الجمعة 19 ابريل 2024

نصاب الألقاب 

مقالات29-8-2021 | 20:39

اعتقد أنه لا توجد دولة على وجه الكرة الأرضية يحمل عدد غير قليل من مواطنيها ألقاب ودرجات ووظائف وهمية مثل مصر، فقد أصاب المجتمع المصري منذ قرابة الخمس عشرة سنة مرض انتشر كانتشار النار في الهشيم، وأصبح يضرب الفئات المهمشة في المجتمع وهو مرض انتشار الألقاب وانتحال بعض الوظائف المرموقة في الدولة، حيث أصبح الكثيرون يحملون لقب "دكتور" أو "مستشار" أو "سفير" بدون الحصول على هذه الدرجات أو الوظائف فعليا؛ فالأول لم يحصل على درجة الدكتوراة من إحدى الجامعات المعترف بها في مصر أو في الخارج بناء على معادلة من المجلس الأعلى للجامعات، وربما لم يحصل على مؤهل عالي، ويشيع بين الناس بأن اسمه يسبقه حرف (د) ومن خلال هذا اللقب الرفيع الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب العلم يظهر في القنوات التافهة والغير معروفة تارة ويحاول اللحاق بأي حزب ناشئ لا علاقة له بالحياة السياسية ويقوم بالتقاط الصور مع المسؤولين تارة أخرى.

فها هو من يطلق على نفسه لقب "دكتور في التنمية البشرية" لمجرد حصوله على دورة مدتها أسبوعين بأحد مراكز بير السلم، وهذه "دكتورة استشارات أسرية" لأنها منبع أسرار صديقاتها المطلقات، والتي هي في الغالب سبب طلاقهن !!!!!، والثاني يحمل لقب "مستشار" لاستغلال الجهلة، وإنصاف المتعلمين ويطبع كروت شخصية بهذه الصفة مع ارتداء مجموعة من البدل التي لا تزيد ثمن الواحدة منها عن أربعمائة جنيه مع مجموعة من أربطة العنق من على أحد أرصفة وسط البلد، أما صاحب لقب "سفير" فهو قد اختير من قبل جمعية خيرية مقرها أحد الأكشاك أو محال البقالة الصغيرة أو الكافيهات أو من خلال مؤتمر من المؤتمرات التي تعقد فوق أسطح بيوت الأحياء الشعبية ليكون سفيرا للفن أو الجمال أو الدلال أو الأنوثة ونشر فكر ومبادئ ما هو سفيرا له!!!!!، كل هولاء يحصلون على ألقابهم المزيفة من خلال مكاتب تحت بير السلم أو جمعيات عبارة عن أكشاك أو مؤتمرات تعقد في قاعات درجة عاشرة وفي النهاية ينسجون خيوطهم على الغافلين من أبناء المجتمع لكسب احترام زائف أو مكسب مادي تافه.

والأخطر من ذلك أن كثيرا منهم يملأون الفضائيات صياحا ليل نهار في أمور لا يفقهون فيها شيء إلا بضعة معلومات يقتاتونها من مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكثر ما تعجبت له أن شخصا يعمل في وظيفة حرفية بإحدى الجهات الحساسة بشهادته المتوسطة، وحاصل على لقب مستشار  تحكيم دولي من خلال دورة مدتها ثلاثة أيام، وزوجته وأولاده يرددون دائما "نحن أسرة المستشار فلان"، وطبعا لأنه يعتمد على عدد لا بأس به من البدل رخيصة الثمن ونظارة سوداء تقليد من سوق النظارات لا يزيد ثمنها عن ثلاثمائة جنيه وسيارة ألمانية موديل التسعينيات فإن الجميع من جيرانه ومن يحيطون به من محال تجارية  يتعاملون معه بهذه الصفة، وإذا طلب أحدهم منه خدمة يقول لهم إن حساسية مركزة تمنعه من الوساطة لأحد لأنه معروف في الهيئة القضائية التي يدعى الانتماء لها بالشفافية، والأدهى من ذلك أن أولاده وزوجته يتعاملون مع الناس بهذه الصفة!!! فهو سيادة المستشار الذي يجب أن تكون طلباته أوامر من حارس العقار وجميع من يحيطون به.

إن أولى خطوات القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة هو القضاء على مهرجانات ومراكز بير السلم التي تحصل على أموال من راغبي المنصب الزائف والمكانة الوهمية، ثم وضع تشريع يجرم هذا الفعل تحديدا بعيدا عن التجريم العام لجريمة "انتحال الصفة" في قانوننا العقابي، فلا يحمل لقب "دكتور" إلا بعد الحصول على درجته العلمية، ولا يجوز منح لقب مستشار أو سفير إلا بعد الانتماء إلى الهيية القضائية أو السلك الدبلوماسي.