الجمعة 19 ابريل 2024

20 عاماً من الفوضى الانتقامية الخلّاقة

مقالات10-9-2021 | 14:32

يوافق غدٍ السبت 11 سبتمبر 2021 ذكرى مرور 20 عاماً على حادث ضرب بُرجَي التجارة العالمي بنيويورك والهجوم على مبنى وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، ذلك الحادث الذي أعاد تشكيل خريطة السياسة العالمية بشكل عام، وتطبيقاتها في الشرق الأوسط بشكل خاص، ذلك الحادث الذي أتى بترتيبات دقيقة التفاصيل والأبعاد والتأثيرات، فلم يكن الآخر لينسى بأية حال أن ضربة أكتوبر لم تكن على مستوى تحقيق الانتصار العسكري فقط، بل تخطت لتصل لمستوى التحالف الذي أفضى إلى الحفاظ على هذا الانتصار صلباً قوياً لفترة من الزمن بفعل سلاح البترول، لذا فقد كان لزاماً تحطيم هذا السلاح إيجاد ما هو أقوى منه وفقاً لمعايير العصر.

فبعد مرور عشر سنوات على هذه الذكرى وتحديداً في عام 2011 هبت علينا رياح ما يسمى بالخريف العربي التي أعادت المنطقة وشعوبها إلى عصور ظلامية بائسة بدعوى إقرار الحريات الزائفة وتحقيق العدالة الوهمية، وها هي تصارع صراع مجرد البقاء، والله وحده أعلم كيف ومتى تكون النجاة والعودة على خريطة الأحياء.

فقد شاءت الأقدار أن أشهد تفاصيل هجمات 11 سبتمبر على شاشات التليفزيون وأنا أرافق أسرتي في ألمانيا، وتحديداً في المدينة التي قيل أن أحد منفذي الهجمات كان يدرس الطيران بها، بل والأكثر من ذلك فقد كان معتاد ارتياد أحد المراكز الإسلامية القريبة من مكان إقامتنا، وكنا قد علمنا أنه شاب حسن السمعة وحلو المعشر واللسان وأنه لم يكن له أية عداءات من قريب أو بعيد، إلا أن ضلوعه في تلك الهجمات قد أساء إلى وجود العديد من العرب والمسلمين في ألمانيا حتى أن حُمى الإسلاموفوبيا قد بلغت ذروتها في عدة حوادث منها حادث طعن مواطنة مغربية محجبة، وانهالت علينا التحذيرات بمشروعية خلع المسلمات لرداء الرأس حرصاً على حياتهن لحين انقضاء الغُمة أو عودتهن لبلادهن.

وللحظ فقد كان والدي يجري جراحة في هذا التوقيت على مسافة من المدينة التي كنا نسكن فيها، وكان لزاماً علي أنا ووالدتي أن نستخدم حوالي ثلاثة مواصلات يومياً للوصول إليه ما بين مترو الأنفاق والقطار ثم سيارة أجرة للمستشفى، وكان من الملاحظ جلياً تغير أسلوب تعامل الشعب الألماني معنا بمجرد التحقق من ملامحنا وارتداء أمي للحجاب، ولاسيما أنني كنت دائمة ارتداء قلادة تحمل تجسيداً لشكل نفرتيتي بما لا يدع مجالاً للشك أنني مصرية.

فمع كل أسف عايشنا على مدار أيام ارتيادنا للمستشفى حالة من التوتر والخوف، فقد كانوا مستقلي مترو الأنفاق يتركون أماكن جلوسهم بمجرد سماعهم لحواري مع أمي الذي يسهل تخمين كونه باللغة العربية، هذا بخلاف الهمهمات ونظرات الاحتقار أو الخوف من جانبهم!! حتى سائق التاكسي كان دائم اختلاس النظرات والتلصص علينا في مرآة السيارة في محاولة منه لنقله مشاعر عدم الارتياح لنا فقط لمجرد كوننا نبدو عرباً مسلمين.

أجزم أنها كانت فترة من أشد الفترات صعوبة في حياتي، فلم أكن أنا وأسرتي لنبدو كعناصر إرهابية بأية حال، بل وعلى العكس فقد كانت علاقاتنا بجيراننا ومحيط معارفنا من غير المصريين والعرب من أحسن العلاقات التي يمكن تصورها، تماماً كما هي عادتنا في أي دولة أقمنا بها بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو الدين، حتى أن أمي كانت دائمة إعداد العزائم والولائم لكل الأصدقاء وإهداء الجيران الألمان أطباقاً من أصناف الطعام المعد، ثم يعيدون إلينا تلك الأطباق على عتبة المنزل، لكنه فقط وباء الإسلاموفوبيا الذي أشاعته وأقرته هجمات 11 سبتمبر رغماً عن وجودها من قبل.

اليوم وبعد مرور 20 عاماً على تلك الهجمات وبعد وقوف الدولة المصرية حائلاً منيعاً أمام مخطط الشرق الأوسط الجديد تماماً كما الشوكة في عنق العدو، وانحسار تأثير الدواعش في الشام والعراق وبالتالي ترحيل الآلاف منهم إلى مستقر جديد مع أقرانهم من طالبان، نجد الدعوة لتجديد الماضي القريب تطل علينا من جديد.

وتظل القصة بنفس التفاصيل تعيد طرح نفسها من آن لآخر، باختلاف العناصر والأدوات ومع الاحتفاظ بنفس مفهوم الفزّاعة الكفيلة بإزاحة أية عقبات أمام الغرب من ناحية، والحصول على التعاطف والتأييد الدولي من ناحية أخرى.

فدواعش الشام والعراق وليبيا، هم طالبان أفغانستان، هم بوكو حرام نيجيريا، هم إخوان مصر وتونس والجزائر والسودان

 والأيام والحاضر كفيلين بإثبات نية الفاعل الحقيقي بتكرار تنفيذه نفس المخطط بعدة طرق أصبحت معلومة لشعوبهم قبل شعوبنا