الخميس 18 ابريل 2024

حديث النفس.. بنك الحظ

مقالات31-8-2021 | 13:35

بنك الحظ موجود في حياتنا ولكنه ليس كل حياتنا.. صحيح أن لكل واحد منا رصيداً في هذا البنك، قد يظن البعض أن رصيده يختلف عن غيره أو قد ينعدم.. والحقيقة أن لكل واحد على قدر اجتهاده وعمله يكون الرصيد، فلا شخص محظوظ أو منحوس إلا بهذا الشرط.. يمنحك الحظ على قدر وديعتك من العمل والسعي .

تبحث عنه وقد تجده ولكن حينما يأتي إليك لابد أن تكون مستعدا.. فكم من أناس أغلقوا الباب في وجه فرص حظ وذهبت لغيرهم ولم تعد.. الحظ يبحث عن من يستحقه.. فهو القدر والقسمة والنصيب لكل مجتهد.. فالمحظوظ موجود والمنحوس أيضا، فوراء كل واحد منهما حكاية وقصة نجاح أو فشل.

كثير منا مارس لعبة «بنك الحظ» ولكن لمن لا يعلمها فهي عبارة عن بنك به أموال كثيرة وماكيت لمجموعة من البلدان ولكل لاعب سيارة يتحرك بها بين البلدان بعد رمي زهر النرد لتحدد عدد خطواته.

يتصور الكثيرون أن أرقام زهر النرد هي التي تحرك اللاعب فقط.. ففيها يسير اللاعب بين البلدان ومن حق من يصل أولا شراؤها، وعلى اللاعب الآخر دفع رسم مرور لنظيره، وبها كروت محاكمات تصل للسجن والغرامة وأحكام أخرى طيبة.. لعبة مسلية.. كثير منا في طفولتنا ما سعد بها وخاصة أنها تدعم في نفس الطفل الحصول على ثروات.. لكن حتى هذا البنك يعتمد على اجتهاد اللاعب الذي يشتري عددا أكبر من البلدان وينمي ثرواته ببناء منشآت بها، كلما مر اللاعب  الآخر عليه يدفع رسوما وهكذا حتي يمل اللاعبون من هذه اللعبة ويصفّوها ويحتسبوا الثروات المحققة ،ومن يحصل على ثروة أكبر يكون الفائز.. هي مثل لعبة الحياة تظن أن زهر النرد هو حظك الوحيد ولكن اجتهادك ومثابرتك وسعيك يجعلك الأغنى والأقوى.

دائما ما نتحدث عن الحظ والبخت وأن له دورا عظيما في منحنا فرصا في الحياة.. الزواج.. في النجاح في العمل .. أو حتى إيجاد فرصة عمل في وقت يموج بالبطالة.. حتى الحسن والقبح في الشكل الذي حبانا به الله فكل بنت أو ولد جميل أو قبيح يرجعه إلى الحظ فليس له حيلة في هذا أو ذاك.

وتختلف العقائد والديانات والتقاليد من مجتمع لآخر لكن هناك إجماعاً على وجود الحظ فالبعض يرجعه للقسمة والنصيب، والآخر يؤكد أنه المحرك الأساسي والداعم لكل شيء في حياته، وثالث ينتظره ويحلم به ويتضخم حلمه حتى يغالب عمله وبالطبع لا يأتي!! لأنه توقف عن تحقيق حلمه فخالفه الحظ.

في الحقيقة الكل يحلم بأكثر من قدراته ولكن الفرق بيننا أن منا ما يحيل هذا الحلم لحقيقة بالعمل والاجتهاد فيوفق ويحصل على النتائج المتوقعة نتيجة  له ،وهذا أمر ينطبق على الأمور العملية التي يكون صاحبها هو الترس الوحيد فيها مثل العالم أو المخترع في معمله فيقوم بتجارب عديدة حتى يصل إلى النتيجة التي يطمح في الوصول إليها ولا يعني فشله في بعض التجارب فشلا مطلقا ولكنه يغير من الحسابات والمعادلات حتى يصل إلى نجاح فكرته، فيحقق نجاحه رغم محاولات فاشلة ولكنها ليست يائسة.. وقد يكون هذا الأمر في المجتمعات المنضبطة التي يحصل فيها العامل على حقه بالتمام  والكمال فيكون في قمة العمل من يستحقون فعلا تبوئ هذه المكانة.. حتى الآن لا حديث عن الحظ الذي يعني أن صاحبه حصل على فرصته بالمصادفة أو بالعشوائية.

ولكن في المجتمعات الهشة الخاملة تجد ضوابط تبوؤ المكانة أو القيادة تعتمد على الوساطة أو المحسوبية فتجد أنك تندهش من وصول فلان الأقل مهارة من فلان، وهنا نبدأ الحديث عن «الحظ».. أحيانا تكون محقاً وأحياناً تكون مخطئاً.. وحالات أخرى تجد نفسك تقارن بينك وبين زميلك  الذي ترى أنك الأفضل منه لكن ضوابط العمل اعتمدته واستبعدتك.. هنا ممكن تكون مخطئا لأنك كنت حكما وخصما في ذات الوقت، فقد تكون أفضل من وجهة نظرك وحدك أما للحاكم بينكما فهو الأفضل ،قد تكون صدامياً أو صريحاً أكثر من اللازم أو صاحب شخصية غير قوية وطبيعة العمل تحتاج لشخصية قوية ومهارات متوسطة وهكذا.. فإذا ما اعتمدت على تحليل ظاهري غير متعمق قد ترجعه إلى الحظ فقط.

حتى إذا ما تعادلت الكفتان بينكما في كل شيء ولم يكن لأحد التفوق على الآخر.. في هذه الحالة من الخطأ أن تتحدث عن الحظ لأن الله غالب على أمره، فهو اختار هذا الأمر وعليك بالانتظار والصبر حتى تفسر لك الأيام هذا الأمر ولا عجب في ذلك فالأمور مسيرة بيد الخالق وحده.

في قصص النجاح والفشل دائما ما نرى ما يسمى بالنجاح المزيف فهناك نجاح مزيف لا يعلم أساسه غير من معه سر هذا النجاح  .

فكم من أناس يخرجون علينا بعدما حفظوا أدوارهم عن ظهر قلب فأصبحوا يجيدون دورهم التمثيلي الذي كتبه غيرهم، ويخدعون الكثير والكثير وقد تتحقق لهم الشهرة، ولكن لا أنكر أن لديهم صفات وخصائص من الاحتيال.. ولا أقول إنهم أغبياء أو أذكياء بل لديهم قدرة في اقتناص النجاح الذي يكون مرتبطاً ببعض من الجنود المجهولين وراءهم أو أسباب أخرى فيزول هذا النجاح بزوالها .

الأشخاص المزيفون من يسعدون بنجاح مزيف.. هم فقط يبغون الشعور بهذا النجاح  الذي ليس لهم دور فيه ولا يعلمون معاناة من سرق منهم نجاحهم، لكن دورهم ينحصر في «التوهم» بتحقيق النجاح هؤلاء موجودون بيننا على قدر كثرة «الغشاشين» وقد يزاحون من المشهد ولكن بعد أن يحققوا مكاسب تعوضهم!!

هؤلاء اعتمدوا على حظ مزيف، وأصبحوا دائما مثار اندهاش المجتهدين الذين قد يصابون بالإحباط، ولكن المجتهد الحق يعلم أن الحظ جزء من حكايته ورحلته في الحياة وليس كل الحكاية!! .

وهناك من المجتهدين من يبذلون مجهودا كبيرا ولكن في الاتجاه الخاطئ ولكن في النهاية يكتشف أنه مخطئ، ولكنه خاض التجربة التي استفاد منها، وربما يعاود التجربة بعد الأخرى.. حتى وإن حقق الفشل فيها لكن المؤكد أنه التمس طريقه بنفسه .. تعثر .. سقط ونهض ليصل لطريقه الصحيح فحقق النجاح.

وهناك من يحاول أن يفرض شروطه على الحياة وعلى من حوله حتى إنه لا يملك من الذكاء الاجتماعي ما يجعله يقيم علاقات إنسانية ناجحة، فهو لا يؤمن بالحلول الوسط ولا بالنسبية ،فيفشل في تحقيق النجاح مثلما يحدث في الفشل في علاقات الزواج أو تكوين الصداقات بسبب جمود الشخصية أو البحث عن الكمال فلا يتقبل غير ما يعتقده فقط!! ويطالب الآخر بنفس ما يعتقده ولا يلتمس الأعذار للآخرين وفي النهاية تكون الوحدة نصيبهم.

فيرجعون الفشل في مثل هذه العلاقات للحظ وسوء البخت فقط.. وهناك حالات لنساء جميلات وعلى خلق لكنهن فشلن في زيجاتهن، ورجال آخرون فشلوا في تكوين أسر لبحثهم عن الكمال غير الموجود على الأرض حتى وإن كان هو كذلك ،فغيره ليس على هذه الدرجة، فيفشل في التوافق والتناغم في وسط جماعة مختلفة!!

وهناك من الأشخاص من يرفضون تحميل أنفسهم مسؤولية الفشل فيرجعونه لسوء الحظ ومن الممكن أن يلجئوا لبعض السحرة والمنجمين الموجودين في كافة المجتمعات.

  فتجد الإعلانات عن رد الحبيب فى نصف ساعة !! ورد المطلقة في ثلاثة أيام !!

ولا أعلم كيف احتسب الدجال هذه المدة ،البعض ينساق وراء هذه الخرافات التي اتخذت من وسائل الإعلام منابراً للدعاية وتحقيق الثروات!! .

ولا أنكر أن الكثير منا يعتمد على أمور ترتبط بالتفاؤل والتشاؤم ومنها ما يرتبط بعلم الأبراج الذين يقدمون أنفسهم على أنهم علماء فلك ويجتهدون في توقعات غيبية لا يعلمها إلا الله.

على الرغم من تحريم كل الديانات لهذه الأمور التي تدخل في باب الدجل وتحرم  المجتمعات من العمل والأخذ بالأسباب التي تعتمد على المقدمات والنتائج وتجعل الإنسان مسؤولاً عن عمله فكل إنسان بما كسب رهين لعمله .

صحيح هناك ضربة حظ غير مبنية على أسس علمية مثل تلك التي في القمار وانتظار الفوز بهدية ثمينة في أحد برامج المسابقات ،ولكن لا تنس أن الله حرم القمار وأنه مادام المكسب موجوداً فالخسارة موجودة أيضا، فتخسر أموالك ودينك، فهي أمور شيطانية تتملك الإنسان لتبعده عن طريق العمل الذي اعتمده الله للوصول للرزق.

فقد تفوز بهذه الأموال الحرام وتكون سببا لتعاستك في الدنيا والآخرة، وقد تنتظر الفوز في إحدى المسابقات ولا يحدث فتعطل حياتك وأحلامك لتعلقك بالأوهام.

هذه أمور في حياتنا يغيب فيها العلم والعمل ويحل محلها الكسل والوهم وعدم التفسير المنطقي العقلاني للكثير من الأمور، فقد يرى البعض أن هناك من حصل على  فرصة غير مستحقة أو تخطته الفرصة في الكثير من الأحوال مثل الرزق .. الزواج.. الصحة.. الأولاد وغيرها من أمور كلنا نسعى لها، ولكنه حينما نظر لهذه الأمور كانت نظرته دونية بشرية لا يعلم ماذا خبأ الله وراء هذا الأمر بالمنح والمنع من خير للإنسان فهو رأى سعادته كأمر مجرد ولكن الله اختار للإنسان الخير الكلي

فقد تطلب الولد ولا تعلم أنه قد يكون شقيا وتطلب الرزق الوفير ولا تعلم أنه قد يكون مفسدة  أو تنفقه في علاج مثلاً وقد تطلب الزواج من أحد ولا تعلم أن تعاستك معه، الرضا بالقدر خيره وشره هو سبب السعادة فكل حظ مكتوب مقسوم للإنسان .

قد يسعى الإنسان ولا يدرك ما يطمح له لأن القدر بيد الله وحده.

قد ترى إنسانا ذكيا  وفقيرا أو محدود الرزق ،وقد ترى شخصا غبيا وسع الله عليه في رزقه، وقد تتعجب وتنسى حكمة المولى عز وجل أن ذكاء المرء محسوب عليه من رزقه فالله يعلم أن الذكي يستطيع أن يجد سبلا للعيش أما الغبي فهو محدود الذكاء لا حيلة له فيرزقه ..هو ميزان العدل ..قد يوسع على شخص في أمر وفي المقابل يوسع على الآخر في أمر آخر.. فالله أعلم بعباده.

قد تتساوى الموهبة والمهارات ولا يعني هذا الأمر وجود الحظ أبدا ولكن إذا ما حقق صاحبها ما يتمناه فيكون محظوظا .. حينها سيكون الحظ بعد العمل  والأخذ بالأسباب.. هو التوفيق أو البركة أو المكافأة للمجتهد على سعيه في الحياة فلا شيء يتم  بالمصادفة .

وإذا ما فاتك شيء رغم اجتهادك فليكن لسان  حالك قدر الله وما شاء فعل ، فقد يرفع الله عنك به سوءا لا تعلمه أو يرفعك درجة أو يكفر عنك ذنبا.. فالدنيا دار ابتلاء يملك فيها الله مقاليد كل شيء  .