناسباً لجميع الشخصيات فاللغة التى تتحدث بها الراقصة ليس هى ما تتحدث المرآة العاملة ليست ما يتحدث به عامل محطة البنزين وليست ما يتحدث الرجل الغني، فهذا التباين الرهيب بين الشخصيات خلق لغة حوار آخاذة ومكتوبة بحرفية عالية.

 

أما الأداء التمثيلى فكان فى قمته روعته من الجميع بإستثناء السقا وليلى علوى الذى لم يكونوا على المستوى المطلوب فى أدوارهم رغم أنهم بالقياس كانوا أطول الأدوار فى الفيلم، أما باقى الممثلين فوصل أداءهم إلى مرحلة من الدهشة والنضج لم أصدقها فى بادئ الأمر وتأملتها طويلاً بعد خروجى من الفيلم، فتجدر الإشارة مثلاً للأداء القوى والمتميز لكل من أحمد آدم وهانى رمزى وغادة عادل والقديرة إسعاد يونس، جميعهم يقدموا أدواراً لم يقدموها من قبل وقدموا أداء رفيعاً. أما باقى الممثلين فكان أداؤهم جيداً إلى حد كبير مثل أحمد رزق ودينا فؤاد ومى سليم ومحمود حافظ وأحمد السعدني.

 

ختاماً يجب الحديث عن صاحب الرؤية الحقيقة خلف هذه السيمفونية السينمائية البديعة وهو المخرج القدير محمد أمين الذى تمكن من صنع فيلم سيبقى فى الذاكرة طويلاً ويؤكد به مكانته وسط مصاف المخرجين فى مصر بشكل يجعلك تحزن على غيابه الذى يطول بين الفيلم والآخر رغم أن قادر على تقديم أفلام جيدة الصنع وناجحة تجارياً، وهذا ما يجعلنى كواحد من جمهوره أتسائل لماذا لا يقدم محمد فيلماً كل عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير؟؟

فأمين فى فيلم 200 جنية يتمكن وبجدارة من الإمساك بكل عناصر الفيلم خلف الكاميرا وأمامها، فقد تمكن من توجيه ممثليه وتصميم شخصيات درامية تناسب كل ممثل منهم على حد، وإستطاع أن يخرج أداءاً لم يقدمه معظمهم فى أعمالهم، على المستوى التقنى استطاع مع المونتيرة القديرة مها رشدى من ضبط إيقاع المشاهد والإنتقال بسلاسة بين القصص والشخصيات المختلفة، مدير التصوير القدير إيهاب محمد على فى تعاونه الثالث مع أمين يقدم صورة مناسبة للأحداث ويتمكن هو الآخر من تصميم إضاءة مناسبة لكل شخصية وكل موقع تصوير، وتجدر الإشارة إلى مصححة الألوان الموهوبة جيهان صبحى خليل التى ساهمت فى تقديم صورة نهائية للفيلم كانت مريحة للعين ومناسبة لكل قصة وكل موقع تصوير أيضاً.

كل تلك العناصر المميزة التى قادها المخرج باقتدار هى ما جعلت الفيلم يظهر بهذه الصورة الأخاذة فى النهاية، وأنا من الآن فى إنتظار التجربة الثانية التى سوف محمد أمين بأحمد عبداللـه وهو فيلم (المحكمة) المنتظر عرضه قريباً.