الثلاثاء 23 ابريل 2024

حديث النفس.. هل تراني كما أراك؟!

مقالات4-9-2021 | 12:15

دائما ما ننشغل بمن يرانا.. كيف يرانا.. هل يراني من أحب؟ ماذا عساي أن أفعل حتى يراني؟ كثيرا ما نحب أن نظهر على عكس صورتنا الحقيقية.. فتكون مرآتنا على حسب رغبتنا فى عيون الآخرين فتكون مقعرة لتضخيم محاسنا ومحدبة لتصغير عيوبنا أو مزيفة لا تظهر عيوب وتضيف محاسن غير موجودة.. لكننا أصحاب عدسة مكبرة لعيوب الآخرين!!.

نحب أن نتجاوب فى رؤيانا وتناظرنا إذا ما عشقنا فنرغب فى إطالة النظرة ولو ازددنا عشقا نرى فى بعضنا ما هو غير موجود وإذا كرهنا لا نرى شيئا غيره.. فنحن نرى فى غيرنا ما بداخلنا فى حبنا وكرهنا حتى أننا أحيانا ما نرى أوهامنا فنصدقها!! .

ونطرح الأسئلة.. هل ترانى كما أراك.. هل مازلت ترانى كما كنت؟! ماذا أفعل حتى تراني؟! وإذا ما تغيرت النظرة أو اختفت ننزعج.. لأننا نفقد من يرانا جميلا فنحرم من نظرة الحب والعطف وقد نبحث عنها فى عيون الآخرين لنستمد من هذه النظرات ثقتنا بأنفسنا.. وهذا أمر حقيقى فكلما كان هناك من يرانا بحب تزداد ثقتنا بأنفسنا لأننا شعرنا بأننا مرغوبون ومتى ضاعت هذه النظرة نشعر بالإحباط والهزيمة حتى وإن كانت غير موجودة لدينا تجاه الطرف المحب ولكنها سعادة أنك محبوب مرغوب.

 وكثيرا ما نقول كن جميلا ترى الوجود جميلا وهذا يعنى أننا نرى ما هو بداخلنا فتنعكس هذه الحالة اللاشعورية داخلنا على أفعالنا وأفكارنا وسلوكنا وتصبح حالة شعورية نعيشها، ولكن لا مانع أن تغذيها البيئة والتنشئة والتربية فكثيرا منا ما يكتسب ثقته بنفسه من طريقة تربيته وتفاعل الآخرين معه حتى أننا أحيانا نخطئ فى تنشئة بعض الأبناء المحظوظين بقدر وافر من الجمال فننشئهم على كونهم مميزين لدرجة إصابتهم بالغرور فيفشلون في التواصل مع بيئتهم المحيطة بهم.

وفي الحقيقة أن العوامل الداخلية لدينا هي التى تتحكم فى رؤيتنا للأشياء والأشخاص من خلال تكرار العمليات المعرفية فى تعاملنا مع الأحداث العشوائية التى نمر بها فنرى أن العمليات المتشابهة تحظى دائما بتكوين رؤى وأفكار متشابهة وبالتالي لردود أفعال متشابهة حتى أننا مع تكرار هذه الخبرات وتطابقها مع النتائج الحادثة غالبا يكون لدينا نفس الآراء والقرارات وهو ما يجعلنا نرفض القبول بأي رأي مخالف.

وعلى الرغم أنه كلما كان الإنسان منفتحا وصاحب أفق واسع كانت له القدرة على السماح بالاختلاف مع من حوله فلا يضيق الخناق على نفسه فيسمح بالاختلاف والتعددية فى الرأى ووجهات النظر وتجد هنا الاختلاف يؤدى إلى صورة تكاملية جديدة ورؤى أكثر إبداعا وابتكارا، ولكن هذا الأمر يعتمد على ثقة الإنسان بنفسه وقدرته على الوصول لأفضل الرؤى بعيدا عن الأنماط المألوفة، وكلما كانت الفرصة متاحة للتجاوب والتجاذب فى وجهات النظر كلما كانت القدرة على التعايش الذى يعنى التقبل فنصل لرؤى توافقية فى أمور عديدة متى يكون مسموح فيها بقدر من الحرية ويكون الخيار الأفضل.

 وقد نكون مجبرين على التوافق حتى تتم العلاقة بشكل به شيء من التنازل وإحداث الوسطية بين طرفى العلاقة وفى هذه الحالة يكون التوافق مكسبا للطرفين حتى تستمر العلاقة بشكل جيد ومثمر حتى ولو كان تحت ضغط ضرورة استمرار العلاقة مثلما هو الحال فى علاقات العمل بروح الفريق وكذلك العلاقات الزوجية الجيدة التى تبتعد عن التعسف والتمسك بالرأى الواحد، حتى لا تفشل فقد ينسحب الطرفان من بعضهما أو ينسحب أحدهما إذا لم يحدث التقارب بينهما، وأتصور أن الطرف الجامد فكريا يصاب فى الغالب بالانعزال والوحدة لأنه لم ير غير نفسه وفشل فى التفاعل مع رؤية الطرف الآخر.. لأن من علامات الحب أن نتقبل بعضنا البعض كما نحن عليه.

فى بداية حياتنا دائما ما يحلو لنا أن نقدم أنفسنا بصور مبالغ فيها حتى نحظى بالإعجاب من الطرف الآخر.. فنبالغ فى إبراز الصورة المثالية لنا، وخاصة إذا ما علمنا مفتاح شخصية وقلب الطرف الآخر فنظهر أنفسنا على غير حقيقتها حتى نفوز بقلبه وعقله، وقد نقدم تنازلات عديدة حتى نكون عند حسن ظن الطرف الآخر وقد تكون هذه الصورة مزيفة.. المهم تحقيق الهدف!!.

وننسى ونحن فى طريقنا للاستحواذ على أفئدة الآخرين أننا نخسر أنفسنا وأنهم متى اعتادوا على هذه الأوضاع تصبح أنفسنا مكسبا لهم فلا يصح أن نقدم أنفسنا أمهات وآباء للطرف الآخر الذى يعلم أنه مهما فعل لن يتغير معه.. وهنا يفعل ما يشاء وقتما يشاء ونعود ونشكو.. وربما يستعذب هذه الشكوى التى تشعره بالسيطرة والامتلاك.. لأنها تستعطفه ليستمر يراه كما كان، ويرفض أن يتحول بنظره بعيدا عنه.

لسنا كلنا هكذا فهناك أشخاص أسوياء يقدرون الحب والاهتمام ويقابلونه بنفس التقدير الذى يعلو مع وجود التضحيات، ولكننا فى شبابنا ومع صغر سننا يحلو لنا أن نلعب بمشاعر الآخرين ونتعامل معهم كالدمى التى نلهو بها وربما ندمرها بعد انتهاء نشوتنا منها.. وربما نضجنا ووصلنا لمرحلة جيدة وشعرنا بقيمة الحب الذى منحه الله لنا وأن هناك وليفا يهتم بنا ويعمل على راحتنا وربما أفقنا بعد فوات الأوان!!.

الرجل دائما ما يغتر بما يحصل عليه من حب واهتمام من المرأة وخاصة حينما يكون هناك ارتباط رسمي فى ظل مجتمع ينظر للمرأة دائما على أنها يجب أن تعمل على استمرار الحياة الزوجية وتتحمل تغير نظرة الرجل لها فتتحمل طيشه وهفواته ونزواته فى ظل مجتمع ينظر للمرأة المنفصلة عن زوجها نظرة دونية مما يجعله يبالغ فى عدم الاهتمام بحياته الزوجية، وخاصة إذا كان من الرجال المخادعين الكاذبين ممن يحلو لهم زوغان العين بعيدا عن زوجته.. ومع ذلك متى وجد تهديدا من زوجته بتغيير نظرتها اتجاهه بتجاهله أو بإظهارها وجود البديل تجده ينزعج ويحاول إرضاءها ولو لبعض الوقت لأنه يشعر بأنه يفقد شيئا امتلكه، وهذا أمر يهدد صورته المجتمعية حتى ولو كان وجودها رمزيا لكنها من مكتسبات شكله المجتمعى، الذى يحرص عليه!!.

وإذا ما خسرنا صورتنا اتجاه بعضنا البعض فهو بسبب أننا لم نضع حدودا فاصلة فى علاقات الود والحب فقد يكون الإفراط فيها أمرا يؤذيها مع بعض الأشخاص إذا ما شعر بأنها أبدية فيتوقف عن إعادة أو تجديد نظرته لها بالإنماء والتطوير حتى تموت ولم يعد يرى أحد الآخر..

ويدعم النظرة والتناظر بيننا قاموسنا اللغوي الذي نعبر به عن المشاعر والمكنونات النفسية فتحقق اللغة التواصل بيننا.. صحيح تهتم المرأة بالكلام المعسول لكن داخلها رادار تعرف به مدى زيف هذه العبارات ومدى صدقها أيضا.. فنجد للحب أعراضا وللكره أيضا.. فتجد المحبين يطيلون النظر لبعضهما البعض وتبادل النظرات الحانية العطوفة وكذلك الحديث، على الرغم أن الرجال قليلو الحديث إلا أنه فى حالات الحب والهيام والعشق تجدهم كثيرى الكلام والبعد عن أى أمر يعكر صفو العلاقة وفعل كل ما هو جميل.. وفى حالات الكره وتحول نظر أحد الطرفين عن الآخر.. تجد لا حديث ولا نظرة حانية حتى حالات الصمت داخل البيت الواحد تجدها اختيارية.. لأن الحب والتواصل غاب وقد يكون مؤشرا لعلاقات الخيانة لأن حالة الخرس المنزلى لابد أن يواكبها حالة رغى عاطفى خارج البيت.

 ولكن الطرف الخائن يتهرب من النظرات ومن الحديث الكاشف لخيانته وربما يتحول الحديث لمعارك ولوم وتهكم لإخفاء الخيانة وربما لمنح الأعذار للطرف الخائن بأن حياته الزوجية أصبحت جحيما وهى مبرر لما يفعله!! ويظل إحساس المرأة هو الحاسم فى هذا الأمر وهو أكبر من أى دليل مادى يعمل الزوج الخائن بغبائه على إخفائه فهى بمجرد النظر لعين زوجها تستطيع أن تعلم إذا كان صادقا أم لا.. فالمرأة قادرة على تجميع الأحداث وتحليلها بشكل يفوق تصوره وبمجرد النظر فى عينيه مهما تهرب منها تستطيع معرفة ما تريده.. فالقط لا يطارد الفأر فحينما يكون فى الأعلى تجده يسقط دون أن يصعد إليه!! .

ولا تعدم المرأة الوسيلة لتتأكد من أنه لم يعد يراها.. ويتبقى لها إجابة سؤال لماذا لم يعد يرانى وفى الغالب تؤكد لنفسها أنها لم تكن السبب فى أن يرى غيرها فالخيانة ليس لها مبرر وإلا لماذا لم تبادله بخيانة مماثلة والنظر لغيره!!.

أحيانا نبحث فى الفضاء الإلكتروني عن صور لنا نكون فيها على غير حقيقتنا لنختار لأنفسنا صفات وأحيانا أسماء مغايرة فهنا ضوء الشمس وهناك سهر الليالى والحب كله.. وغيرها من أوصاف حلمنا بها ولم نستطع تحقيقها فى الواقع فانطلقت للفضاء الإلكتروني.. فلا أحد يعلم عن غيره سوى ما يمنحه هو فقط!! فنبحث عن علاقات الحب وأحيانا الزواج ونعلم أن مثل هذه العلاقات لا يمكن أن تنجح.. صحيح التكنولوجيا اقتحمت كل حياتنا إلا مشاعرنا وأحاسيسنا فنحن لا نزال لا نثق فى العلاقات الإلكترونية ولا نصدقها فلا يقع فى فخها سوى البنات صغيرات السن.. أما الناضجون فهم يعلمون أنها علاقات عابرة وربما مصيدة للمعوجين نفسيا وسلوكيا، حيث الغموض الذى يستفاد منه لإخفاء وإظهار ما نريد.. الشيء الوحيد الواضح أن كلا الطرفين يعلم أنه يكذب على الآخر.

أحيانا نكون من الصدق مع أنفسنا فنظهر ما بداخلنا لأننا لا نعبأ بنظرة الآخرين لنا.. فنحتفظ بصورة لها أصل واحد هو نفسنا التى أحببناها واحترمناها وحتما ستجد من يتقبلها بنفس الحب والاحترام.. وأحيانا تكون أنفسنا أضعف من أن تظهر ضعفها.. فنكذب ونمتلك صورا مزيفة فتتعلق بنفوس تشبهها.. وقد تهفو نفوس غير جميلة لأمور جميلة لا تستحقها فيكون عقابها الوحدة والعزلة.. فالقلوب لها عيون مثل العقول تبصر بنور البصيرة.

Dr.Randa
Dr.Radwa